ولد شيخنا الشيخ التراد بن العباس بن الشيخ الحضرامي بن الشيخ محمد فاضل بن مامين عام 1304هـ 1887م بالحوض الشرقي في الجمهورية الاسلامية الموريتانية . أخذ تعليمه عن خاله الشيخ الفاضل محمد المختار ولد امباله، وعن عمه العلامة الصوفي الشيخ سعد أبيه.
كان فقيها عالما وشاعراً مطبوعاً يرسل الشعر إرسالاً دون تكلف.بنى قرية آكوينيت في ثلاثينات القرن العشرين حيث تميزت باشعاع ديني وحضاري كبيروهي تقع في الشمال الغربي من مقاطعة النعمه عاصمة ولاية الحوض الشرقي وتبعد منها 32كلم، تتلمذ عليه الكثير من الشيوخ العلماء الذين نهلوا من معين الصوفية السنية، ليكونوا منارات هدى وتقى، ودعاة اعتدال واحياء لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نذر الأديب والفقيه والعالم الرباني شيخنا الشيخ التراد بن العباس شعره لأهداف ثلاث: مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوجيه والاصلاح، والابتهالات لله عز وجل والدعاء. له مؤلفات علمية، كما أن له ديوان شعري يحتوي على أكثر من ألفي بيت، يمتاز شعره بالحب الصادق والنزعة العلمية والتمكن اللغوي، توفي عام 1365هـ 1945م في طريق عودته من الحج ودفن بمدينة دكار عاصمة السنغال.
وفي قصيدته الأولى وهي عينية، التي بين أيدينا يصرح شيخنا بولعه وشوقه إلى رسول الله فيقول:
إنّي بخيرِ الخلقِ أحمد مولَعُ فوِدادُه ضمَّتْه منيَ أَضْلُعُ
ودّعتَ غيرَ الهاشميِّ ودينِه من لم يودِّعْ غيرَه فمودَّعُ
طَلَعتْ نجومُ السعدِ عندَ طلوعِه وبهِ نُجومُ السعدِ قِدْما تَطْلُعُ
عُظْمت شفاعتِه لنا وبجاهِهِ نِلْنَا الشفاعةَ في الأنامِ فَنَشْفعُ
بُشْرى لنا إنَّ النبيَ شفيعُنا يلفى له جاه أتم وأوسعُ
فرياضُ خيرِ الخلقِ تَزْهو دائما فيها لذي الأرْواح منا مَرْتعُ
ما شاقَني إلا تذّكُر أحمدا ما حسنُ لَيلى شَاقني أو َمربعُ
ما من فتىً بر تذكّرَ أحمدا إلا على خدَيْه سَحَّتْ أدمعُ
إني به مستشفِعٌ متوسِّلٌ ما خابَ من بِالمصطَفَى يَسْتَشْفِعُ
صلى عليه الله ما ندب حكى إني بخير الخلق أحمد مولع
* * *
وفي قصيدته الثانية الرائية يصدح الشيخ بمديحٍ لرسول الله مرتبطٍ بمعجزة الإسراء والمعراج. فيقول:
أَمالَكَ في مَسْرى أجلِّ الورى ذِكْرى وما لِكريمٍ غيرِه ذلك المَسْرى
فذلك مَسْرى حازَ أعظم رتبةٍ وعمَّتْ به الدعوى، ولاحتْ به البُشْرى
فما مُرْسَلٌ إلا به َمرَّ صاعِدا فأبدى له الترحيبَ والحبَّ إذْ مَرَّا
ولاحَ على الأنوارِ بارقُ نورِه فأبدوا له التقديمَ إذ أمهم طرا
وخلَّفَ جبريلَ الأمينَ وارءَه وقَّربه مولاه. أعظمْ به قَدْرا
هنالك أمرٌ ليس يُدْرِك حالَه حكيمٌ. وما قد خَطَّه كاتبٌ سطرا
هنالك أَبْدَى سرَّ غَيْهبِ غَيْبِه فصارتْ غيوبُ اللهِ أنجَمها الزُّهْرا
فَأَدّى أمانَته بوحيٍ منزَّلٍ وسُرَّ بحق اللهِ مَنْ كان قد سُرَّا
وقَرَّ بحقِ اللهِ مَنْ كان صادِقا وإنَّ أبا بكرٍ لأولُ من قرّا
وفي المولد النبوي يقول شيخنا المحب المشتاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
ذَا مولدٌ ما مثله من مولدِ إذ ريءَ فيه البدرُ وجه محمدِ
وجهٌ يضيءُ لناظريه كأنه في حسنِه من لؤلؤٍ وزبرجدِ
وجـهٌ نـلوذ بنوره من غَـيِّـنَـا وبنيـلنـا الفوز العظيم ونـهتـدي
وجـهُ الحبيب مـحمدٍ خير الورى شـمس الهداية ذي العـلا والسُـؤْدَدِ
نـدبٌ تَـأَزَّرَ بالسماحة وارتـدى ما مثله متأزرٌ أو مرتدي
وبه اقتداءُ الأنبياءِ ومن به كان اقتداؤهُمُ يفوق المقتدي
وبه عفت آثارُ رسلٍ قبلَه وطريقُه البيضاء ذاتُ تـجدد
صـلى عليـك إلـهنا ما أنـشدَتْ ذا مولدٌ ما مثلُه من مولدِ
ويبين شيخنا بجلاء تمسكه بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والقرون المزكاة من بعدهم في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي، يقول :
لعمركَ لو جدنا بنحرِ نفوسِنَا لـمولدِ بدرٍ دون أنوارِه البدْرُ
ولو شرعَ الـمختارُ رقصًا لـحقِّهِ لكان قليلاً عندنا الرَّقْصُ والنَّحْرُ
ويعجز عن درك الـحقيقةِ واصفٌ وفي نَشْرِ ذا طَيٌّ وفي طيِّهِ نَشْرُ
ولكنه ما زاد شرعًا بـمولدٍ عليه صلاة الله ما ارتفع القَدْرُ
وينعطف الشيخ المحب لرسول الله و إلى دعوته وجهاده وجهاد أصحابه فيقول شيخنا الشيخ التراد بن العباس:
وما الناسُ إلا بين آبٍ وقابلٍ فأكرمْ به نَفْعا، وأعظمْ به ضُرّا
فَحَلَّ لإبطالِ الضلالةِ غازياً حُنينا وبَدْرا من يُرَى وجهُه بدرا
فَأَرْدى به حلفَ الضلالةِ شيبةً وأردى أبا جهلٍ وحَقَّ له عَمْرا
وءابَ ذَوو الإضلال من فرطِ ذُلِّهم كأنهم الأفراخُ لم تأمنِ الصَّقْرا
فللهِ مَنْ سَاروا بسيرِ محمدٍ فما ارْتَكبوا نَهيا ولا خَالَفوا أمْرا
فكم ماجدٍ لَبْثٍ لدى البأسِ باسلٍ مكرٍّ على الأعداِء قد أَلِفَ الكَرَّا
فراحَ بهم ليلُ الضلالة ذَاهبا وأصبَح دينُ اللهِ يبدو بهم فَجْرا
وعَمَّوا بفتحٍ كل شرقٍ ومغربٍ فما غادَروا شَاماً عِراقاً ولا مِصْرا
أولئك هم ذُخْري وفَخْرى ومَوْئلى فحسبي بهم ذُخْرا، وحسبي بهم فَخْرا
وحسبي بحبَّ الهاشميِ محمدٍ وحسبيَ أنْ أبديتُ في مدحِه شَطْرا
إليك رسولَ اللهِ تُحْذى نجائبي أُوَمّل من جدواك أَنْ تُذُهْبَ العُسْرا
ويتحفني باللطفِ والسر خالقي ونأمنُ في الدنيا المخاوفَ والأُخْرى
ونَحْظَى على الأعدا بِعّزٍ ورِفعةٍ ويَنحطُّ عنا كلُّ أعدائنا الدَّهرا
عليكَ صلاةُ اللهِ ما لاَح كوكبٌ وما سار محتاجٌ إليك أَبَا الزَّهرا
صلاةً بها تُقْضَى الحوائجُ كلُّها وعمَّ رِضَى الرحمنِ أصحابَك الغُرَّا
* * *
وتستحق طيبة الطيبة كل ثناء عطر من مديح محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين تعلقت قلوبهم به وببلديه مكة والمدينة، وبكل ما له صلة به… يقول شيخنا الشيخ التراد بن العباس:
أُحبُّ من البلادِ بلاد طه وطيبتَه أَرَى نفسي فداها
ومكتُّه مشرَّفةٌ وعُلْيا على ما كانَ مِنْ بلدٍ سِواها
فلَم أمَّ المدينةَ كلُّ وفدٍ فَيَحْظَى بالمواهبِ إذْ أَتاَها
وَيأْمَنُ من بمكتِه مُلمّاً وعمَّ الخافقين سَنَى هُداها
فلا زالتْ يُلاذ بها وتُسقى بوابلِ كلّ ساريةٍ رُباها
ولازالتْ بطيبتِه غيوثُ سقاها اللهُ ساقيةً حِماها
مُنَى نفسِي زيارتُها سريعا وكم نفس مُنى نفسي مُناها
بها خيُر البريةِ مَنْ هداها وأبعدَ عن بصائرِها غُطاها
وللشيخ أبيات من الشعر الخفيف اللطيف يقول:
حمدتُ خيرُ مَنْ حُمِدْ على نبيٍ قَد وُجِدْ
كمالُه فما جُحِدْ لا تَنْقُصَنْ ربي وزدْ
إِنّي به مصدِّقُ لفضِله محقِّقُ
به دواماً شَيّقُ لا تَنْقُصَنْ ربي وزد
إني بذكرِه أُسَرّْ يَسُرّني عبدٌ ذَكَرْ
محمداً خيرَ مُضَرْ لا تَنْقُصَنْ ربي وزدْ
إني بأفضلِ الأنامْ محمدٍ بدرِ التمامْ
نُظِمتُ في سِلكِ الكرامْ لا تَنْقُصَنْ ربي وزد
رحم الله الشيخ وأدخله فسيح جناته وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
نواكشوط بتاريخ 28/12/2014