حدث طال انتظاره، وقيل فيه الكثير من القيل والقال.. تقديم البرنامج العام للحكومة خلال المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، وفور تقديم الوزير الأول يحي ولد حدمين لهذا البرنامج سكتت كل الألسن التي كانت تتحدث عن تأخير عرض برنامج الحكومة على البرلمان،
حيث بدا واضحا بعد خطاب الوزير الأول أن هذا التأخير كان بهدف إعداد وثيقة شاملة تحظى بثقة المواطن الموريتاني، وتبعث له الأمل بغد أفضل.
وقد حظي تقديم برنامج الحكومة هذه السنة بتغطية إعلامية واسعة، تتبعت مكان التجديد فيه، ووقفت عند كل جزئية منه، وقد تميزت تغطية الإعلام عموما لبرنامج الحكومة بالملاحظات التالية.
أولا: إشادة بواقعية البرنامج الحكومي..
كثير من المراقبين يعتقد أن البرنامج العام للحكومة عادة ما يكون مجرد عبارات عامة، وعناوين فضفاضة، ومبادئ، يصعب تحقيقها على أرض الواقع، بل ويصعب حتى تحديدها، وفهما، من هنا ركزت الصحافة المحلية على تضمن برنامج الحكومة هذه المرة للعديد من المسائل المحددة، بالأرقام، والأهداف، والجهات المستفيدة، وطريقة التنفيذ، وهي أمور جديدة ستقيم الحجة على الحكومة، وتجعل المواطن العادي قادرا على تقييم الأداء الحكومي، فضلا عن البرلمانيين، فعندما يقول الوزير الأول مثلا: سنشيد 1500 كلمترا من الطرق الجديدة، ونبني 6 مراكز صحية، هذه مشاريع محددة ستجعل المواطن المستفيد منها ينتظر إنجازها، ويراقب مدى وفاء الحكومة بها.
ثانيا: التركيز على المحاور الخدمية، والاجتماعية
رغم أن البرنامج العام لحكومة المأمورية الثانية لولد عبد العزيز تطرق إلى مجمل القضايا الوطنية، إلا أن الإعلام ركز بشكل أكبر على المحاور الاجتماعية، والخدمية في هذا البرنامج، مثل الصحة، والتعليم، والتشغيل، والزراعة، والبنية التحتية، والكهرباء، وتسابقت المواقع الإلكترونية في نشر هذه المحاور، باعتبارها هي ما يسأل عنه المواطن العادي، وتهمه أكثر، قبل الحوار السياسي، والحريات، والعلاقات الخارجية مثلا، التي وردت في برنامج الحكومة.
ثالثا:المقارنة...
ركز الإعلام على المقارنة بين برنامج حكومة ولد حدمين، وبرامج الحكومات السابقة، وتوقف الإعلام عند أوجه اختلاف عديدة، سواء من حيث الشكل، أو المضمون، فمن حيث الشكل تم منح نواب الشعب فرصة 48 ساعة لقراءة برنامج الحكومة بدقة، وتسجيل ملاحظاتهم، قبل طرحها على الوزير الأول، في جلسة التصويت، وهي سنة لم تكن موجودة سابقا، ومن حيث المضمون جاء الاختلاف واضحا في أكثر من جانب، أبرزها حضور الأرقام، والتفصيل في جوانب عدة، والشمولية، والنبرة التصالحية، وغياب أي فقرة مستفزة لأي طرف، بينما كانت برامج الحكومات السابقة تكتفي بالعموميات في كثير من الأحيان.
رابعا: التسرع في الحكم...
لقد تسرعت بعض وسائل الإعلام في الحكم بغياب محاور معينة، أو مواضيع بعينها عن برنامج حكومة ولد حدمين، رغم أن هذ المواضيع موجودة في نص الخطاب الذي وزع على البرلمانيين، والصحفيين، وقرأه الوزير الأول ولد حدمين، أو هي موجودة في الملحق الذي يبين جداول التنفيذ، ورغم أن من دور الإعلام أن يبرز النصف الفارغ من الكأس، حتى ينبه الحكومة، والرأي العام لمكامن التقصير، إلا أنه لا ينبغي للصحافة مغالطة الرأي العام في مسائل مهمة مثل هذه، سواء كانت تلك المغالطة بقصد، أو بغير قصد .
خامسا: عدم فهم البعض لطبيعة البرنامج العام للحكومة..
وعدم الفهم هذا جعل البعض يرى أن هناك جوانب من القصور في برنامج حكومة ولد حدمين، وغياب بعض العناوين المهمة، ونسي هؤلاء أن هذه الوثيقة تسمى:" إعلان السياسة العامة للحكومة" ولا يمكنها أبدا أن تذكر بالتفصيل جميع جزئيات العمل الحكومي، أو تخوض في السياسة القطاعية للوزارات، لأن ذلك يعني مئات، وربما آلاف الصفحات، وعشرات الجلسات البرلمانية، ويعني أخذ أسابيع من وقت الوزير الأول كي يقدم كل ذلك للبرلمان، ومن خلاله إلى الشعب.
فالمواضيع التي غابت عن برنامج الحكومة للسنوات المقبلة لا يعني أنها ستغيب من خطط عمل الوزارات المعنية، بل إن هناك أمور مستجدة، وقد تكون بالغة الأهمية ستقوم بها الحكومة، ولم يتطرق لها ولد حدمين في خطابه، لأنها ببساطة لم تحدث، فدعوها حتى تحدث ـ كما يقال ـ فمثلا برنامج أمل، لا يمكن إدراجه، أو مثله في السياسة العامة للحكومة، لأنه استجابة ظرفية لوضعية طارئة، وهكذا.
وعلى العموم فإن تعامل الإعلام مع إعلان برنامج حكومة المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية طبعته المهنية، والتجرد، في معظم الأحيان، وغابت عنه المزايدات، والاستغلال السياسي، الذي نشهده في تعامل بعد وسائل الإعلام مع بعض القضايا، وربما تكون هذه بادرة طيبة، ستطبع تعاطي الإعلام مع أداء الحكومة، لأنه إذا كان البرلمان سلطة تشريعية، فإن الصحافة سلطة رابعة، لها دور في الرقابة، والتوجيه، والتأطير لا يقل عن دور البرلمان.