غدا الإسلام، مذ نشأت فيه عصبيات سياسية، سلعة رائجة يربي فيها أهل الأهواء وأصحاب البدع؛ فيرْخِصونها، ويضاربون فيها حسب مصالحهم، فإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم. إنهم أولئك الذين يتاجرون بالعقيدة
فيعبدون الله على حرف، وينتقون من الشريعة حسب أهوائهم.. إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا.
هؤلاء هم الذين يرهنون مواقفهم اليوم من الإسلام وقضاياه للبوصلة الغربية فتتناقض بحسب مصالح الغرب. كانت فتنة الربيع خير فاضح لهم حين انهالت فتاواهم تحرض الشعوب على أوطانها بحجة الحرية والديمقراطية، حتى إذا دمرت الأوطان، وأفني الشباب، وشرد الأهل، هزم رؤوس الفتنة من الإخوان في تونس في الانتخاب التشريعية، وهزمهم الشارع الذي هيجوه في مصر، ولفظهم الليبيون في انتخابات حرة نزيهة، فانقلبوا على الديمقراطية التي دمروا ليبيا في سبيلها، زعموا! وبعث الله عليهم القاعدة والحوثيين يسومونهم سوء العذاب في اليمن، ويسقطون ثورتهم المشؤومة.
ألم يكن علماء الإخوان وقادتهم يهللون للانفجارات في دمشق التي تحصد عشرات الأرواح ويتسابقون إلى التنديد بإلقاء زجاجة حارقة على جريدة تخصصت في الإساءة إلى الإسلام ونبيه الكريم. ألم يغتل في محراب بيت الله العالم الجليل البوطي رحمه الله تنفيذا لفتوى القرضاوي بإهدار دم الأسد وأعوانه، وشمت القرضاوي نفسه، وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالعالم الجليل الذي شهد له ولد سيدي مولود الإخواني بالنار تأليا على الله.
ذاك ديدن الإخوان، علماء وقادة؛ التنظير للإرهاب في بلاد الإسلام، وتسميته جهادا، واستنكاره حين يضرب بلاد الغرب استدرارا لعطف غير المسلمين للاستقواء بهم على جمهور المسلمين للسيطرة على بلدانهم، ونهب خيراتهم. إلى جانب الإخوان اصطف أترابهم في الحركة العنصرية إيرا، فحاولوا بيع الإسلام للمسلمين هذه المرة بعد أن باعوه للغرب مرارا، فأحرقوا كتبه، وانفردوا بمؤازرة من أساء إلى نبي الإسلام منددين بالنطق بحكم الله فيه. وصدق من قال: فقه إيرا أشد علينا من إساءة النصارى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم. ذلك أن فقه إيرا يجعل جهلتها يدافعون عن ولد مخيطير المسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وينددون بالحكم الصادر في حقه، ثم يتنطعون بإدانة الجريدة الفرنسية! فما الفرق بين ولد مخيطير وشارلي أبدو، سوى أن ولد مخيطير ارتد عن الإسلام، وظل أهل شارلي أبدو على كفرهم! الفعل واحد، وحكم إيرا مختلف باختلاف مصالح جهلتها الذين كانوا يستفزون مشاعر المسلمين حين كانوا طلقاء ينعمون بحرية لا يستحقونها، حتى إذا دخلوا السجن بسوء أعمالهم طفقوا يستدرون عواطف المسلمين التي طالما جرحوها بغطرسة الجاهل المغتر بحلم الله، حتى أحذه الله أخذ عزيز مقتدر قال آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل... شنشنة أعرفها من أخزمي.. حين ضاقت حلقة السجن حول بيرام بعد فعله الشنيع كتب من سجنه توبة نصوحا، زعم! وبكى بكاء مرا ندما على ما فرط منه، معترفا بجهله وشنيع فعله، حتى إذا أخلي سبيله اتخذ إحراقه الكتب يوم الجمعة عيدا. وهاهو شريكه في الإساءة يقتدي به في الخداع فيكتب من سجنه مطولة يدين فيها إدانة الدولة لفعل الإرهاب، وقد نسي تحريضه ضد حكم الشرع في المسيء ولد مخيطير!
إن مواقف الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ورئيسها من الإرهاب مشهورة، ودفاعها عن الإسلام ومقدساته لا يحتاج إلى شهود لتواتره وتكراره. فجيشنا تصدى للإرهابيين داخل حدودنا وخارجها، وقوات أمننا قضت عليهم في الداخل. أما الإساءة إلى الإسلام فقد وقف لها الشعب والرئيس بالمرصاد. هب الموريتانيون منددين بحرق الكتب، فأودع المسيء برام السجن، وحين تطاول ولد مخيطير على النبي صلى الله عليه وسلم قبض عليه لتقول العدالة كلمتها فيه، فقالتها دون خوف من كفرة الخارج، ومنافقي الداخل. وحين وقع ما وقع في باريس دانت الحكومة العمل الإرهابي كعادتها، لكن حين أريد استغلال الحدث سياسيا بما يسيء للإسلام ورسوله بشكل مباشر، أو غير مباشر، ودعي الرئيس ليكون جزءً من ذلك رفض بحزم المشاركة في مسيرة قد ترفع فيها شعارات مسيئة للإسلام، وتكرم فيها جريدة اشتهرت بالإساءة المتكررة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فإذا كانت موريتانيا تدين الإرهاب في دمشق وبغداد وأزواد، فإنها تدينه أيضا في باريس ونيويورك، ومدريد. لكنها لا تقبل أن يتخذ الإرهاب ذريعة لتبرير الإساءة إلى الإسلام ورسوله الكريم. لم يرفض الرئيس فقط المشاركة في المسيرة، وإنما لم ترسل الحكومة ممثلا عنها، عكس ما فعلت حكومة الإخوان في الجوار التي بادرت بإرسال وزير خارجيتها، وحكومة الإخوان في اسطنبول التي جاء رئيسها مهرولا، وهي الداعمة للإرهاب في سوريا!
ذاك هو الموقف المبدئي الأصيل من الإرهاب، إدانة له بصفته فعلا مجرما مهما كانت ضحاياه، وأينما وقع، وتحت أي ذريعة. أما الإسلام فلا مزايدة فيه، ولا توظيف سياسي لما يتعلق به، ولا يدخل دائرة الضغوط ولا المساومة، ودماء الغير ليست أغلى من دماء المسلمين الذين يسقطون يوميا بالعشرات تحت ضربات الإرهاب دون أن يرف للغرب جفن. لعل المتاجرين بالدين يدركون من موقف الرئيس الشجاع الفرق بين من لا يقبل الدنية في دينه، وبين من يبيعه ويشتريه تبعا لمصالح دنياه.. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له.