تأكيدا لتصريح رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في مهرجان شنقيط قبل أيام ، الذي قال فيه إنه مستعد بكل جدية للحوار مع المعارضة ، ولطمأنة نفوس المشككين من قادة المعارضة في نية الرئيس ، التي أعلن عنها .
تقدم الوزير الأول السيد يحي ولد حدمين ،بمقترح يتضمن عدة نقاط تشكل بادرة حسنة من النظام ودليلا آخر علي صدقه في التعبير عن رغبته الدخول مع المعارضة في جولة جديدة من الحوار ، لعلها تثمر تقاربا بين الجانبين ، يستغلانه جميعا من أجل بناء الوطن ويضعان به حدا لحالة التجاذب والمد والجزر التي طبعت علاقاتهما في الأعوام الماضية ، ولم تزد الوضع السياسي تأزما ،وإنما أفقدت الأيادي الوطنية المخلصة ، والجهود التنموية البناءة ، سواعدا ذهبت طاقتها سدا في أوهام لا طائل من وراءها . لو أنها انضمت من أي موقع إلي مسيرة البناء والتشييد ، حتي ولو من باب النقد البناء ، لكان ذلك أكثر أهمية للوطن وللمواطن ، ولازدادت جهود البناء والتنمية في البلد وتزينت ، بكل سواعد أبناءه.
وفي ردها علي الوثيقة السالفة الذكر التي قدمها الوزير الأول السيد يحي ولد حدمين ، قال منتدي المعارضة بأنه ضد أي تعديل للدستور ، يتعلق بتغييرالمادة التي تحدد سن الترشح للرئاسة ، والمنصوص في تلك الوثيقة علي ضرورة تغييرها استجابة من النظام لمطلب قديم للمعارضة ،من أجل تمكين قادتها ـ الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا في السماء، غير منصب رئيس الجمهورية ـ من الترشح مجددا في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ، والتي كانت ضمن النقاط المذكورة آنفا .
ويفهم من رد المنتدي ورفضه لأي تغيير في الدستور مدي تخوفه من فتح الباب لتغيير الدستور حتي لا يطال ذلك التغيير المادة التي تتعلق بتحديد المأمورية ، خوفا من تغييرها بما يسمح الرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز بالترشح لمأمورية ثالثة .
وحسب ما يري الكثيرون ، فإن رفض المنتدي للحوار بدافع الخوف من احتمال طرح النظام لمقترح جديد لم تتضمنه الوثيقة الأولي ، هو دليل جديد ،وواضح علي أن المنتدي كان ومازال هو الرافض لأي تقارب ،وهوالممانع قبل أي حوار ، وأنه بذلك يثبت للجميع بأنه لا يتحلي بروح الديمقراطية ، إذ لا يريد المنتدي إلا الحوار الذي يتم علي مقاسه ، ويذهب في ذلك مذهبا بعيدا ، ليصل إلي رفض أو قبول الحوار انطلاقا من تدخله السافر في نوايا الطرف الآخر ،لإبعاد كل مالا يريد الحوار فيه ،ومع ذلك لا يقبل أي حوار لا يأخذ بعين الاعتبار ضمن جدولته النقاط المقترحة من قبله للتداول .
ويدل هذا التخوف الآنف الذكر ،علي أن المنتدي ، قد أعلن للنظام وللشعب الموريتاني عامة ، وضع حد لعصي النضال التي حملها من قبل ،لترحيل الرئيس الحالي قبل انتهاء مأموريته الأولي، فلقد أصبح المنتدي ينشد التخلص من الرئيس عن طريق الدستور وبدون منافسة علي الرئاسة ، وذلك بعد أربع سنوات من الآن .
تري ، هل أربع سنوات قادمة ، من الجمود ، من الركود ، من البعد عن المنابر المؤثرة ، والقادرة علي إيصال صوت المنتدي باحترام ومسؤولية إلي الشعب . أربع سنوات من الإنسحابت المتكررة والمتجددة قبيل كل انتخابات ، مع العلم أن سائر الإنتخابات البلدية ،والنيابية ،وانتخابات الشيوخ ،ستكون قبل انتهاء المأمورية الثانية للرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز .
أربع سنوات من التهميش مع حمل أوزره ، والبعد عن القواعد الشعبية لأحزاب المنتدي ، هل هي أفضل لهم وخيرلهم من المشاركة في انتخابت يترشح لها السيد محمد ولد عبد العزيز؟!، هل مشاركة المنتدي في خوض انتخابات لا يترشح لها السيد محمد ولد عبد العزيز، أمرمهم جدا وجدير بدفع هذا الثمن الباهظ ؟ ما الذي يضمن للمنتدي أن يحقق نجاحا كبيرا لو أنه نافس في تلك الانتخابات ؟ وهو منهك ، وغير مقنع ، ولا يحمل أي خطاب ، ولا أي مشروع سياسي يمكن تقديمه للشعب غير ترديد خطاب رئيس الجمهورية الحالي ، ولا نضالا ديمقراطيا مشرفا لهم غير مواجهتهم الشخصية مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، تري هل سيستقبل الشعب الموريتاني ، بالترحيب والتأييد أحزاب المعارضة المنضوية في المنتدي.. لمجرد أنها كانت تعارض شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعجزت ثم استسلمت قبل قطع نصف الطريق ، لتترك أمر ترحيله للدستور؟! .
الواقع أن المنتدي لم يكلف نفسه عبء استفتاء الجمهور عن ذلك ، ولو أنه فعل ، فسيجد الغضب من الجمهور ، من الشعب الموريتاني بأكمله ، قد بلغ بهم ما بلغ عليهم بسبب ، مناهضة المنتدي غير الديمقراطية لشخصية وطنية عرفتهم :معني الحياة ، وسمو النفس ،وقيمة الحرية ، وعزة الوطن .
وحتي لو كان هذا الرئيس يستحق أن َيرحل قبل أنهاء مأموريته الأولي ، فهل في مسيرة نضال ذلك المنتدي بما فيها من الرفض المتكرر للحوارالهادف ،ما يجعله يستقطب أنظار الجماهير، ليعودوا إليه بالتأييد والمؤازة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي يريدون..؟! .
ليس في الأمر مايشي بذلك ، ومعني ذلك أن الوضع المزري للمنتدي لن يتغير ، عند ذاك ،أي في أحسن الأحوال (بمقاسهم ).
فعند انتهاء المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ، لن يحصل أكثر من أمرين :إما أن يتنافس المتنافسون علي الرئاسة ، والسيد محمد ولد عبد العزيز ينتظر لتسليم الرئاسة للفائز في السباق ، وفي هذه الحالة وبناءا علي المعطيات السابقة ، فإن أيا من قياديي المنتدي لن يكون هو الرئيس ، ولا من يدعمون ، بل الفائز سيكون أحد المترشحين من خارج المنتدي،المنافسين لمرشحه ، هذا ـ إذا لم يمش بينه النعام كما يقول المثل العربي ـ وحين ذاك ستطارد المنتدي لعنته من جديد ، فقد نراه الآن ونسمعه أحيانا ، يردد أنه لايريد الرئاسة بقدرما يريد التخلص من الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، ولا يهمه من يحكم البلاد بعد ذلك ، لكن هذا مجرد كلام لن يكون له أي معني في ذلك الوقت ، حيث سيتهم المنتدي الرئيس الحالي بدعم المرشح الفائز ، ويتهمه أكثر من ذلك بحكم البلاد من خلاله ، ويتهم المرشح الفائز بأنه مجرد ألعوبة بيد المواطن محمد ولد عبد العزيز ، الذي لن يَعتبر المنتدي ، إلا أنه خرج من باب القصر، ودخل إليه من النافذة، هذا هو ما سيحصل ، ومعناه أن لعنة المنتدي التي همشته وأبعدته عن المنابر السياسية المحترمة، ستلحق به وستطارده باستمرار ،حتي لولم يترشح الرئيس الحالي لمأمورية ثالثة ، فلن يتعافي إذا المنتدي الهائم من أوهامه .
أما إذا حصل أن ترشح السيد الرئيس لمأمورية ثالثة ، لأي سبب ، كأن يطلب الشعب ويحرص من خلال مسيرات في كل البلاد ،أن يترشح الرئيس لمأمورية ثالثة ، فيٌعرض عليه استفتاء حول تغيير الدستور وخصوصا تلك المادة المحددة للمأمورية .. وتأتي نتائج الإستفتاء إيجابية .فيترشح الرئيس لمأمورية ثالثة، أو أن يحصل حوار مع بعض أحزاب المعارضة الأخري ، ويتم تغيير الدستور فيما يتعلق بسن الترشح ، وعدد المأموريات ، ويسمح لشيوخ المنتدي بالترشح إن شاؤوا للرئاسة ، ويسمح للرئيس الحالي بالترشح لمأمورية ثالثة ، ويستمر الحراك السياسي بكل هدوء وأمن وسلامة ، من دون أحزاب المنتدي ،فما الذي سيسقط من السماء علي الرؤوس .
لقد جرب الشعب الموريتاني ، وكذا المجتمع الدولي ، قدرة المنتدي وفاعليته ، وذلك من خلال حراكه في السنوات الماضية ، فلم يجد الجميع فيه ما يقنع بجدوائية موقفه من النظام، ولم يظهر بما يشجع علي اتخاذه حليفا يعول عليه ، إذا ما أراد تدخٌل سافر أن يعبث بأمن واستقرار البلد .
ومعني ذلك أنه في حال ترشح الرئيس لأي سبب كان ، لمأمورية ثالثة ، ستظل بالتأكيد تلك اللعنة تطارد المنتدي ، إلا أن تجذبه عناية الله ، ليعود إلي دفء الأجواء الديمقراطية مجددا ، لكن سيكون ـ حين ذك ـ قد فاته القطار،وعليه أن ينتظر سنوات أخري ليفعل أجهزته ، والاستعداد لخوض غمار المعركة الانتخابية .
وإلي حين حصول ذلك التوجه ، يظل السؤال المطروح هو لماذا يخاف أحزاب المنتدي وشخصياته الوازنة ، مواجهة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في السلم (الحوار) ، وفي الحرب (معركة الإستحقاقات..) ؟! .
في الواقع ليس للأمر أي تفسير غير أن القوة والمعني قد التأم جمعهما في كفة الرئيس الحالي ، فلم يعد الصراع قائما بينهما ،أحدهما في طرف ، والثاني في الطرف الآخر، بحيث تحاول القوة التغلب علي المعني ، ويسعي هذا الأخير لقهر القوة التي يري أنها بدونه فاقدة للأصل المتين. ليس بيد المنتدي الآن ،لا القوة للتغلب علي المعني والحق الذي عند النظام ، وليس عنده لا المعني أو الحق الذي يمكنه من قهر القوة التي عند النظام ، فماذا بوسعه أن يفعل ، غيرما تفعله النعامة إذا داهمها الخطر، وهي بأرض شمامة... !!، إذ ليس لدي المنتدي أي مبرر لرفض الحوار ـ الآن ـ وسيبقي في عريه ،وتكشفه ،أمام الفاعلين والمهتمين بالسياسة .
ليس لقياديي المنتدي ـ الآن ـ مندوحة عن الحوار، فليس لهم أي شيئ يغمضون به أعينهم عن حقيقة الأمر الواقع ، المتمثل في أنهم لا يريدون حوارا،ولاهم يفرحون، وليس لهم ـ أصلا ـ من الشجاعة ما يمكنهم من الاعتراف بأخطائهم السابقة ، وليتجاوزوها ، ويصححوا مسارهم السياسي ، اللهم إذا لم يسأم أحدهم ،أن يكونوا للشعب الموريتاني مثل أخو "ألكترا" عندما أراد لأخته أن تعرفه علي حقيقته(...) .
ولذلك فليس غريبا أن يرفضوا هذا الحوار مجددا ، وأن يرفضوا تغيير الدستور إذا كان شرطا للدخول في هذا الحوار،فجميع المهتمين بالشأن السياسي لن يتفاجؤو بذلك ـ انطلاقا مما سبق ـ لكن الغريب حقا ،وهو ما فاجئ الجميع أن يصبح هذا المنتدي ، داعيا إلي احترام الدستور وواقفا عند مقتضياته ، فقط الآن ، وهو من بذل قصارى جهوده لعزل الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل انتهاء مأموريته الأولي بسنتين الأقل ـ بالقوة ـ وبدون أبسط احترام للدستور ولا لمقتضياته !!.