النمو الاقتصادي السريع لدول الخليج العربي وبعض الدول العربية الأخرى في القرون الستة الماضية يُقابله ، فشل وتخلف وعجز في أنظمة الحكم وأسلوب ممارسة السلطة .والتلازم الوارد في بلدان العالم كله بين: التنمية والديمقراطية ،لانجد له أثرا في الأنظمة التُيوقراطية والدكتاتوريات
العسكرية العربية ..فهل الأنظمة العربية خاضعة لمعادلة الحكم التاريخية:(إما قريش وإما الجيش) ؟ وكيف يظل التناوب علي السلطة يدور بين خيارين لا ثالث لهما؟ وما قيمة الهيئات والمؤسسات الديمقراطية في الدول العربية؟
في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والجزائر و الصومال يوجد منصب رئيس الجمهورية في حالة شغور منذ أن أدت ظروف خاصة إلي الخروج عليهم أو إزاحتهم عن سدة الحكم بشكل نهائي(ليبيا واليمن ) أو بطريقة أخري (العجز بالنسبة لبوتفليقة والتمرد بالنسبة للأسد وتنصيب الأجنبي لرئيس آخر في حالة العراق والصومال....
وفي مصر وموريتانيا والسودان ويوجد علي رأس السلطة ضابط عسكري قاد انقلابا أوصله إلي الحكم بالقوة واستمر يحافظ عليها بوسائل مختلفة ولكنها تؤدي نفس النتيجة ..
أما في دول الخليج التي تودع اليوم أحد أبرز قادتها (خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله)فإن أنظمة الحكم هناك هي ممالك يدعي حكامها النسب الشريف والانتماء العروبي القرشي ويتم فيها التداول علي السلطة بطريقة مرنة ضمن عائلة واحدة وتاريخية .وفي الأردن والمغرب توجد عروش علوية تدعي الانتماء لذات الأصول الأكثر جدارة بالحكم علي مر التاريخ العربي نتيجة عوامل أسهب ابن خلدون في شرحها من خلال نظرية العصبية والدولة ..
إن الأساليب الديمقراطية التي كثيرا ماراهن عليها المثقفون العرب لا تعدوا أن تكون مظاهر بائسة للتقليد والتبعية الشكلية للنماذج الغربية في الحكم .
ويعد التحالف القوي بين الأنظمة الديمقراطية الغربية وبين أنظمة الحكم العربية دليلا واضحا علي زيف ادعاءات الدول الغربية وتآمرها علي الشعوب العربية وتشجيعها الضمني لإطالة عمر الأنظمة الحالية والقائمة علي معادلة (إما قريش وإما الجيش)والتي يلخص بواسطتها أحد المفكرين المعاصرين العرب طبيعة السلطة وجدلية الحكم في الدول العربية .
وهي معادلة تكشف عن مستوي التخلف وصعوبة الانتقال الديمقراطي في ظل انتشار وترسخ ثقافة الحكم القائمة علي التغلب والسيطرة والتجذُر الاجتماعي بالمعايير العرقية القديمة .....
إن القبلية تراث اجتماعي يحمل الكثير من المضامين والدلالات ، وقد وظفتها الحركات القومية العربية (البعثية والناصرية) في اتجاه أوسع نطاقا وأكثرا عمقا سبيلا للوصول إلي: الوحدة والحرية والاشتراكية ...لكن مفهوم القبيلة ظل يترسخ ويتطور أكثر في الثقافة الحديثة، نتيجة:
- السلوك العاطفي لبعض القوميين
- تعثر المسيرة التربوية والعلمية في أغلب البلدان العربية
- تجمٌد الفكر العربي وتراجع جذوة الإبداع
- محاصرة الأنظمة للوعي المدني
- عدم تقبٌل الشعوب العربية لمتطلبات الحداثة والعولمة الثقافية ، نتيجة الصراع مع المستعمر الغربي والعداء مع الكيان الصهيوني..
إن النموذج الموريتاني يعطي الانطباع بتداخل غريب بين أطراف معادلة الحكم العربية ، فضباط الجيش الذين قادوا انقلابات ناجحة ووصلوا إلي السلطة كان - أغلبهم – من تلك الفئة الاجتماعية التي تصنَف محليا بأهل الشوكة (لعرب) وهو أمر مستغرب بالنظر إلي وجود ضباط بنفس الرتب (أكثر عددا) من القبائل الأخرى (الزوايا) ..
قد لايبدوا هذا الطرح مناسبا في ظل تجاذبات فئوية أكثر عمقا (لحراطين ،لمعلمين ، لكور) وفي عصر تتوق فيه الشعوب إلي الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، لكن الأمور كانت ستكون عادية، لو لم يتم التمكين لقبائل الرؤساء اقتصاديا وسياسيا علي حساب بقية القبائل والفئات..مما أصبح يدلل - بشيء من المفارقة- علي إصرار بعض ضباط جيشنا علي تلبية غرور دفين نابع من ثقافة متخلفة ربما لامست طرفي معادلة الحكم:(إما الجيش وإما قريش).