في القرن الحادي والعشرين، لم يعد في إمكان أيّ دولة أن تحقق الأمن والرخاء لمواطنيها بمعزل عن التعاون مع الدول الأخرى، ممّا يقتضي المزيد من التنسيق بين الدول، بصرف النظر عن الأوضاع الداخلية الخاصة بكل دولة.
لقد أصبح العالَم"قرية واحدة"-كما يقال-إن لم نقل"غرفة واحدة". وذلك بسبب ثورة المواصلات، وسرعة تدفّق المعلومات، وتعدد وسائل الاتصال، وسهولة التواصل الاجتماعيّ، وتطلع المجموعات والأفراد إلى المساهمة الفاعلة في صنع القرارات المصيرية التي تضمن التعايش السلميّ بين بني البشر، على أسس عادلة ومُنصِفة.
وفي مواجهة ظاهرة التطرف المتفاقمة، ينبغي للتعاون الدوليّ المطلوب أن يركز على ما يأتي:
معالجة أسباب الظاهرة، قبل محاولة مكافحة تجلياتها وتمظهراتها، واتخاذ الإجراءات والمقاربات الناجعة للتخفيف من حدتها وتأثيراتها السلبية، تمهيدا للقضاء عليها. وقد ثبت-في هذا المجال- أنّ المقاربة الأمنية وحدها غير كافية للقضاء على مظاهر الغلو والتطرف والعنف. كما تبيّن أنّ معالجة المجتمع الدوليّ لقضايا عادلة بقرارات وإجراءات غير عادلة، جعلت أصحاب هذه القضايا يفقدون الثقة في العالم، ويتمردون على كل شيء، ويصبحون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، ولو أدى ذلك إلى أن يفجروا أنفسهم. وكل ذلك بسبب الإحباط، وما تعرضوا له من حيْف. ومن المعلوم أنّ الظلم يولد الانفجار. وأكبر دليل على ذلك، فشل المجتمع الدوليّ في معالجة قضية فلسطين (العادلة) بطريقة موضوعية ونزيهة وعادلة. مع الإشارة إلى أنّ الحديث عن هذا الواقع المر، ليس تبريرا للجوء إلى التطرف والعنف من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، بقدر ما هو تحليل لنفسية المظلومين عندما تصبح الضغوط الممارسة عليهم تفوق طاقة تحمل البشر. وممّا يؤخَذ على المجتمع الدوليّ(الغربيّ بصفة خاصة)، التدخل العسكريّ في بعض الدول الإسلامية والعربية والإفريقية، ممّا أدّى إلى تدمير بلدان بكاملها وتشريد مواطنيها وتأجيج حروب أهلية بين أفراد الشعب الواحد. وكان من المفروض أن تعمل الدول القوية على مساعدة الدول الضعيفة لتلتحق بركب الدول المتقدمة-بدلا من تدميرها- وفي ذلك خير للبشرية جمعاء.
وبالتوازي مع هذا التعاون الدوليّ المطلوب، لا بد من التنسيق والتعاون بين المجموعات البشرية التي تربطها علاقات خاصة. ينبغي التركيز-بهذا الخصوص- على تفعيل التعاون العربيّ الإسلاميّ، والتعاون العربيّ الإفريقيّ، والتعاون الإقليميّ. وذلك مراعاة للروابط العِرقية والعَقدِية والإقليمية، وترابط المصالح الأمنية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
لا بد كذلك من التنسيق والتعاون بين المجموعات والأفراد داخل كل دولة على حِدَة، سواء أتعلق الأمر بالمسؤولين عن تسيير الشأن العام في البلد، أم بالأحزاب السياسية غير المشاركة في الحكم، أم بالمجتمع المدنيّ(المجتمع الأهليّ)، أم بالأفراد المهتمين(أي: الاهتمام بترتيب البيت من الداخل). وحَبَّذا لو استفادت أقطارنا العربية من التجربة التونسية التي اختارت أن يكون الحكم-في هذه الظروف الدقيقة-مبنيا على نوع من التوافق السياسيّ.
الخلاصة:
على العقلاء في هذا العالَم أن يدركوا جيدا أنّ الوضع الدوليّ في الوقت الراهن، لا يبشر بخير: الحرائق مشتعلة في كل مكان. الدم ينزف على مدار الساعة في جميع أرجاء المعمورة. الأمراض والأوبئة الفتاكة تنتشر. المجاعات تفتك بالشعوب. المشردون- بالملايين- يقاسون الجوع والمرض والبرد القارس، في الشتاء، والحر اللافح في الصيف. الناس يُذبَحون ذبح الخراف، ولون الدم البشريّ المسفوح أصبح منظرا عاديا، لا يَلفت نظر أحد. الإجرام أصبح بطولة. تكالب إرهاب الدول وإرهاب الأفراد على الإنسان المسالم. الكرة الأرضية تشتعل. وسفينة الإنسانية تغرق. القاتل يقتل بجنون ودون هدف واضح. لا أحد يعرف مَن يقتل مَن، حيث اختلط الحابل بالنابل. ويُخشى من أن يكون عدد العقلاء الذين يقودون العالم في تقلص، وعدد المتهورين (حتى لا أقول غير ذلك) في ازدياد. إنه عالَم مجنون مجنون مجنون !
ومع هذه اللوحة القاتمة، فإنّ الأمل معقود على أن يتدارك العقلاء-حتى ولو كانوا قلة- ما يمكن تداركه، قبل أن نغرق جميعا.