يعتقد الكثير من "المسؤولين" الموريتانيين أن "الصحفي" عبارة عن حامل "بضاعة مكتوبة" تباعُ وتشترى! وينسجم هذا الاعتقاد المتخلف جداً مع النظرة التي تكرّست مع الزمن -لأسباب عديدة- عن الصحافة في هذا البلد المتخلف جداً (واعذروني في تكرار هذا الوصف؛ فالتكرار إحدى وسائل الإقناع الثلاث) على جميع المستويات،
وهي أن الصحافة مهنة لكل من يهوى "التسوّل" بأسلوب مغلف!
يا له من سوء الحظ؛ أن يوصَم كل ممتهنٍ لهذه المهنة النبيلة بالمتسول والمنافق والمتملق والمرتشي، في حين ينعم غيرهم؛ من "السافلين" مكانة ودرجة ومعرفة وحسباً، بكل ما تجود به القريحة من أوصاف نبيلة لا تنسجم -ولن تنسجم- مع من يوصفون بها، من "نزيه" و"جاد" و"وطني".
هؤلاء الذين تطلق عليهم هذه الصفات الحسنة ليسوا سوى متسولين حقيقيين، أضافوا إلى التسول صفة "الاغتصاب" لمناصب لا يستحقونها، فلا معرفة تشفع لهم ولا خبرة تعضدهم لينالوها؛ بل وجدوا أنفسهم صدفة في هذه المكانة "كرماً من رب العالمين" الذي تكرّم حتى على إبليس؛ أن جعله من المنظرين، بل من المؤثرين جداً في الناس، وكَرَم الله معه -كما هو معهم- لا يدل على فضلهم ولا على أحقيتهم بما حصلوا عليه، ولكنه دليل آخر على رحمة الله التي وسعت كل شيء، لا أكثر ولا أقل!
***
غريب حقاً أن يطلق على كل صحفي ذي رأي أنه بائع ضمير، في حين ينجو المنافقون الحقيقيون من "المسؤولين التحتانيين" في بلدنا من مثل هذه الأوصاف، وهم الأجدر بها؛ لما يكرسونه يومياً من نفاق وتملق وتنازل عن "الكرامة" -إن كان لهم منها نصيب- في تعاملهم مع "أسيادهم" الذين وجدوا -هم أيضاً- أنفسهم صدفة "فوق نظرائهم" في السفالة، على قاعدة "كما تكونون يولّى عليكم"!
بماذا أفاد مثل هؤلاء "المسؤولين" الوطن؟ وهم الذين يحتلون مناصب كبيرة؛ "منتخبين" ومعيّنين، منذ أمد بعيد؟ لا شيءَ! فبلدنا ما زال متخلفاً جداً، لأن "تطهير النجاسة بالبول ليس ممكناً"، وعلى المخالفين لهذا الاستنتاج أن يأتوا بالدليل!
إذن، كيف لا يوصَمون -وهم هكذا- بأسوأ الأوصاف؟ في حين نستسهل وصف هؤلاء "المستضعفين" من الكتّاب وأصحاب الرأي، القادرين على التعبير عنه، بأوصاف لا تجد ما يعضدها، وهم الذين لا يتولون -في أغلبهم- أيّ وظيفة عمومية، ولا يتقاضون أوقية واحدة من المال العمومي! أهي العقدة الأزلية التي تلتصق بكل جاهل أمام كل عارف؟ ربما؛ أو على الأقل هذا هو التفسير الوحيد المتاح، في ظل غياب البديل..
***
في بلد متخلف جداً، بمسؤولين متخلفين جداً، يجوز أن تقلب المعايير، وأن تتكرس المفاهيم الخاطئة وتصبح عقيدة متجذرة في العقل الجمعي للشعب، لذا فليس من الغريب أن يُظلم الصحفيون بنبزهم بأسوأ الألقاب؛ طالما أنهم يجسدون فعلاً مكانة "لحويط لكصيّر" لأنهم لم يتسلقوا على أكتاف الناس -كما يفعل "المسؤولون"- ليبنوا ويشيّدوا بأموال الشعب المسروقة "سيادة" من ورق، ومكانة مثل بيت العنكبوت، كما هو حال المسؤولين، قبل أن يصبحوا فجأة "شرفاء" يوزعون "صكوك المغفرة" و"شهادات حسن السيرة والسلوك"، وهم الذين لا يعرفون كيف يكتبون ولا كيف يقرؤون، ويعتبرون بالتالي -وهذا أمر طبيعي لأن جهل شيئاً عاداه- أن كل من "يكتب" هو شخص "وضيع" أو في أحسن الأحوال صاحب "تجارة حرام"، تباع وتشترى!
فمتى يدرك المتخلفون جداً من شعبنا هذه الحقيقة؟ ليصفوا كل صاحب مكانة بالوصف الذي يستحقه فعلاً؟؟!!