بودي أن يتحرك قلمي هذه المرة في مجال يهمني جدا لارتباط نجاحه بنجاح بلدي وفشله بفشله لا قدر الله ’ سأكتب بإذنه تعلى سلسلة مقالات تعالج حال التعليم في موريتانيا من خلالها سأنتقد وأشخص وأقدم ما بدالي من حلول .
التعليم هو الوحيد الذي يحمل ميزة التنمية العادلة لأنه يعطي للإنسان حقه في العيش بفكر سليم مستقر ويذكي فيه إنسانيته وقيمته الحقة بعيدا عن ثنائية التجهيل والتطعيم. !
الإنسان الموريتاني في الواقع يحتاج إلى التعليم والمعرفة أكثر من تكريس ثقافة التجويع والتبعية بدل التثقيف والإنتاج وهذا النهج كرسته الدول العظمى في قارتنا الإفريقية, ونفذته الحكومات الظالمة لنفسها.
في أول هذه المقالات سأتعرض لحال التكوين و التأطير في موريتانيا وسآخذ نموذجا مدرسة تكوين المعلمين كمنفذ أساسي للمعلم , وقبل ذلك لزاما أن أعرج على تعهد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في اعتباره العام الجديد عام تكوين وتعليم وهذا التعهد فرصة للوطنيين للتحرك من أجل موريتانيا قبل أن يتحرك المطبلون ويلوون أعناق التعهد الرئاسي ويجعلونه شعارا سياسيا ككل الشعارات , وبذلك يسيرون بسنة التعليم اتجاه السنين العجاف في مجال العطاء التربوي والمعرفي والتكويني في البلد .
إن التكوين الفعال الناضج الجاد مما لا يقبل مجالا للشك سيخرج جيلا قادرا على التكيف مع الوضع وبأداء رجولي سمته الوطنية والإحساس بالمسؤولية اتجاه جيل المستقبل مما يحتم مخرجات نوعية ترفع من حال البلد في شتى المجالات التنموية وعلى مختلف الأصعدة .
لكن للأسف الشديد مدرسة تكوين المعلمين وغيرها من مدارسة التكوين الرسمية في البلد لا تمت للجدية بصلة , بل كانت حجر عثر في وجوه المتميزين من المعلمين وأفسدت لهم ثلاث سنين حسب رأيهم, وفي مقابلات أجريتها مع بعض المرتادين لهذه المؤسسات أكدوا أنهم لم يستفيدوا من فترة التعليم , وهذا أمر يرجع إلى المكونين والمناهج المكون عليها .
المعلمون يكونون على بيداغوجيا لا علاقة لها بالواقع لا من الناحية اللوجستية المادية ولا من نواحي فهم المعلم نفسه للمقاربة الجديدة , ولذا أغلب خريجي مدرسة تكوين المعلمين يتخرج بدون أي مستوى , والمتميزين منهم تميزوا قبل المؤسسة وهو جهد ذاتي لا علاقة له بالتكوين.
فالمعلم يتخرج دون أن تكتمل بنيته المعرفية والنفسية فتعطى له السيادة على أطفال لا يعرف فن التعامل معهم فيبدأ مسيرته بالضرب والشتم لعله يعوض النقص الحاد في المعارف وفنيات التوصيل ليدمر قدرات الطفل النفسية والمعرفية وبالتالي يجد التسرب أحسن طريق مؤدية للأمان من شرارة معلم شرس ينمي الخوف في نفسية الطفل وبالتالي تكون المدرسة كابوسا يطارده في منامه ويقظته.
الوضعية التي يتكون فيها المعلم خرجت جيلا عاجزا عن تحمل مسؤولياته الشرعية والأخلاقية والوطنية في تكوين أبناء بلده .
خلال العقد المنصرم وبداية هذا العقد ضعفت مخرجات المؤسسات التعليمية بشكل ملفت للانتباه فسجلت النتائج العكسية رقما قياسيا حيث تزايدت الجريمة بأنواعها بين الأطفال وتفشت عمالة الأطفال والسبب أنهم حرموا براءتهم وحقهم في التعليم.
وفي شعور باهت بالخطر اتخذت الحكومة الموريتانية قرارا بزيادة سنوات التكوين وهو ما أعطى عمرا إضافيا للحالة اللا طبيعية داخل مؤسسات التكوين, فكان القرار جزء من المشكل لا جزء من الحل .
والمشكل الحقيقي مشكل بنيوي يرجع إلى المناهج وتغليب الجوانب النظرية على الجوانب التطبيقية الميدانية كما أن التعيين السياسي الذي زج بكثير من غير المختصين على رأس هذه المؤسسات الحساسة ساهم بشكل مباشر في تأزم حالها.
فالطفل الموريتاني إذن يعيش سنوات ضياع غير مسبوقة في تاريخه , في الوقت الذي غاب فيه دور المدرسة تخلت الأسرة عن مسؤولياتها اتجاه الطفل بسب الطفرة العالمية على الصعيد العربي في الإنتاج التلفزيوني خاصة دراما التركية والهندية والصينية , وهذا ما جعل أطفالنا أيتاما في حضرة الأبوين , وهذا واقع يستدعي كل الخيرين للمشاركة في حملات توعية شاملة بهدف استرجاع دور المدرسة والأسرة خدمة للطفل والمجتمع