مِشْعل الشفافية / محمد امبارك ولد البانون

تقف بلادُنا في أيامنا هذه شامخة على منبر لم تكن لتقف عند قدمه قبل سنوات قليلة، إنه منبر محاربة الفساد ودعم الشفافية، وهو المنبر الذي أختارنا الله له في قارتنا وأنظارنا لنكون قائدين لمرحلة جديدة لم تكن معهودة في بلدان عرفت ثرواتها أكلا لمًا من مسؤوليها،

وبقيت شعوبها تقبع في مربع الجهل والفقر والمرض والتخلف.
مَنْ منا كان يعتقد أن محاربة الفساد وحمل مشعل الشفافية كان بالإمكان أن يكون هذا الركن القصي منبرا له؟
لا أحد كان بإمكانه أن يتحدث ولو بشطر كلمة عن الفساد حرى أن يكون من السياسات الوطنية والاستراتيجيات الاقتصادية، فخلال عقود من "السيبة" ظلت الرشوة عادةً وبات الفسادُ منهجا وهدفاً، أنخرا روح اقتصادنا المتهالك أصلاً وعانى الغنيُ منا قبل الفقير.
لقد مثل المؤتمر عالي المستوى حول الشفافية والتنمية المستدامة في أفريقيا تصديراً بكل المقاييس لتجربة موريتانية ناجحة في حربها ضد آفة إفريقية هذه المرة ليست مرض الأيدز ولا الملاريا إنه "الفساد" ذلك العدو الذي أهلك الاقتصاديات السمراء ولم يترك على العظام ما يكسوها من اللحم منذ استيقظت قارتنا خلال منتصف القرن الماضي.
الحكمة القائلة بحفظ الموجود أولى من طلب المفقود، أو مثلنا الحساني "أخير كوام من جياب" تذكير بلا حدود أن البلاد لو حافظت على ما تمتلك بالتسيير المعقلن بعيداً عن الفساد وارتباطاته ستظل مكتفية مرتاحة في اقتصادياتها مزدهرة في اجتماعياتها.
إن السياسة التي انتهجتها بلادُنا منذ سنوات حول محاربة الفساد والرفع من مستوى الشفافية والآداء الحكومي هي سابقة من نوعها في بلد عرف عقوداً من البطش الأعمى وتخبط في فوضى لاحدود لها.
أن تحظى بلادنا في فترة من فترات الزمن بيقظة تجعلُ منها منبراً حاثاً على الشفافية واستدامة التنمية وحربِ الفساد مسألة تُحسد عليها كل الحسد فهي تقف أمام عُضاليات بكل قوة وحزم وإرادة، تُحسد على ذلك لما تعرفها نظيراتها إقليميا من خدوش في تسييرها اقتصادياتها، وتُحسد عليه لمباردتها الشجاعة والجديدة بكل المعدلات، ناهية ناهرة وآمرة في نفس السياقات بما أوتيت من حناجر وأقلام وإعلام سبيلاً للنهوض بمبدأ الشفافية في التسيير بغية تحقيق تنمية مستدامة في هذه القارة التي غُلب على أمرها عبر سنين عديدة لأسباب كثيرة يعودُ أغلبها للتركة الاستعمارية الناهشة لقواها ولتَمكُن عُملائها من مقاليد السلطة في كثير من الأحايين.
أن ترفعَ شعارَ العدلِ والمساواة والخير بين بني الخليقة، وتدعم التسيير المعقلن للثروات بمختلف أنواعها معدنية بحرية أم زراعية لأمر في غاية الوُد والخير واليُمن، فما تقوم به بلادنا حالياً –في ظل قيادتها لرئاسة الاتحاد الأفريقي- من حملٍ لراية العدالة الاقتصادية وتكافؤ الفرص ودعم الشفافية في كل الميادين، ينم عن نخوة حقيقية وتحمل واضح لمسؤولية تاريخية سيسطرها المؤرخون لما ستؤتي من أكل سيفوق كل المقاييس، فهي بحق ستنتشل أبناء سمرائنا من ويلات الظلم التسييري، وستحقق تنمية مستدامة تبعثُ لنا أفريقيا جديدة بكل الأصناف، لا تابعة ولا قابعة في الحروب ولا عُرضة للأوبئة، سترتفعُ بمبادرة بلادنا رؤوسُ أبناء قارتنا، وسنكون بحق حاملين لمشعل الشفافية.

22. يناير 2015 - 20:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا