شارلي : سقوط الأمة العظيمة / محمد محمود ولد بكار

في هذا العالم يعيش مليار ونصف من المسلمين ، اعتقادهم الجازم بأن الحياة كلها ممر عبور إجباري قد يتراوح عمر الفرد فيه من 70 إلى 90 سنة في أحسن الأحوال ,هذا الممر قد يكون مريحا ،وقد يكون سجنا بالنسبة للبعض الآخر ،وقد يكون مرا نكدا ، لكن ذلك لا يغير من الأمر شيء ،

 في أن هذه الحياة مجرد طريق إلى حياة أخري حقيقية سرمدية إما في السعادة الأبدية أو الشقاء الذي لا ينقطع ولا يزول .
وسيلتنا نحن المسلمون ـ حتى مذنبينا ـ إلى النجاة ،هي فقط ذلك النبي وحده بتعاليمه ، لكن أيضا بمقامه في ديننا، فلا يصح إيمان أحد منا حتي يكون أحب إليه من نفسه . هذا الدرجة التي هي جزء من عقيدتنا هي التي تمزقها شارلي وبكل وقاحة ورعونة دون أدني سبب ، هذا المعتقد ليس أكثر من لعبة لمهوسين أشقياء ومتخاذلون ،يبحثون عن الإثارة والشطط ، في عالم لا يعرف سوي استهداف كل ما له علاقة بالإسلام .ألا تعلم شارلي أنها تجاوزت الإساءة إلينا إلى ما هو أحب إلينا من نفسنا ،إنها بهذا العمل لطمت مليار ونصف دفعة واحدة وكأنها ضربة على خد رجل واحد. والأسوأ من ذلك أن هذا العمل دخل في التاريخ الإسلامي ضمن أعمال الشر الموجهة للمسلمين من أعدائهم ، وسينتقل عبر الأجيال ، وليس فقط كعمل قامت به ثلة من شياطين الإنس مرضي بالخواء الروحي لا يمثلون في هذه الدنيا إلا أنفسهم ،بل هو فعل مرتبط بالأمة الفرنسية التي احتضنته وآزرته وتشبثت به ودافعت عنه ، ضمن الحروب الصليبية في أعتي صورها .هذا رسول الله وخاتم النبيين الهجوم عليه ،ليس مثل التنكيل برؤسائنا وقادتنا ، فهذا عمل مختلف وحسابه مختلف .لقد عشنا معكم مسارا طويلا من الإستعمار والتفكيك وجعلتمونا أتباعا خاضعين بسبب التفرقة ، لكنكم اليوم تجاهروننا بالسوء ، تهاجمونا في أعز مقدساتنا بشكل طائش ،ولا يقيم وزنا لمشاعرنا ولا لواجباتنا الدينية ،أنتم من خلقتم ردة الفعل ، أفعالكم هي التي خلقت القاعدة وبوكوحرام ،وداعش ،وكل أنواع التطرف ، هذه الغطرسة هي التي تغذي هذه الأعمال وتمنحها التعاطف داخل المعتدلين ، هذا الجيش الذي يولد كل يوم ويتقوي كل يوم ،ليس إلا ردة فعل على استهتاركم للمسلمين واستخفافكم بمقدساتهم ومشاعرهم ، لقد سيطرتم على كل شيء عندهم  ،مواردهم وأرضهم وسماءهم وسيادتهم،كل شيء لهم هو لكم تستبيحونه لأنفسكم ، فما ضركم لو تركتم لهم مقدساتهم ، لقد حيدتم اليوم قطاعا عريضامن المسلمين كان يقف في وجه هؤلاء المتطرفين وينسجم معكم حول إدانة أعمالهم ، فلن يكون بمقدورهم اليوم الحفاظ على نفس الموقف وبنفس الحماس، وغدا سيتخلفون عن ذلك الانسجام ،وبعد غد سيكونون ضدكم . وتيرة تصرف الغرب وعدائه تأخذ طريقين مختلفتين ،عمودية وأفقية في آن واحد : عمودية أي متطرفة وفي اتجاه تصاعدي. وأفقية لأنها تنتقل من بلد إلى آخر. أيمكن أن يكون ذلك صدفة .لا ،ليس كذلك، بل هو عمل موجه مقصود وينم عن الاحتقار أو الاستضعاف ،لكن من الواضح وحسب سير التاريخ ، أن الضعف ليس قدر أمة، وهكذا صعدت الصين ،والهند، والنمور، كلها صعدت من تحت الركام ،الأمة الإسلامية ليست استثناء، بل تشهد عملية نفض الغبار عن الفكر ،عن الجمود ، هناك وعي كبير بالدور بدأ بباكستان مرورا بايران وتركيا ،وهناك في العالم العربي شباب ،نخبة يدوسون على الفرامل ، المسلمون يتلمسون طريقهم في ضوء التطور الحاصل في المفاهيم في الخبرات في الوعي وهذا التعاطي الحاصل مع مقدساتهم سيجعل أي تطور أو أي نهضة لا تخدم السلام على الأرض ولا تعايش الأديان وسيكون الصدام حقيقة لا تكهن أو تحليل . وستكون ردة الفعل التي هي من جنس الفعل أوسع لأنها ردة فعل أمة لا ردة فعل أشخاص. قبل 7 قرون من الآن  لم يكن الغرب يساوي أيّ شيء ، بما فيه آمريكا وروسيا ، التفوق  عبارة عن موجات وأدوار في التاريخ ، وفي عالم اليوم يختلف تاريخنا عن الماضي حيث يمكن التطور بواسطة العلم والتكنولوجيا وليس على حساب أمة ،وهو أيضا متاح لأي أحد ، وهذا من الأمور التي يجب أن توطد الاحترام والتعاون ، لكن الغرب المتقدم لا يريد الخروج من عادة العنف والهيمنة وفرض ثقافته كمعيار للتقدم ، والتأكيد على أن ما هو غير غربي فهو متخلف ، ولا يمكن البرهان على ذلك إلا من خلال إلصاق ذلك بمرجعيات الأمم الأخرى ومقدساتها التي تستقي منها أيديولوجيتها ،هذا هو الغرب في تراجع إشعاعه المعرفي في انفصام شخصيته العلمية والفكرية . هذا المأتم الكبير للفكر للتسامح الذي حضره كل زعماء الغرب في فرنسا ، يشكل شهادة وفاة  لريادة الغرب فكريا وعالميا .

التستر وراء حرية التعبير.

الشعار الذي حمله الناس أثناء المظاهرات هو دعما لحرية التعبير ، لكن هناك حدث ملازم هو إداسة مشاعر أمة أخري ودعم الناس الذين أجرموا في حقها، كما تم تكرر الجرم أثناء المسرة نفسها التي يعتقد أنها إدانة موقف دون الخوض في سببه ، وهو حمل شعارات مسيئة أيضا.

المسلمون لم يدعموا الناس الذين قتلوا الصحفيين ،لأنهم لم يفوضوهم بالقتل حتي إن كان العمل يعاقب بالقتل ، هذا العمل الغربي في باريس بعيد كل البعد من المنظومة الفكرية التي تدافع بشكل مجرد عن حرية الرأي وحرية التعبير التي هي بالضرورة حرية الآخر . الحدود الوحيدة المتفق عليها عالميا في تحديد حرية الفرد أو الجماعة هي أن لا تطال حرية غيره ، ثم أن هذه الحرية التي تضامن معها الزعماء الغربيين حرية انتقائية ليس بمقدورها الحديث عن المثليين ولا عن المحرقة ولا عن السامية ، لكن بكل بساطة يمكنها سب نبينا متي وكيف شاءت ،هذا لا يعكس أي تفوق ولا أي حرية ، وعلى الغرب أن يوقف هذه المهزلة. فلا يوجد عمل إلا ويخضع للقوانين التي الهدف منها درء المفاسد والمفسدة التي يجرها الحديث عن المثليين أو المحرقة أقل من المفسدة المترتبة على استهداف المسلمين باستمرار .
 

25. يناير 2015 - 23:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا