السياسة في أوجفت: "أنا والآخرون إلى الجحيم"! / دداه محمد الأمين الهادي

يتصل بي كثيرون، يخاطبونني حول السياسة المحلية في أوجفت، وانعكاساتها السلبية والإيجابية على المقاطعة، ويطالبونني بالتعرض لحالة الكساد الاجتماعي السائدة هنالك، وحالة غياب التضامن البيني بين الأشخاص ومسؤوليهم، ولست مقتنعا شخصيا بما أسمعه، ولا أجده في ذات الوقت غريبا،

فثمة الليل والنهار، ..الصالح والطالح، ..الموجود والمفقود، والجانب السلبي هو المسيطر، وفي أوجفت لو تأملنا ما يجعلنا جميعا فلاسفة.
وبافتراض أني استعرت من الفيلسوف جان بول سارتر عبارته الشهيرة: "أنا والآخرون إلى الجحيم"، فسأضيف كمسلم، طامح إلى الحصول على الجنة مثوبة: "أنا إلى الجنة والآخرون إلى الجحيم"، ولن تقنعني هذه العبارة، لأن الإسلام دين يحتم بالضرورة لصحة الإيمان ما ورد في الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وهنا سأعمل جاهدا لأغير عبارة سارتر حتى تكون: "أنا والآخرون إلى الجنة"، أو "أنا إلى الجنة والآخرون إلى الجنة"، أو "نحن إلى الجنة"، وضمير "نحن" سيكون في نظري، ونظري النحاة دالا على الوحدة أكثر من غيره.
إذا –إذن كما تكتب اليوم- لن يكون من المقبول عندي، ولا عند أوجفت، ولا عندنا معا –وهذه أحسن-، وأفضل منها، ولا عندنا جميعا في أوجفت أن يكون التفاعل البيني فيما بيننا لا يتحمل بالضرورة إلا معان سلبية، وبالتالي نشكل كارثة على حياتنا الجماعية المحلية والوطنية، كما نكون عبئا ثقيلا على من يمتلكون منا النية الحسنة للإصلاح، وقليل ما هم.
إن الحالة الأوجفتية جزء من الحالة الوطنية، وهي حالة محرضة على الكتابة والنقد، فثمة "خلل ما"، كلنا نعرفه بنسب متفاوتة، ونخمن أنه يكمن في حالة الاختلاف، والائتلاف المصطنع، الذي يصيب المتأمل بالغثيان والدوار، فالحالة هنالك بحر لا ساحل لها، وألغى الضفاف جميعا.
وفي اتصال لي بأكثر من طرف في التنمية المستدامة المفترضة بأوجفت بدت الصورة عندي تتضح معالمها، وأصبحت قادرا شيئا ما على الإجابة عن أسئلة من قبيل: "لماذا أوجفت تعاني من التخلف عن الركب الوطني المحاذي لها؟ ...، ولماذا هي معزولة خارطة وبشرا وحجرا؟ ... ولماذا حالة الوئام الأوجفتية متصدعة إلى حد بعيد؟ ..."
لقد اقترحت على بعض المواقع الأليكترونية إجراء استفتاء على الأنترنت حول الشخصية الأكثر إيجابية على أوجفت، وذلك من ناحية الضغط والنفوذ والمال والنفع العام، وحتى الثقافة والمعرفة، وقلت لمواقعنا أن الأمر إذا تم بشكل نزيه، ومدروس، ومعقلن سيمكن من معرفة الشخصية الأوجفتية، التي ترفع شعار مقولة سارتر: "أنا والآخرون إلى الجحيم"، كما سيتعرف الناس على الشخصية التي ترفع شعار تعديلي للمقولة إلى: "نحن كلنا إلى الجنة".
الاستفتاء سيكون مفصلا طبعا، وسيترك للآخرين مساحة كتابة أشخاصهم المميزين بأنفسهم، وأشخاصهم التافهين كذلك، وربما يكون الاستفتاء يحمل عرضا لأسماء الشخصيات الأوجفتية الشهيرة، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، لكن مثل هذا الاستفتاء لا يحتاج إلى شخصية عادية ليتم، بل لا بد له من شخصية قادرة على المغامرة، وتفكر في أن عواقب كشف أصحاب النيات السيئة له تبعاته، وآثاره.
أيها القراء الكرام؛ لقد قال دافيد هيوم يوما في تعبير شرح به حقيقة الأنانية: "دمار العالم، ولا خدش في إصبعي"، وقال بسمارك: " الأنانية تولد الحسد ، و الحسد يولد البغضاء ، و البغضاء تولد الاختلاف ، و الاختلاف يولد الفرقة ، و الفرقة تولد الضعف ، و الضعف يولد الذل، و الذل يولد زوال الدولة، و زوال النعمة، و هلاك الأمة"، ومن هنا فإن حكماء العالم كانوا ضد الأنانية، والأنانية –في نظر كثيرين من مقاطعتي أوجفت- هي التي تقف خلف انجرار أوجفت إلى التخلف حتى اللحظة، ليكون مثالا لمستويين من التخلف، أحدهما المستوى الوطني، الذي ينطبع بالتحاسد بين الولايات مبدئيا، ومن ثم المقاطعات، والمستوى الثاني هو التحاسد فيما بين بعض السيئين، الفاعلين في السياسات المحلية.
وإذا كانت الأنانية المفرطة هي ترجمة حرفية لمقولة: "بعدي لا تطلع الشمس"، فإنها تكون مخالفة لقيم الشرع، ومهلكة للزرع والضرع، ، فالإسلام يعلمنا ضرورة التكامل بشكل بديع، يقول المولى جل جلاله: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"، كما يعلمنا الإسلام على لسان النبي "ص" : "لو أن القيامة غدا، وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، وليس الإسلام بالذي يماشي حرفية نص أبي فراس الحمداني-رحمه الله-، حيث يقول في بيت شعري جميل:
معللتي بالوصل والموت دونه -  إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
وفي البيت تمام الأنانية عند النقاد، حيث يتمنى أبو فراس أن لا ينزل المطر، إذا ما مات هو في حالة عطش، ولكن هذا المعنى المباشر بالنسبة لي كشاعر غير وارد بتاتا، وما أراده أبو فراس هو التعبير المجازي المفضي إلى أنه إن مات دون أن يلتقي محبوبته، فلا كان لقاؤها مع غيره، وببساطة بالغة يمكن القول أن أبا فراس دلل في صدر البيت بكلمة الوصل، وفي الشطر الثاني تحدث عن الظمأ- العطش، فكان من المفهوم أن عطش أبي فراس هو عطش للوصل- لقاء المحبوبة، وليس عطشا عاديا للماء، ويمكن التدبر في البيت لمن لديه حس مرهف في اللغة، التي نزل بها القرآن.
ولقد قيل أن السياسة هي اكتشاف مذهل، فعن طريقه تتحقق المصالح الشخصية دون الإلتفات إلى المصالح العامة، وبالتالي فجعل أوجفت حالة سياسية مطلقة ليس حلا لمشاكله العالقة، وكان مكيافيليلي الإيطالي يقول: " ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة"، وفي الكلام حكمة مفادها أن ظهور المرء بمظهر الفضيلة هو أمر مفيد، ولكنه مسألة شخصية، ولنفس الفيلسوف كلمة قال فيها: "حبي لنفسي دون حبي لبلادي"، وهو فيلسوف: "الغاية تبرر الوسيلة"، ومن الملفت أن ساكنة أوجفت صاروا يركزون على هذا الطرح، وتبلور لديهم الوعي العام بأن شخصيات المسارح في أوجفت نصفها أو يزيد همه الأساسي مصالحه الضيقة.
وفي المحصلة فإن الصراع السياسي بطبيعته ليس شريفا دائما، لا سيما إن كان مجالا خصبا للتعبير عن محبة "الأنا" وتنميتها، في مقابلة تحطيم وتقزيم "الآخر" الأخ في الدين والنسب والوطن، واستثمار البعد القبلي في السياسة لأنه موجب حتما مع الزمن لنهاية الوئام والانسجام، وهو معزوفة اليهود منذ أردوا التلاعب بالعالم.

 

20. يناير 2015 - 8:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا