جاء في برنامَج بَثّته إذاعة البحر الأبيض المتوسّط (ميدي1-بطنجة)، صبيحة الأربعاء بتاريخ: 21 يناير/كانون الثاني 2015م، أنّ شابّا تُونُسيا(32 سنة) يُدعَى: محمد زياد شعري، قد اخترع طريقة لشحْن الهاتف عن طريق ذبذبات صوتية، بحيث يتمّ الشحْن في أثناء المحادثة،
دون اللجوء إلى شاحِنٍ(chargeur). وهذا الشابّ حاصِل على ماجستير في هندسة الإلكترونيات ويُعِدّ أطروحة لنيْل الدكتوراه. وكان يعمل لدَى شركات للتنقيب عن النِّفْط في صحراء ليبيا، وعاد إلى تونس على أمل أن يتحسّن الوضع الأمنيّ في المناطق التي كان يعمل فيها ليتمكن من العودة إلى مقر عمله. والذي لَفَتَ نظري في هذا الموضوع، هو أنّ هذا المهندس المَوْهُوب(صاحب الاختراع)، لم يلق أيّ اهتمام-حسَب ما صرّح به للإذاعة- من سلطات بلده، مع أنه حَصَل على جوائز وميداليات ذهبية دولية: من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيطاليا...
وقد ذكّرني هذا الأمرُ بقصة موريتانيّ موهوب في الرياضيات، هو: صديقي وزميلي في الدراسة/ يحيى بن المختار بن حامدن-رَحِمَه الله- الذي ظهرت بوادر موهبته سنة 1963م، بمعهد أبي تيليميت(موريتانيا). وكان يُدِير المعهدَ-في ذلك الوقت- تُونُسيان، هما: بشير لعريبيّ- إذا لم تخني الذاكرة- ونائبُه/ الهادي. وقد قررت الإدارة تجميع الطلاب المتميزين في قسم دراسيّ نَمُوذجيّ، . وأتذكر أنّ يحي، كان ينجح في حلّ أيّ تمرين في الرياضيات مهما كانت صعوبته، وعندما نسأله عن الطريقة التي توصل بها إلى الحلّ(ونحن زملاؤه في القسم نفسه)، يقول إنه لا يستطيع شرحها. مرّت الأيام وذهبنا مَعًا سنة (1964م)-بعد نجاحنا في مباراة على المستوى الوطني- إلى جمهورية مصر العربية، لمتابعة الدراسة في المرحلتيْنِ: الثانوية والجامعية. حصلنا على الثانوية العامة (البكالوريا)-الشعبة العلمية- سنة: 1967م. التحق زميلي بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ووقع اختياري على الدراسة بمدرسة الألسُن العليا(كلية اللغات بجامعة عين شمس حاليا). المهم في هذه الحكاية، هو أنّ زميلي كان- باستمرار- متفوقا في كلية العلوم (ربما كان الأولَ دائما). وهنا بدأت دول أجنبية متقدمة تعرض عليه العمل بها- مباشرة بعد التخرج- متعهدةً له بامتيازات مادية مُغرِية، وبجو علميّ مساعِد على الاستمرار في الدراسة والبحث العلميّ. وكان من حظ فرنسا (الأكاديمية الفرنسية للبحث العلميّ) أن تظفر بهذه الموهبة النادرة وتجني ثمارها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، بعد استعراض هذه القصة، هو: متى تقتنع دولنا العربية ومؤسّساتُها المعنية بضرورة النهوض بالبحث العلميّ، مُرُورًا بالتشجيع- المادي والمعنوي- للموهوبِين من أبنائنا في هذا المجال، وحتى لا نظلّ متخلفين عن ركب الدول المتقدمة؟.