متى ينتبه العقلاء العرب لضرورة التصدّي لسهام أعداء الوحدة العربية ؟ / إسلم ولد سيد احمد

في مقال سابق، بعنوان: "العمل العربيّ المشترك على المِحَكّ"، قلتُ، إنّ مؤسسات العمل العربيّ المشترك لم تستطع-منذ تأسيسها- أن تكون في مستوى انتظارات المواطن العربيّ، حيث حققت بعض الإنجازات  الشكلية وأخفقت في الأمور الجوهرية التي على أساسها نكون أو لا نكون.

 وفي مقدمة هذه الأمور: الوحدة والتضامن وتوحيد المواقف داخليا وخارجيا، وتحقيق الأمن والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والرخاء والعيش الكريم للمواطن العربيّ. وبناءً على هذه الحقائق، فقد آن الأوان لتشخيص الداء لننطلق في رحلة البحث عن العلاج. ينبغي لنا جميعا-كل من موقعه-أن نضع الإصبع على الجرح ونحدد مَكمَنَ الخلل، بدءًا بمراجعة هياكل هذه المؤسسات وآليات عملها وبرامجها ومشروعاتها وصلاحياتها، والهامش الذي تتحرك فيه في علاقتها بأصحاب القرار في الدول العربية... وفي مقال آخر، بعنوان: "اتّحاد المغرب العربيّ ومسؤولية الحكومات والشعوب"، قلتُ إنّ قراءة التاريخ ، تفيد كثيرا في أخذ العِبَر واستخلاص الدروس . لنأخذ مثالا واحدا من أوروبا، وهو: وضْع فرنسا وألمانيا حاليا، ضِمْنَ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ. إنّ هذيْنِ البلديْنِ، مع أنهما خاضا - من قبْلُ - حربا ضَروسًا ، في ما بينهما، فإنهما في الوقت الراهن، عضوان رئيسان وفاعلان في هذا الاتحاد. وعلينا نحن كذلك، في اتحاد المغرب العربيّ، أن ننسى أو نتناسى ما حَدَثَ بيننا من خلافات في الماضي، وأن ننظرَ إلى المستقبَل ونجعل المصلحة العامّة لبلداننا وشعوبنا ( بل، شعبنا، لأنّنا شعب واحد ) فوق المصالح الضّيِّقة، المرتبطة - غالبا- بأشخاص معيَّنِين أتيحتْ لهم فرصة تولّي الحكم، في ظروف معينة تختلف باختلاف هذه الظروف. ومع أنّ الأعمار بيد الله، فإنّ أعمار الشعوب تكون عادة أطولَ من أعمار الحكام، ولهذا نسمع من يقول: الحكام زائلون والشعوب باقية. فالبقاء لله وحده. ومن هنا، فإنّ الشعوب الواعية لا تقبل التضحية بمصالحها ومصالح الأجيال القادمة، من أجل مصلحة حكام يُتوقَّعُ أن يزولوا قبل زوال الشعوب. ويتمثل دور شعوبنا - في هذا المجال - في التعبيرعن الرأي والضغط، بالطرق السلمية، على أصحاب القرار، من أجل العمل على المزيد من التفاهم والتعاون وتنسيق المواقف العربية...
وأجدني مضطرا هذه المرة لأحمّل بعض وسائل الإعلام العربية-بصفة خاصة-جزءًا كبيرًا من مسؤولية العمل على تغذية الخلافات العربية البينية، عن طريق إثارة بعض الحسّاسيات بين دولة عربية وأخرى، أو بين شعب عربيّ وآخَر. مِن ذلك- على سبيل المثال- هذه الحسّاسية المفرِطة-لدى بعض الكُتّاب والمدوِّنين-من موقف المغرب السابق من استقلال موريتانيا. وكذلك حسّاسية بعض أشقائنا الجزائريين ممّا حَدَث من خلافات مع المغرب قدِيمًا(مَا عُرِف بحرب الرمال)، وحَدِيثا(النزاع حول الصحراء)، على سبيل المثال. ولعل من الغريب، في هذا المجال، ما تثيره بعض وسائل الإعلام حول ما يعرف بسياسة المَحاور. عندما تكون هناك-مَثَلًا-علاقة طيّبة بين موريتانيا والمغرب، يبدأ الحديث عن: "محور انواكشوط- الرباط". وإن حدث ذلك بين موريتانيا والجزائر، يجري الحديث عن: "محور انواكشوط- الجزائر". ويدور الحديث الآن عن: "محور الجزائر-القاهرة". ويتم تصوير هذه المحاور-وغيرها-على أنّ كل محور يكون على حساب محورآخر. ولعل خلف هذه الطروحات، مَن لا يريدون الخير للأمة العربية. ولا شك في أنّ هذا النوع من "الاصطياد في المياه العكرة" ناتج من خلل بنيويّ في جسم العمل العربيّ المشترك الذي كان من المفروض أن ينظم هذا النوع من "المَحاور" والتحالفات، بطرقة تصب في مصلحة الوحدة العربية. وقد أشرتُ آنفًا إلى أنّ فرنسا وألمانيا استطاعتا تجاوز خلافات الماضي، وفي ذلك درس وعِبرة لنا في وطننا العربيّ. إنّه لَيحز في أنفسنا جميعًا أن نعجز عن تجاوز خلافاتنا وعن حلّ مشكلاتنا بأنفسنا، بطريقة ترضي جميع الأطراف، وتحفظ لكل طرف ماءَ وجهه(على قاعدة: لا غالب ولا مغلوب). إنّ هذا العجز الذي أصبح-للأسف الشديد- سِمَة بارزة لمؤسسات العمل العربيّ المشترك، يجب أن يدفع العقلاء منّا إلى المزيد من الإصرار على تجاوز خلافات الماضي والبحث عن الحلول المناسبة-بعيدا عن التصعيد وصب الزيت على النار- لخلافات الحاضر، لننطلق في عملية التنمية-بمفهومها الواسع- التي هي التحدّي الحقيقيّ الذي يجب علينا رفعه. وذلك استشرافًا لبناء مستقبل أفضل لشعوبنا.
إنّنا بحاجة ماسّة وعاجلة-وقبل فوات الأوان- إلى أن يتصدّى العقلاء منّا- حُكَّامًا ومَحكومِين- لهذه السّهام المسمومة التي يوجهها إلى نحورنا أعداء الوحدة العربية، وحتى لا نقع في "فخ" سياسة "فرِّقْ تَسُدْ".

6. يناير 2015 - 12:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا