إعلامنا ... والشوفينية المقلوبة / العباس ولد أجيه

الشوفينية مصطلح مشتق من اسم جندي فرنسي هو نيكولاس شوفان ،الذي كان معروف بولائه المتعصب لنابليون  ،وجرح عدة مرات في حروب الثورة الفرنسية وحروب نابليون لكنه ظل أبدا يقاتل في سبيل مجد فرنسا ومجد نابليون ،ومن ثم فإن المصطلح في مرحلة لاحقة أصبح يطلق عل أي

 متعصب أعمى متطرف للزعيم أو الوطن ،وعادة ما تطلق صفة الشوفينية على تعصب الفرد لوطنه عندما يكون هذا التعصب مصحوبا في ذات الوقت بكراهية شديدة للدول الأخرى وبرفض تام لمواطني أي دولة أخرى متواجدين في وطنه.

أما في بلدنا موريتانيا فإن ظاهرة جديدة ، أو ربما متجذرة في عمق مجتمعنا أصبحت تطفو وتظهر على السطح في زمن التوترات السياسية ، وحتى في زمن استراحة المحاربين ، هذه الظاهرة هي ما يمكن أن نسميه (الشوفينية المقلوبة).

إن المواطن سواء كان سياسيا أو كاتبا أو صحفيا ، عندما يمارس أبشع أنواع النقد غير العادل ضد أبناء  وطنه أو مجتمعه بمنتهى القبول بل والمتعة أحيانا والتشفي أحيانا أخرى إنما يعبر بذلك عن فن من الكراهية يتعيش صاحبه من الوطن ولا يقبل التعايش فيه مع الآخرين.

ومن الأمثلة القريبة على هذه الظاهرة هو ما تناولته بعض المواقع الالكترونية عن انسحاب الرئيس عزيز من القمة الفرانكفونية في السنغال ، وتبارت الأقلام بلغة العرب والفرنج في تحليل الحدث بين من يذهب إلى أن الأمر يعود إلى شعور الرئيس بالإحباط من عدم تقديمه كممثل للاتحاد الإفريقي وعلاقته المتوترة مع عبدو ضيوف منذ 2008 ،وبين من يذهب إلى أن الرئيس ذهب مغاضبا (بسبب المعاملة الدونية التي تلقاها من طرف المنظمين للقمة  وأن الصحافة السنغالية شنت انتقادات لاذعة ضده معتبرة أنه يحاول تقليد القذافي لكن قدراته المالية تحول دون ذلك).

وعلى النقيض من صحافتنا الشوفينية المستعربة التي انحازت لمنظمي تلك القمة ، فقد أجمع المراقبون المطلعون الذين اعتادوا على هذا النوع من الاجتماعات على أن القمة كانت فاشلة من حيث التنظيم والخدمات اللوجستية بل كانت كارثة حقيقية ،فقد عقدت حوالي 35 كلم من العاصمة دكار مع وجود نقاط تفتيش على طول الطريق الأمر الذي أزعج الوفود القادمة ، أضف إلى ذلك الإنفاق الكبير غير المبرر لتنفيذ هذا الحدث الذي عقد لمدة يومين فقط ، إنفاق لن يتعافى منه الاقتصاد السنغالي  لسنوات قادمة.

لقد كانت القمة استفتاء على الاستقلال من فرنسا لمه لا نعتبرها كذلك؟  وقد انضم إلى ركب المغاضبين رئيس غينيا الاستوائية (المستعمرة الاسبانية السابقة) تيودور أوبيانغ نغيما ، وسا سونغيسو رئيس جمهورية الكونغو الذي تعرض للطعن في الظهر من فرنسا عندما أبعدت مرشحه هنري لوبيز وقدمت ميكائيل جان البيضاء القادمة من هايتي.

وليست هذه أولى حلقات تجليات الشوفينية المقلوبة ولا آخرها فقد نشر أحد المواقع في نسخته الفرنسية خبرا مفاده أن مواطنا سنغاليا مات تحت التعذيب أثناء نقله من سيليبابي إلى نواكشوط ليتضح فيما بعد أن سبب الوفاة كان طبيعيا ، وفي إطلالة أخرى نشر نفس الموقع خبرا تحت عنوان : موريتانيا تجمد علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب ، لنقرأ بين السطور أن الأمر لا يتعدى كون القائم بالأعمال في الرباط قد عين سفيرا لموريتانيا في باماكو.

ولا يتحرى من يمارسون هذا النوع من الشوفينية الدقة فيما يكتبون أو يقولون فربما ترجم أحدهم خبرا أو مقالا وقام بتحريفه عن قصد أو عن غير قصد ، وربما رجع إلى الوراء عدة سنوات كما يحدث هذه الأيام مع خبر تتناقله بعض المواقع حول تصريحات استفزازية لمسؤول سنغالي سابق تعود لسنة 2012  انتقد فيها الرئيس السنغالي سنغور على عدم ضم بعض الأراضي الموريتانية إبان ترسيم الحدود قبيل الاستقلال ، ونشروا الخبر تحت عنوان : السنغال تطالب بقرى في الجنوب الموريتاني.

وهم أنفسهم من ينظرون بعين الريبة إلى الموقف الحازم الذي اتخذته الحكومة الموريتانية في مسألة تجديد اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي ، موقف اتسم بالاستقلالية والمحافظة على الثروة الوطنية وعدم قبول الشروط التعجيزية التي يحاول أن يفرضها شريك ينظر إلى دولنا نظرة استعمارية .

أما فيما يتعلق بالتوظيف السياسي للإشكالات المجتمعية والسياسية ورواسبها فحدث ولا حرج ، هنا تلبس الشوفينية ثوب الحق والانعتاق محاولة تدمير أواصر الترابط الاجتماعي والوطني زارعة بذور عدم الثقة بين مكونات المجتمع.   

إن هذه الظاهرة تعبر عن خلل في البنية الثقافية والتربوية لدى السياسيين والمثقفين - وإن كنا أمام نظام سياسي يتبنى مسألة الحريات بدون حدود ويعمل دون ضجيج -فإنه لا خيار لنا كي نقاوم هذه الظاهرة إلا بمقاومة نشر ثقافة الكراهية والنقد الجارح وتوزيع شهادات الوطنية أو حجبها ، وأن ننشر ثقافة حب الوطن ونتغنى بقول الشاعر :

بلادي وإن جارت علي عزيزة       وأهلي وإن ضنوا علي كرام

ولنتذكر حكمة معاوية رضي الله عنه عندما جائته هذه الرسالة :  من قيصر الروم إلى معاوية ، علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب وإنا لنرى أنك أحق منه بالخلافة ، فلو أمرتني أرسلت لك جيشا يأتون إليك برأس علي بن أبي طالب  

فرد معاوية : من معاوية لهرقل أخان تشاجرا فما بالك تدخل بينهما إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي .  

ولنتذكر حكمة معاوية رضي الله عنه عندما جائته هذه الرسالة :

  نواكشوط  بتاريخ  : 21/12/2014

[email protected]
 

22. ديسمبر 2014 - 16:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا