شهدت العلاقات الموريتانية المغربية منذ استقلال البلدين إلي اليوم الكثير من التجاذب والتناقض تميز في العديد من المرات بالتوتر حيث حاول المغرب و منذ البداية أن يكون وصيا علي موريتانيا من خلال اعتبار قادة جيش التحرير المغربي بأن المقاومة الموريتانية امتدادا لهم وصولا إلي محاولة المخزن
المغربي آنذاك جذب بعض الساسة الموريتانيين من خلال محاولة إقناعهم بإستحالة قيام الدولة الموريتانية المستقلة وبأن الحل يكمن في ضمها للعرش المغربي ( مجموعة ولد حرمة ) ومع فترة الاستقلال وفشل تلك المساعي وبداية قيام الدولة ترجمت الأطماع المغربية في موريتانيا بموقف سياسي واضح من خلال مطالبة الحكومة المغربية التي كان يترأسها ولي العهد المغربي آنذاك الحسن الثاني بضم موريتانيا واعتبارها جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية لتدخل الدبلوماسية الموريتانية معركة فاجأتها وهي في بداية نشأتها مما أنهكها طيلة ثلاثة عشرة سنة حتى توجت تلك الجهود بإرغام المغرب بالإعتراف بموريتانيا ككيان مستقل بعد أن أصبحت الدبلوماسية المغربية محرجة أمام العالم ودخول النزاع الصحراوي علي الخط من خلال بروز جبهة البوليساريو سنة 1973. وبعد خروج آخر جندي إسباني من أراضي الصحراء الغربية يوم 14/09/1976 بدأت العلاقات الموريتانية المغربية تدخل في منعطف جديد آخر من خلال موافقة الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه تقسيم الصحراء الغربية مع المغرب وذلك بمباركة وإشراف حكومة أفرانكو المريض آنذاك ومن خلال هذا التقارب الجديد بين البلدين وجد المغرب في موريتانيا حليفا استراتيجيا يمكنه من خلاله تنفيذ سياسته التوسعية جنوبا إلا أن الأمور جرت عكس ما كان يخطط له الملك المغربي الراحل الحسن الثاني بعد أن ساءت الأوضاع في موريتانيا بسبب حرب الأشقاء ( حرب الصحراء ) التي قنعها المغرب بها ليفشل هذا التحالف الاستراتيجي بعد الانقلاب ضد حكم المختار ولد داداه لتوقع موريتانيا اتفاقية سلام مع الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي جبهة البوليساريو بالجزائر العاصمة يومي 3 و 4 من شهر أغسطس 1979 هذه الأتفاقية التي من بنودها:
- إعلان موريتانيا بأنه ليست لديها ولن تكون لها مطالب ترابية أو غيرها في الصحراء الغربية.
- تقرر موريتانيا الخروج نهائيا من حرب الصحراء الغربية.
- تعلن جبهة البوليساريو بأنه ليست لديها ولن تكون لها مطالب ترابية أو غيرها في موريتانيا.
- جبهة البوليساريو باسم الشعب الصحراوي وموريتانيا تقرران بحسب الاتفاق المذكور توقيع سلام نهائي بينهما.
وبعد هذا الاتفاق مباشرة اعترفت موريتانيا بالجمهورية الصحراوية لتأخذ العلاقات الموريتانية المغربية منعطف جديد آخر تمثل هذه المرة في مضايقة المملكة المغربية لموريتانيا وقد وصلت تلك المضايقات لحد محاولة إسقاط الأنظمة المتعاقبة في انواكشوط من خلال محاولة الانقلابات والاغتيالات ليبقي الموقف علي ما هو عليه حتى وضعت الحرب أوزارها بين المغرب وجبهة البوليساريو يوم 06/09/1991 لتدخل تلك العلاقات مرحلة جديدة أتسمت هذه المرة بالشعار الذي رفعه نظام ولد الطايع وهو موقف الحياد الإيجابي في الملف الصحراوي مع فتح الحدود الدولية بين موريتانيا ومناطق الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية مما عزز التبادل الاقتصادي بين البلدين وصولا إلي الاستثمارات المغربية في قطاع الاتصالات الموريتاني، لتبدأ الفترة الأخيرة من تلك العلاقات مع وصول الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلي السلطة وتوقع بعض المحللين انتعاش تلك العلاقات بحكم معرفة الرجل بالمملكة والروابط التي تجمعه بها والتي سال الكثير من الحبر فيها إلا أن ذلك كله لم يساعد الرجل في إنعاش العلاقات بين بلده والمغرب مع حسن نيته التي أبداها للمسئولين المغاربة الذين زاروه بعد الانقلاب وقد كان من أبرز أسباب التباعد والجفاء بين البلدين في هذه الفترة ما يلي :
- ضغوط المملكة المغربية علي الجنرال عزيز أثناء الانقلاب الذي قاده ضد الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله وتهديده بالتخلي عنه ( من أجل موقف موالي للملكة في قضية الصحراء الغربية ) في وجه الضغوط الأمريكية.
- بعد الاستقرار السياسي في موريتانيا لصالح الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدأت المخابرات المغربية محاولتها لفهم والتأثير علي الخارطة السياسية الجديدة في موريتانيا والتي أصبحت في يد شخص كان في الأمس القريب تحت التهديد ليتسبب ذلك التدخل بطرد مراسل وكالة الأنباء المغربية من أنواكشوط مع تغاضي السلطات عن اللوبي الإعلامي التابع له في موريتانيا.
- عند محاولة موريتانيا الدخول إلي مجلس الأمن لأول مرة في تاريخها كممثل عن أفريقيا بعد مباركة معظم الدول الأفريقية مع ضمانة من المغرب بعدم خوض السباق تفاجئ مرشح موريتانيا لمجلس الأمن بمرشح مغربي غير متوقع بعد أن خاض المغرب حملة سرية قوية في معظم ممثلي الدول الأفريقية بعد أن ظنت موريتانيا بأنها حسمت المقعد لصالحها ولم تحرك ساكنا للأسباب الآنفة الذكر لتخرج موريتانيا مهزومة وخارجة من السباق وهي تتحسس ألم الحسرة والطعن من الخلف من ( أقرب ) الجيران.
- مضايقة الطلاب الموريتانيين الدارسين في المغرب من خلال الشروط المجحفة عكس ما يجري مع الطلاب الأجانب الآخرين.
- أثناء حضور وزير الخارجية الموريتاني لمؤتمر أصدقاء سوريا والذي احتضنته مدينة مراكش المغربية تم استثناء استقبال ولد حمادي من طرف نظيره المغربي والذي أستقبل كل الوفود المشاركة في الاجتماع حتى تلك التي شاركت بسفرائها المعتمدين بالرباط.
- تذمر الدبلوماسية المغربية من استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لوزير الخارجية الصحراوي ومبعوثي الرئيس الصحراوي، وهو ما يعتبر تدخل في سيادة موريتانيا.
- المعاملة الغير ودية من السفارة المغربية لمرتاديها الموريتانيين. بخصوص التأشيرة والخدمات القنصلية الأخري.
إذن كل هذه الأحداث توالت علينا دون أن يصرح أي مسؤول موريتاني معترضا أو ملوحا بأي طريقة كانت وهذا يحسب لنظام ولد عبد العزيز لأن الحكمة تتطلب أحيانا غض النظر عن تصرفات البعض حتى لا تزيد الأمور سوءا، لكن الأمور تطورت حتى أصبحت الصحافة المغربية الرسمية والمستقلة وعملائها في موريتانيا مِن مَن جندوا في الجامعات المغربية ــ مقابل فتات من الدراهم لخدمة عقلية توسعية توقف حلمها عند انتهاء علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال من رسم خارطته المعروفة بعصاه فوق رمال واد نون ( خارطة المغرب ( الكبير ) والتي تمتد من جبل طارق شمالا إلي نهر السينغالي جنوبا ومن المحيط الأطلسي غربا إلي بشار وتيندوف شرقا. ) ــ يروجون لأنشاء جمعيات ونوادي تهدف إلي مناصرة المملكة المغربية في موضوع الصحراء الغربية وترفع شعار الحكم الذاتي كحل للقضية الصحراوية مصادرين بذلك حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بنفسه ومع أن الحدث ليس أكثر من مفرقعات إعلامية دأب عليها أزلام الدعاية المغربية إلا أن الحكومة الموريتانية ملزمة بمراقبة هذا النوع من الأنشطة فعندما يكون الشخص ملكي أكثر من الملك نفسه فلا شك بأن وراء الموقف ما يتطلب الحذر والصرامة خدمة للسيادة وأمن البلد، فمن يريد أن يجر موريتانيا مرة أخري إلي الوراء وإقحامها في ويلات الحروب التي كانت السبب في عدم الاستقرار السياسي وتدني مستوي التنمية الناتج عن الانهيار الاقتصادي من يريد ذلك لايريد مستقبلا لموريتانيا والسبب بسيط هو أن مستقبله ليس فيها.