في الأيام الماضية (10- 12- 2014) نشر لي مقال تحت العنوان أعلاه ، أعلق فيه - حسب رأيي المتواضع - على ما ورد في برنامج الصفحة الأخيرة الذي يقدمه الأديب د. الشيخ ولد سيدي عبد الله ، مستضيفا في حلقاته الأخيرة الزميل محمد المصطفى ولد بدر الدين وما أثاره ذلك الحوار من ردود
مؤيدة أحيانا وناقدة أحيانا أخرى . ذكرت وقتها أنني لم أكن أحبذ الخوض في الموضوع – على الأقل – في الوقت الراهن . وكنت كما يقول العرب (مكره أخاك لا بطل) .
بداية ، أقدم تشكراتي الخالصة إلى كل أولئك الذين تفضلوا بالإعراب عن تقديرهم للمقال شكلا ومضمونا ، خاصة تلك الشخصيات الوطنية ذات الخبرة الطويلة والمبدعة في الكتابة ؛ وإذا تلقيت التقدير ممن هو خير منك فذلك امتياز خاص لا يقدر بثمن ، وإذا كان له شيء من ذلك فهو أن تعمل على الارتفاع إلى مستوى حسن تقديرهم . كما أشكر في الوقت نفسه أولئك الذين قدموا بعض الملاحظات الناقدة ، فذلك يخدم الحقيقة ويساهم في إقامتها على قاعدة صلبة .
كنت لا أنوي العودة إلى الموضوع ، إلا أن تلك الملاحظات التي وصلت شفهية كانت أو كتابية ، دفعتي إلى التخلي عن مقاومتي لدواعي الكتابة. لن أناقش الموضوع الرئيسي في الحوار تفصيلا كما فعلت سابقا ، ليلا يسيء البعض فهمي . إلا أنني استسمح في تقديم بعض الأفكار العامة .
أعتقد أنني في المقال السابق – والله أعلم – قد وفيت كل ذي حق حقه ورفضت له حقوق الآخرين و"ودعت ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وإذا لم أوفق في ذلك عند البعض فإنني بلغت قصارى جهدي "وليس يلام المرء في مبلغ الجهد" و؛ فما كتبته كان مساهمة بسيطة لا أريد بها إلا وجه الحقيقة في معمعة نقاش فرضته الساحة السياسية أو التاريخية إن شئت .
وكما هو معروف ، فإن التاريخ في جزء كبير منه ، لا يعدو كونه تسجيلا لذبذبات وتعرجات السلوك البشري ، خيره وشره حلوه ومره ، فمنه إذن ما هو قادح ومنه ما هو مادح ؛ والإنسان حيا كان أو ميتا ، إذا لم يمس في عرضه أو دينه ، لا في خلقه ولا خلقه ، لا في أصله ولا فصله ، فقد بقي موفور الجانب ، لم يتعرض لأي خدش شخصي ؛ أما ما هو مشترك معه مشاع بين جميع الناس فالكل متساوون في حق التناول الحر لما يملكونه ، ولا يجوز أن يعتبر الانتقاد في هذا الميدان همزا ولا لمزا ، ولكل إنسان من ذلك ما له وعليه ما عليه .
إلا أن كل ما يصدر في هذا الميدان من هنا أو هناك ، ليس نصوصا مقدسة ، وإنما هي آراء ناجمة عن قراءة كل شخص للأحداث وحسب ما تيسر له من فهم ، ليس هناك أحكام ثابتة لا ترد ، بل كما قال الإمام الشافعي رحمه الله " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " . وفي نطاق هذه القراءات المسموحة والتوجيهات المقبولة ، فلا عصمة ولا حماية لأي كان ، فذلك فقط للأنبياء والمرسلين ؛ كما أن الحقيقة على الدوام نسبية لا أحد منا يملكها كاملة غير منقوصة ، والنصوص المقدسة هي وحدها التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، غير قابلة للنقاش حتى وإن لم يدركها العقل البشري المحدود .
وقبل أن أنهي هذه الفقرة ، أقول إنه إذا كان الموت يمنع من تسجيل حقائق التاريخ (وليس الأمر كذلك) فإن الكادحين مات منهم خلق كثير ، أولهم الفذ سيدي محمد ولد سميدع وآخرهم المناضل الصلب يحيى ولد عمر رحمهما الله ، ومع ذلك يتعرضون للنقد اللاذع وللتشويه المفرط.
أعود وأقول إنني سردت هذه المسلمات لأنبه ، بل لألح على أنه يجب أن تتسع صدورنا للدرس والنقاش ، وأن نتجنب الإقصائية التي أثبتت فشلها على جميع الأصعدة وأهلكت أمما وخربت شعوبا ؛ كما يجب أيضا أن نقلل من المحظورات ونحد من الممنوعات ليلا نصنف فيها ما ليس من جنسها ولا طبيعتها ، فتختلط الأمور وتحجب الرؤية والحقيقة الإنسانية هي الضحية .
أما حول ردود الفعل حول المقال والحلقات ، فمن أهمها وأكثرها جدية ما تفضل به الأخ محفوظ ولد أحمد ، وفي البداية يقول : " لا مفاجأة في هذا التدخل القويم (تعليق محمدو الناجي على ولد بدر الدين) لأن الأستاذ الكبير ولد بدر الدين نطق باسم الكادحين وأحيا فكرهم ورآهم فجأة " وقبل أن يعلق الأخ محفوظ تعويذته قائلا : "يعطينا خير ذاك" ولعله قرأ المعوذتين قبل ذلك ، ثم يسجل الملاحظات التالية:
- إن الكادحين ما زالوا يتبنون الخصومة الشخصية مع المرحوم المختار ولد داداه ، ويرفضون أي إنصاف لمواقفه وسياساته ، ليس فقط بسبب الخلاف الأيديولوجي الكبير معه ومع سياساته ونمط تفكيره المحلي (الموريتاني الطبيعي) ولكن أيضا بسبب ما تعرضوا له من القمع والملاحقة في عهده.
- المقاومة التي يتحدث الكادحون عنها ويسهبون في ذلك ، هي مقاومة محدودة لم تكن أبدا ضمن السياق ولا الرؤى والمنطلقات ولا الأهداف التي يتحدثون عنها ، بل كانت إما مقاومة دينية جهادية خالصة لله لا للوطن المفقود أصلا ، وإما عمليات ارتزاق ونهب هي أقرب إلى قطع الطريق منها إلى أي شيء آخر . ثم إن تبني الكادحين للمقاومة المسلحة ومحاولتهم وراثتها ، هو تلصص سياسي بامتياز . وأما المقاومة السياسية التي قامت بها النهضة فهي أقرب إلى "الخيانة" .
- إن قول البعض ومنهم أساتذة الكادحين إن المقاومة المسلحة هي التي أرغمت فرنسا على منح الاستقلال لموريتانيا ، يتجاوز حدود المبالغة إلى التخيل والتقول .
- مساندة الكادحين المعروفة لحركة استهدفت موريتانيا بالعداء واعتدت على أراضيها وسفكت دماء أبنائها ، ودورهم المعروف في تشجيع الانقلابات العسكرية ، يجعلنا أقل براءة في الاستماع إليهم الآن وأكثر شكا في روايتهم ، هم خصم حاضر ضد خصم غائب ، ولو كان حاضرا لم يأبه بكل ذلك .
- يرى البعض أن حركة الكادحين من الناحية السياسية تميزت رؤيتها ونضالها بشيء من الضبابية وعدم الوضوح في "الوطنية" ولعلها كانت تريد قيام دولة على نمط إيديولوجي يتخطى الحدود الجغرافية ويقتحم المبادئ والقيم الاجتماعية ، مفضلة ذلك على قيام دولة موريتانية مستقلة .
هذه أهم الملاحظات التي أوردها الكاتب واستسمحه إذا كان اختصاري لبعضها مخلا ، وأحاول أن أوضح موقفنا حول هذه القضايا .
ففيما يتعلق بالملاحظة الأولى ، من الطبيعي والمفهوم أن تستمر الخصومة بين رأيين واتجاهين كانا على اختلاف تام ، ومن الغريب أن يتوقع أحد أن خلافا من هذا النوع يحسم نفسه بالتقادم . ولعل الكاتب أجاب نفسه بالقول إن الخصومة إيديولوجية ولم يفطن إلى التنافر بين الخصومة الإيديولوجية والخصومة الشخصية . ولسنا على علم بأن أصحاب الرأيين أو الاتجاهين قد عقدا مؤتمرا ، أو نظما سلسلة لقاءات ليقنع أحدهما الآخر أو يتوصلوا إلى صيغة مشتركة ترضي الجميع . كما لم يعلن أحد الطرفين ولم يحدث ما يبرر ذلك ، أنه صفح عما تعرض له من القمع والملاحقة والمنافي ... فلا ينقضي عجبي من مثل هذا "التوقع الخائب" كما يقول الأسلوبيون . أما الإنصاف ، فلو قرأ الكاتب ما كتبناه عن المرحوم المختار ولد داداه وما سجلناه من إيجابيات له لما وصفنا بعدم الإنصاف . إلا إذا كان الإنصاف بالنسبة إليه أن "ليس بالإمكان أبدع مما كان" وأما أن الخصم لن يأبه للآخر لو كان حاضرا فهو يجافي الحقيقة لأنه كان يأبه لذلك ويعطيه كثيرا من الاهتمام بديل السجون والملاحقات والمنافي ...
أخي العزيز إن المقاومة عندنا ، هي رفض لدخول الأجنبي و تواجده بأي شكل كان وهي دفاع عن الحوزة الترابية ، وهذه البلاد وإن لم تكن في ذلك الوقت دولة فلها ما يميزها ولها أسماؤها المختلفة ، وهي موحدة بالمعنى الجغرافي والديني واللغوي واللحمة النسبية ؛ فالدفاع عنها والعمل على حمايتها ، مقاومة للمستعمر مهما كانت الخلفيات والدوافع : (دينية – ثقافية – مصلحية ...) ولا يمكن أن تسلم أي مقاومة من بعض الشوائب ، ولكن الحكم للغالب الأعم ؛ وعلى الأقل الجهاد الديني هو مقاومة وطنية .
لم تنصف حركة الكادحين عندما اعتبرت أن تبنيهم للمقاومة المسلحة هو تلصص سياسي بامتياز ، فالكادحون تأسسوا على محاربة الاستعمار والاستعمار الجديد ، وكانت أهم مرجعياتهم المقاومة المسلحة والسياسية والثقافية والدينية ، فلهم في ذلك أدبهم الشعري والنثري والمسرحي . فمن يتبنى هذه المقاومة غيرهم ؟! أيتبناها من يعتبر المقاومة عبثا ولا ضرورة لها ، من يرى ضمنا أننا يمكن ، بل ينبغي أن نترك من أراد انتزاع أراضينا وأموالنا واعتدى على أعراضنا يفعل ما يشاء ؟! أم تريدنا أن نترك المقاومة بلا أب ولا أم ؟!
ولا بد هنا أن أصف الكاتب بالشجاعة عندما وسم النهضة الوطنية بالخيانة ، فلم يسمع ذلك عند أحد على الأقل علنا ، بل إن الشعور السائد عند عامة الشعب الموريتاني والمترسخ في المخيلة الشعبية ، أن النهضة كانت حلقة هامة من حلقات الوقوف في وجه التغلغل الاستعماري . وأذكر الكاتب بأن شعار النهضة الذي استهوى الكثير من الموريتانيين هو قول الله تبارك وتعالى : .
وقولك بأن المقاومة لم تسهم في الحصول على الاستقلال وأن ذلك أقرب إلى التخيل والتقول منه إلى الحقيقة والواقع ، فذلك تبسيط كبير ومخل بمستوى الموضوع . صحيح أن المقاومة لم تتمكن من رد المستعمر وطرده خارج البلاد ، ولكنها خلفت بصمات وآثارا وعزة وكرامة ، كانت أهم عامل في إقناع فرنسا بأن هذه الأرض لها أهلها وغيورون على حمايتها وصون هويتها ، وهذه المقاومة لا يمكن أن تنمحي لا من أذهان الموريتانيين ولا المستعمر . أترى أن الموريتانيين يمجدون هؤلاء المقاومين ويتغنون ببطولاتهم وشجاعتهم عبثا هكذا ؟!
والحقيقة أن الاستقلال كقضية معقدة وأمثاله من القضايا ، لا يمكن أن يرد إلى عامل واحد ، بل لا بد من تضافر وتراكم عوامل عديدة للوصول إلى الهدف . وفي استقلالنا تدخل المقاومة المسلحة قبل كل شيء (بكار ولد اسويد احمد – الشيخ ماء العينين – عبدول بوكار كان - سيد احمد ولد احمد ولد عيده - فوديي ادياكيلي– سيدي ولد ملاي الزين ...) والمقاومة الثقافية (كافة رجال الدين وفتاويهم بالامتناع عن التعامل مع النصارى ومدارسهم) والمقاومة السياسية ( أحمدو ولد حرمه – النهضة الوطنية – الكادحون فيما بعد ) والمفاوضات مع المستعمر "لارتكاب أخف الضررين" ( الشيخ سيدي باب – الشيخ سعد بوه ) ثم رياح التحرر في العالم ؛ كل هذه عناصر ساهمت في استقلال موريتانيا الناقص أو التام ، ولولاها لما "منحت" فرنسا الاستقلال لبلادنا ولبقيت فيها كما بقيت في الجزائر أكثر من مائة وخمسين عاما . وما زالت لفرنسا حتى الآن مستعمراتها في إفريقيا وغيرها لم تغادرها ولا تريد ذلك. إلا أن الدعامة الرئيسية لكل هذه العناصر هي المقاومة المسلحة وما تكبدته فرنسا من خسائر في الأرواح والأموال والمعدات ، والمقاومة المسلحة هي التي أعطت معنى وسندا للمقاومة الثقافية والسياسية وللمفاوضات .
وإذا كانت موريتانيا لا تقاس بالجزائر والهند الصينية كما يقول السيد محفوظ فإنها تختلف كذلك عن الشعوب الإفريقية التي نالت "استقلالها" دون مقاومة كما يعتقد ، فلذلك عوامل أخرى منها رياح التحرر والتغيير وضغط الكتلة الاشتراكية في حربها ضد الغرب ، وحتى رفض بعض الدول الغربية الاستمرار في الاستعمار ولتقدم التعليم والوعي في هذه البلدان ، مع أنه لا بد أن تكون هناك مقاومة من نوع ما .... وعلى كل حال فالاستعمار هنا متأكد بأنه بهذا النوع من الاستقلال ، سيحصل على كل ما يريد بل يتخفف من المسؤولية المباشرة أمام حاجيات ومتطلبات الشعوب .
وفي ملاحظة أخرى يشير الكاتب إلى ما يراه البعض من ضبابية في موقف الكادحين ، هل كانوا فعلا يقبلون بإقامة دولة موريتانية مستقلة ذات سيادة ، أم أنهم كانوا يريدونها نقطة في الأممية الدولية لا ترى بالعين المجردة ، وهذا نقص كبير في المعلومات عن حركة الكادحين في تلك الحقبة .
فلقد كان الحاكمون في ذلك الوقت يعتبرون أن الحركة الوحيدة التي لا علاقة لها بالخارج هي هذه الحركة ، ويمكن مثلا أن نسأل السيد أحمد ولد محمد صالح متعه الله بالصحة عن هذا الموضوع وكان من أشد المناهضين لحركة الكادحين ، وكذلك آخرون من زملائه ما زالوا والحمد لله على قيد الحياة .
ولقد فات على السيد محفوظ أنني بينت في المقال السابق أنه لم تكن بيننا علاقات رسمية ولا غير رسمية مع أي جهة خارجية حتى سنة 2011 ؛ (راجع المقال) .
ونأتي إلى ملاحظة أخرى دونها الكاتب هي موقف الكادحين من حرب الصحراء . وأذكر بأن البوليساريو تأسست للنضال ضد الاستعمار الاسباني ونفذت عمليات معروفة ضده ، ومن الطبيعي لحركة مثلنا ، تتبني مبدأ الحق في تقرير المصير أن تؤيد وتساند هذه الحركة. وعندما دخل المغاربة والموريتانيون على الخط وتقاسموا الشعب الصحراوي كقطعان من النعم وتولوا المهمة عن الأسبان ، فقد كان موقف الكادحين نابعا من الخوف على مستقبل موريتانيا ، بدخولها حربا لا تستطيع تحمل أعبائها وتنسف بكل تأكيد الإصلاحات التي عرفتها البلاد وتعيدها خطوات واسعة إلى الوراء ، وهذا ما حدث بالفعل ، بل أكثر من ذلك ، عصفت بالحكم المدني الذي كان قائما وأعطت مبررا للعسكريين كي يستولوا على الحكم ويخلدوا فيه كما يريدون . وأذكر أننا في مرحلة من مراحل الحرب وعندما أشتد أوارها ، قررنا أن نتصل بالوزراء واحدا واحدا لنبين لهم خطورة هذه الحرب على مستقبل البلاد ، وتوزعنا كل حسب علاقاته الخاصة ، وقد كلفت شخصيا بالاتصال بصديقي وزميلي في معهد أبي تلميت محمد عبد القادر ولد ديدي وزير الإعلام آنذاك ، وزميلي وأستاذي سيد احمد ولد الدي وزير التعليم ، وكانت مع الأسف تقارير المبعوثين كلها سلبية ، فالكل متمسك بالاستمرار في الحرب رغم أن النتائج أصبحت واضحة للعيان ، فما تعتبره سيادتك موقفا غير وطني هو موقف وطني بامتياز ، يرفض الدمار والخراب للبلاد .
وفيما يا تعلق بموقف الحركة من الانقلابات العسكرية ، فمن الواضح أن الأخ محفوظ لم يطلع على الفقرة المتعلقة برفضنا الدائم للانقلابات في مقالنا السابق.
إلا أن الأخ محفوظ يسجل في النهاية نقطتين أوردهما بالنص: "وأخيرا لا بد من ملاحظتين ، الأولى أن ولد داداه ونظامه لم يكونا فوق الشبهات ولا خاليين من النواقص والأخطاء ... والملاحظة الثانية أن حركة الكادحين ورموزها مثل محمدو الناجي وولد بدر الدين خاصة ، كان لهم دور إيجابي مشرف وعظيم ونافع في تحقيق الوعي الثقافي والاجتماعي والدفاع عن حقوق العمال والمستضعفين – رغم اشتراكية نظام ولد داداه – ومكافحة هيمنة اللغة الاستعمارية الأجنبية ، ونصر ونشر لغة البلد العربية ... "
وإذا كنت أشكر الأخ محفوظ على ميوله الموضوعية التي قادته إلى ذكر هذه الإيجابيات ، فإنني أتساءل كيف يتعايش هذا في جسم واحد مع المقولات السابقة : (الأممية – التلصص السياسي – مساندة الأعداء – التبني الزائف للمقاومة المسلحة) .
هذا هو النموذج الأول من الردود ، وأتناول الآن نموذجا آخر من الردود ، بدأه معالي عبد القادر ولد محمد على صفحته في الفيسبوك (13-12-2014) ذكر فيه بانتمائه للكادحين ونشاطه في اكجوجت وابو تلميت ويقدم شهادته على ثباتهم في الموقف ، قبل أن يبتعد - كما يقول - عن صرامة الديمقراطية المركزية ، فيعلق عليه السيد بدي ولد محمد الحافظ قائلا : "أنا على عكس عبد القادر ، لم أنتم قط للكادحين ولم أتعاطف معهم ، لكنني عايشتهم في تلك الفترة وبعدها وأسجل شهادتي لهم بالانحياز دائما للقضايا العادلة والطبقات المهمشة ، وتمكنهم من دمج كل مكونات الشعب الموريتاني في نضال وطني تذوب فيه كل الفوارق الاجتماعية ، كما قاموا بتقديم تضحيات كبيرة لم يقدمها سواهم في سبيل مبادئهم ، ولقد ذكر الأخ عبد القادر الأستاذ محمدو الناجي وهو رجل مميز في كل شيء (إنشالل - مني) في كفاءته وفي خلقه وفي استقامته الدينية ، وهو بذلك جدير بالاحترام ، شأنه في ذلك شأن العديد من رفاقه الذين صمدوا في وجه إغراء المناصب ونهب المال العام الذي تكالبت عليه الطبقة السياسية . ويؤسفني عدم إنصاف الكثيرين لما قدموا من تضحيات كبيرة وإطلاق أحكام في حقهم جزافا . وأؤكد أنه لا علاقة تربطني بمحمدو الناجي سوى رابطة الانتماء الوطني كما لا علاقة لي بحزبهم وحركتهم ." وقد حظي هذا التعليق بأكثر من مائة وستة وعشرين تعليقا إيجابيا من بينهم شخصيات وازنة مثل الأستاذ السيد ولد أباه . واستسمح القارئ في إيراد هذا التعليق على طوله وما فيه من إطراء شخصي يخجلني ، لأنه رد حاسم من شخص خارج الحركة والحزب على كثير من الهمزات والغمزات التي لا يكلف أصحابها أنفسهم عناء الكتابة أو مقارعة الحجة بالحجة ، وإنما يكتفون بالوشوشة ولي الشفاه وتحريك المناكب .
وأخيرا أصل إلى مقولة "الكادحون والإلحاد" ، وأذكر بشيء مما قلته في المقال السابق وهو أن الحركة الوطنية الديمقراطية لها جرائدها ومناشيرها وكتاباتها على الجدران ولها تدخلاتها الكثيرة ومهرجاناتها العديدة .... فليقدم لنا أي نص أو تصريح مشهود يدل على الإلحاد أو الاستهزاء بالمقدسات ، واذكروا لنا أي رجل دين واحد تعرض للسوء من القول ، أو دلونا على أي معلم ديني تعرض لمحاولة تحط من قدره .
والدعاوي ما لم تقيموا عليها........ بينات أبناؤها أدعياء
إلا أنه يبدو أن هناك بعض الناس الذين يفضلون مع الأسف أن يقولوا ما زجر الله عن قوله : فعموا وصموا ليلا يروا الحقيقة ويتعاملوا مع الواقع. كما أن هذه المقولة بعد أن مضغها العجول ، وعاف الدهر أن يأكل عليها ويشرب ، بقيت عند البعض عصا غليظة ترفع في وجه اتحاد قوى التقدم ، خاصة من طرف الشباب في بعض الأحزاب السياسية عندما لا يعجبهم موقف ما ، من مواقف الحزب.
يا هذا ! أقول لك أنا سلمان بن سلمان ، فتقول لي لا بل أنت لحدان بن لحدان . فأقول لك وبطاقة التعريف التي قدمتها لك ؟ تقول لي هذه مزورة في نطاق مؤامرة كبرى ضدنا نحن العرب والمسلمين .
لم يعد رجال الدين يتحدثون عن هذه القضية بعدما تأكدوا من زيفها ، وبقيت - مع الأسف - طلقة جاهزة في أيدي بعض السياسيين الذين يريدون التقليل من شأن الحركة واتحاد قوى التقدم ولم يدركوا بعد أن هذا السلاح قد صدئ ولم يعد يطلق دخانا ولا ماء ، وإذا لم تستحي فقل ما شئت :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ...... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا