الخروج على النص..! / سيدي محمد ولد ابه

ربما كان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أكثر القادة خروجا على النص، ليس في موريتانيا وحدها، بل في شبه المنطقة ككل، فالرجل الذي بزغ نجمه فجر الثالث أغسطس 2005 أضاف رقما جديدا إلى قائمة الاستثناءات القليلة من القادة السياسيين في المنطقة.

كان أول خروج للرجل على النص عشية الحركة التصحيحية، حين دلف إلى حي الأكواخ بمقاطعة دار النعيم، في مشهد غريب على ساكنة الحي، معلنا بداية مرحلة جديدة من العلاقة بين الحاكم والمحكوم في هذه الأرض التي كانت سائبة..!!
بعد أشهر قليلة، وفي قرار تاريخي وجريئ أيضا أمر ولد عبد العزيز ساكنة البيت الصهيوني الأجرب في نواكشوط بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.. لم يصدق الموريتانيون الخبر لأول وهلة، وأخذوا يفركون عيونهم وهم يشاهدون الجرافات تزيل المتاريس من أمام ما سمي "سفارة إسرائيل في نواكشوط".
كان مشهدا خارجا عن المألوف، وكان قرارا غير عادي، في بئة ألفت الخنوع والخضوع والركوع، من أقصى الوطن العربي إلى أقصاه..  فمن يصدق أن موريتانيا الدولة الفقيرة التي تقع في مغرب الشمس، تملك من الجرأة والشجاعة ما يخولها طرد سفارة الكيان الصهيوني في وضح النهار، وهو فعل أعيى دولا أغنى وأقوى وأكثر حضورا في المشهد الدولي (تركيا مثلا)؟..
في غمرة فوضى الربيع العربي أعطى ولد عبد العزيز أوامر واضحة وصريحة، بترخيص كل التظاهرات والمهرجانات، حتى ولو كانت تدعوه للرحيل، يومها مثلت موريتانيا استثناء من القاعدة، فهي الدولة الوحيدة التي تسير فيها مواكب الرحيل تحت حماية رجال الأمن، وبترخيص رسمي من السلطات الإدارية.
قبل أيام قليلة قال الرجل إن التلويح بالعقوبات الأوروبية ضد بلاده لن يغير شيئا، فموريتانيا دولة مستقلة وذات سيادة.. أكثر من ذلك قال ولد عبد العزيز إن الأوربيين أخلفوا وعودهم للبلاد أكثر من مرة، ولم يفوا بتعهداتهم لها منذ العام 2008، بل عملوا على دعم ومساعدة دول تصنع الإرهاب وترعاه في المنطقة..
هي شنشنة نعرفها عند أخزم، فمن وجد في نفسه الشجاعة لطرد اليهود المدللين عالميا، بمقدوره أن يفقأ العين التي تنظر إليه بدونية واحتقار..
قد يقول البعض إن ولد عبد العزيز يعرض بمصالح البلاد، بهذه التصرفات، لكن الوقائع التاريخية أثبتت أن الأوربيين والغرب عموما لا يحترمون من القادة إلا الذين يحترمون أنفسهم..
في عالم السياسة والدبلوماسية، هناك عبارات متداولة، يتفوه بها المسؤولون، للتعبير عن موقف محدد من قضية ما، وتعرف باللغة الدبلوماسية، وهي لغة تعتمد المجاملات وتفتح الباب للتأويلات، لذلك غالبا ما يتدخل هؤلاء أو مستشاروهم لتصحيح الموقف بالقول إن كلامهم أخرج من سياقه الطبيعي أو فهم خطأ..
هذه اللغة لا مكان لها في قاموس ولد عبد العزيز، فهو ثوري بالفطرة، يتحدث بعفوية وعاطفة صادقة، لذلك تجد خطاباته الطريق سالكا إلى قلوب وعقول الجميع، لأنها ببساطة لا تحمل أكثر من وجه..

21. ديسمبر 2014 - 9:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا