للإصلاح كلمة : تتعلق بالربيع العـربي / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ستتوجه إلى عنوان شاع في الآونة الأخيرة وتـردد على ألسنة السياسيـين والمعـلقين وغيرهم في عالم اليوم .
والذي نريد أن نستـشفه ونضعه على شكل أسـئـلة لنري فيه الجواب

 من أولئك السياسيـين المتابعـين والمـعـلـقـين الملاحظين هو هذا الربيع العربي الذي وقع في العالم العربي .
ومن بين هذه الأسئلة أقول : ما هو معنى كلمة الربيع العربي؟ ومن الذي سماه هذا الاسم ؟ وهل هو في صالح من وخسارة من ؟ ومن الذي وقف ضـده في كل دولة ؟
وأبادر أنا لنحاول فهمي في الموضوع بناءا على فحوى العنوان وتـتــبعي لباكورته ونتيجة ما آل إليه .
فالمتبادر إلى ذهن المراقب أن الربيع العربي تـقال للحركة الاحتجاجية الثورية التي قامت في بعض الدول العربية ، وعرفها القائمون عليها بأنها حركة ضـد المستبدين من القيادات العربية الواقفين ضد إرادة شعوبهم وأن لا بـدل لهذا الاستبداد إلا بوجود ديمقراطية صندوق الاقتراع الشفاف النزيه الذي يأتي بأي شخص صوت الجمهور المستهدف لصالحه لأجل قيادة الفترة المستـقبلية المحددة في الدستور ، وبعـد هذا التصويت يكون الإجراء المتبع في الدولة هو التداول السلمي للحكم عن طريق الانتخابات .
ولاشك أن بداية هذا الربـيع العربي جاءت من تونس من غير تخطيط لتـلك البداية إلا أن الصدفة بدأت بداية صحيحة حيث كانت موفقة بالبداية بأكبر المستبديـن وهو من بين  أطولهم مدة استبدادية .
وبعد ذلك اتجهت تـبتـلع المستبدين طويلي المدة الآخر تـلوى الآخر فجاءت على ليـبيا وعلى مصر لتـتجه إلى سوريا واليمن وليقع في الأخير ما وقع كما يترآى للمجتمع .
والسؤال الذي أريد أن أعود إلى طرحه هو: من سمى هذه الحركة بالربيع العربي وما المراد من التسمية ؟
فـمعنى التسمية معروف عند كل عربي وهو أن كل عمل صدر في ما يسمى بالدول العربية من تاريخ نكسة الجامعة العربية أو هـزيمتها سنة 1967م فإن الوصف الذي يطلق عليه هو أنه صيفي أو شتوي وبذلك يكون أصحاب الحركة تفاءلوا لحركتهم بزمن الربيع الذي لم ينـتسب له أي عمـل عربي من قـبـل في التاريخ القريب والمتوسط فسموها بالربيع العربي ومن هنا نـتـساءل : من المضيف لكلمة العربي إلى هذه الحركة المتفائـل لها أن تكون في زمنها الربيعي ؟ إن التسمية جاءت لكون الحركة كلها في البلاد العربية .
فمن المعلوم أن انطلاق الحركة كان بعد كثير من الحركات التي تطلق على نفسها أسماء تـنبئ عن بالاتجاه العربي مثـل : البعثيـيـن والناصريـين وباختصار القوميين سواء كانوا  علمانيـين بمختلف عقائدهم الرديكالية أو المدنيين إلى غير ذلك من المسميات : الجميع كان قد استسلم للمستـبدين بقوتهم المادية أي بجيشهم وشرطـتهم التي بطشت بكل الخارجين على ذلك الاستبـداد .
ولاشك أنه كان من بين أولئـك المسميات التي نالها البطش وربما البطش الأكبر من يسمون أنفسهم بالإسلاميـين ( وأظن أنهم يعـنون بالإسلاميـين هو اعتقادهم أن عملهم الدنيوي حتى القطمير منه سيحاسبون عليه أخرويا أمام الله  إن خيرا فخير وإن شرا فشر ).
مع أن أكثر سكان الدول العربية هم مسلمون إلا أن مسألة العقيدة هي الركيزة في الإسلام وملاحظة اصطحاب تـلك العقيدة وهي عـقيدة حتمية المساءلة أخرويا قـليل ما هم أهـله ، ويبقي المولى عز وجل هو أعلم بمن اتــقي .
فجميع هذه المسميات المختـلفة المشارب رحبت بهذه الحركة لأجل ما أصاب كـثير منها من البطش فبعضها كان داخل الوطن مفضلا السكوت والتـقية وبعضها كان مشردا في الدول طلبا لفرصة متابعة نشاطه العقائدي في استـنكار الاستبداد وبعضها في السجون   .
وعندما نجحت هذه الحركة أولا بتونس وبسرعة وبقـليل من الخسائر اتبعتها كثير من الحركات في دول الاستبداد الأخرى التي نجحت فيها ولكن بعضها بكثير من الخسائر وبعضها ما زال يحاول النجاح ولكن مع الأسف بأكثر خسارة وربما مع اعوجاج في سلوك الطريق المستقيم لتحقيق ذلك .
وعندما نجحت بعض هذه الحركات واتجهت مجتمعة بجميع أفكارها واتجاهاتها إلى تـنفيذ ما قامت لأجله وهو الاحتكام إلى صناديق الاقـتـراع ، صادف ذلك الاتجاه إلى الاقـتراع أن أصالة الشعوب العربية راسخة فيها الفطرة الإسلامية .
وبما أن الحركات الإسلامية كانت هي أكثر هـدفا للاستبداديـيـن فكان تـشريدها والتـنكيل بها أكـثر انتشارا في آذان الشعوب ، فقد توجه أكثر المقـترعين إلى انـتخابها عندما تـقدم قادتها للترشح وعندما فاز أغلبها في الانتخابات الذي لم يختـلف اثـنان لا وطنيـين ولا دوليـين في شفافيتها ونزاهـتها ، تحركت العصبـية الشيطانية في نفوس من لم يحصن نفسه لا بالإسلام الوسطي ولا بالديمقراطية السلمية فبدأ بمحاولة الانقلاب على هذا الناجح الجديد بدون أن ينــتظر ثمرة ما تحرك أصلا من أجله وهو العدالة الاجتماعية والمساواة والتحاكم في النهاية إلى صناديق الاقـتـراع .
فبدأت شياطين الجن أولا تعمل عملها بالوساوس في البعد من ما هو إسلامي أو يتكلم باسم الإسلام بل توسوس بالبعد عن كل من يبدأ كلامه بالبسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فالتـقت تـلك الوساوس مع أفكار شياطين الإنس ليتضح تأويل قوله تعالـى :   (( وإن الشياطين ليوحـون إلى أوليائهم ليجادلوكم )) وقوله تعالى : (( وكذلك جعـلنا لكل نبي عدوا شياطين  الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )) إلى آخر الآية  .
ومن هنا تـنـبه الاستبداديون وأعوانهم وآثارهم أن فكرة الإسلام، وذكر الإسلام في المنابر،  واتجاه الإسلام ، يكرهه أكثر الناس كما قال تعالى :(( وما أكـثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )) .
فاتجه فلول المستبدين إلى قادة تـلك الحركات الذين لم ينجحوا بصناديق الاقـتراع وزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم من كره الإسلام ومعاداة الإسلام ولو في شخصية من يدعوا إلى وسطية واعتدالية وديمقراطية،ومن هنا اخـتـلـف مفاهيم الإسلاميـين لمعالجة الموضوع .
فالإسلاميون التونسيون فهموا ما ورائيات المثـقفين من الشعب التونسي  وما أكثرهم وأطول مدة أبعادهم عن الفكر الإسلامي ففهموا أن مصلحة الإسلام تـقـتـضي أن بعض الشر أهون من بعض وأن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه فانخرطوا في الموجود من الديمقراطية  رجاء استقرار  سفينتها في شاطئ العدل والمساواة .
أما في مصر فمن المعروف أن طبيعة سكانها حكي عنها القرآن الكريم أنها على فسطاطين دائما : فسطاط يتمسك بقوة عقيدته المتمـثلة في قوله تعالى عن قول بعض المصريين أمام الطغاة  ((أقـض ما أنت قاض إنما تـقضي هذه الحياة الدنيا )) .
وفـسطاط يمثـل خور بعض المصريـين أمام الطغاة كما قال تعالى: ((فاستخف قومه فأطاعوه)).
فالثورة في مصر التي قادها كثـير من الشباب والمفكرين من جميع العقائـد الفكرية عندما نجحت ظن الإسلاميون في مصر أن التحاكم على صناديق الاقـتراع  كفـيل بتحقيق ما تـتـطلبه الديمقراطية لتسيـير الحكم في مصر ، إلا أنهم مع الأسف لم ينتـبهوا أن كلمة الإسلام والمسلمين وقيادة الحركات الإسلامية في مصر سبق وأن شوهها الجيش و الأمن المصريـين أيما تشويه في جمهورية مصر العربية وبسبب ذلك التـشويه وتـلك الدعاية  اغـتـنم الجيش المصري الذي آلي على نفسه بعـد نكـسته أو هزيمته 67 ألا يوجه بندقيـته بعدها إلا إلى مواطن منزوع القوة .
فإذا استــثـنـيـنا عبور القـناة والانتصار الجزئي في بعض أجزاء سيناء ذلك الانتصار الجزئي الذي يعد من أكبر انتصار لإسرائيل حيث اعتـرفت بها مصر وزار الرئيس القدس وسلمها هي وغزة والسمعة المصرية لإسرائيل كل ذلك كان ثمنا لذلك الانتصار الجزئي ومن ذلك التاريخ انسلخ الجيش المصري من أي قـتـال خارج مواطنيه وتوجه إلى تكديس الثروات بـين ضباطه وجنوده ولم يـبـق من عسكريته إلا كلمة " القوات المسلحة" كما لم يـبق من القضاء في مصر إلا كلمة القضاء الشامخ .
ومن المضحك المبكي أن الجيش المصري لا يأتيه أي سلاح إلا من عدوه اسرائيل بعد غسله في أمريكـا أما الأمن المصري فهوايته الأصيلة هي تعذيب من ألقي عليه القبض سواء من أي اتجاه كأنهم لا يفكرون في لقاء الله بعـد ذلك  .
ونتيجة لهذه الحقيقة المرة عندما نجحت الثورة بإسقاط الضابط مبارك وأجريت الانتخابات الحرة النزيهة واستلم الإسلاميون الحكم بجميع أركانه الديمقراطية بدأت مخابرات الجيش تخطط لانقلاب مضاد يعيد لها ممــلكـتها العتـيدة فوجدت فرصة كراهية العلمانيـين والحركات الأخرى أصحاب الثروة للإسلاميـين حتى ولو كانوا من أقوى سند لهم بالإطاحة بمبارك الاستبدادي وزينت المخابرات من تحت الطاولة لجميع الحركات الثائرة في تحويل ثورتهم إلى الإطاحة بالإسلاميـين ووعـدتهم بالحكم ونسي أولئـك الثوار العلمانيـون أن الجيش لا يريد ديمقراطيتهم ولا حماستهم ولن يقـبـل المساس بالثروة إلا لأياديه هو وتألب الجميع على الإسلاميـين ورضي الجميع بأن تـفـتـضح مصر أمام العالم العلوي والعالم السفلي : تفتضح في العالم العلوي بقـتـل كثير من الأرواح البريئة فيما بعـد، والعالم السفلي بسماعه ورأيته لوزير للدفاع يعين رئيس محكمة دستورية رئيسا للدولة ويقـبـل ذلك الرئيس الدستوري التعين ويعين من عينه رئيسا وزيرا للدفاع .
ووزير الدفاع  يعطل الدستور ويحل البرلمان ويسجن الرئيس ويقول للعالم هذه ثورة وليس انـقلابا .
كل هذه الخزعبلات الفـلكـلورية ستـظل تلاحق شعب مصر أمام العالم وتبقي نقطة سوداء في تاريخه الطويل العريق .
وبعـد استـتـباب الحكم للجيش والأمن انـقـلب هذا الجيش انـقلابا حقيقيا على جميع الحركات الثائـرة في 30 يونيو على حكم الإسلاميـين وأصبحت الحركات هي والإسلاميـين في سجن واحد وتعـذيب واحد ومصادرة أموال الجميع وتبـين عندئـذ للحركات إن الجيش ولاسيما الجيش المصري لا يريد سماع الديمقراطية فضلا عن محاولة تطبيقها ..
ومن المضحك المبكي أيضا والمؤسف عليه أن دولا في الخليج وأخص بالذكر السعودية والإمارات اختارتا الزمن الأسود القاتم على مستـقبلـهما فأنفقوا أموالهم وجاههم لإعانة الظالم في الوقت الذي يوجد خطر حقيقي يكاد يطوقهما متجاهلين قوله تعالى(( اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين )) .
فبينما الجارة الإيرائية  الشرقية العدوة لها عقـائـديا وسياسيا تـتسلح وتطور ذلك التسليح ويمتد نفوذها إلى اليمن في جنوب الجزيرة العربية والحركات التي تـتسمى بالإسلام المتطرفة تتطور وتـقـترب من شمال الجزيرة العربية والجميع يعـتـقد أن عدوه الأول هو هاتان الدولتان ومع ذلك ليس عندهم من العدة والعـتـاد إلا ما يعرف الجميع مدى فاعـليته ، وإني أعوذهما أن يتكلوا في دفاعهم على الجيش المصري الذي تـقدمت حقيقته والذي يرى الجميع الآن ما يفعـل بأهل غـزة من تـنـكيل وما يفعـل بإسرائـيل من تعاون واحترام .
ففي هذه الظروف وتحت ذلك الجو القاتم عمدت هاتان الدولتان إلى الإصرار على ضرب أي إسلامي وسطي معـتـدل يري تحريم قـتـل النفس إلا بحق شرعي ويخاف من المؤاخذة على الكلمة والفعـلة يوم لا مـلجأ من الله إلا إليه مع أن هؤلاء الإسلاميـين المعـتـدلين الوسطيـين هم أول من سيدافع بإخلاص ونية صادقة عن البلاد المقدسة إذا وصلها لا قدر الله شيء من قنابل الفرق الاثـنـتين والسبعين المذكورة في الحديث الصحيح : فبدلا من تبني إسلام أولئـك الوسطيـين المعـتـدلين وتبني حكمهم عمدت تـلك الدولتان إلى إرسال ما تـزهق به الأرواح الإسلامية جهارا نهارا دون أي مواربة ولا خشية من الله الواحد القهار .
وبعـد هذا الموقف ونظرا إلى أن عدو الإنسان الأول هو هذا الشيطان الذي لا يقصر في قـذف كره الإسلام والمسلمين في القلوب المريضة من بني آدم فقد قام أكـثر المثـقـفين بتحميل الإسلام والمسلمين مسؤولية ما وقع من انتـكاس في مسيرة الربيع العربي مع أن هذا الربيع لم يطـلق عليه في يوم من الأيام الربيع الإسلامي بل سمي أولا وأخيرا بالربيع العربي.
ومن قام به أولا لا يدعى إسلامية تحركه بل يدعي التحرك لإزالة الاستبداد وأوكار الاستبداد وفـلوله الذين قاموا بالثورة المضادة ، وقد ظهر ذلك في كيفية قـتـل معمر القذافي رحمه الله فتـلك القـتـلة لا تصدر من مسلم معـتـدل وسطي فالإسلام بحسن القـتـلة حتى للحيوان.  فهي أشنع من قـتـل الشيعة وأمريكا  للشهيد صدام حسين رحمه الله كما نرجو له ذلك .
فالإسلاميون قاموا فقط بمساندة الثورة على الاستبداد والاتجاه إلى الديمقراطية لأنها مطلب الجميع وعـندما فازوا فيها بحكم الفطرة الإسلامية الكامنة في قـلوب العرب قام المستبدون بالانـقلاب عليهم وأعانهم على ذلك قوم آخرون (( فعسي الله أن يأتي بالفـتح أو أمر من عـنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ))                        

10. يناير 2015 - 10:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا