عنف الدولة..في مواجهة الفكر الحقوقي / محمد الحافظ ولد الغابد

استخدام الدولة وأجهزتها للعنف الناعم المتمثل في انكار المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو الركن المعنوي لجرائم كثيرة تمارسها السلطة السياسية في موريتانيا منذ عقود ولا يمكن تجاوزها دون الارتقاء بتصورات وسلوك النخب السلطوية في البلاد من أجل الوصول في يوم قادم

لدولة العدل والحرية والحكم الرشيد.
أما الركن المادي لممارسة الجريمة السلطوية دائما فهو أجهزة "العنف السياسي" الخاضع لضوابط القانون وفي البلدان المتخلفة يبلغ انحراف السلطة مداه حينما تستنفر كل أشرعة السلطة وأجهزتها بما فيها الجهاز القضائي لإقرار الظلم وإنزاله بالضحية وعندها تقترف "العدالة" جرم الرذيلة ويتحقق الفصام النكد في شخصيتها "المغتصبة" والمفروض عليها بالعنف التسلطي أن تقترف ما هو منافر لطبعها ومناقض لوظيفتها الإنسانية والحضارية.
إن تطور وسائل النضال السياسي والحقوقي شهد تحولات كبيرة في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة ولم يكن أحد يتصور أن مستوى التطور الراهن يمكن أن يحصل في هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبيا إن الفكر الحقوقي ينمو في مسارات متوازية فمن أداء مناهضي العبودية إلى أداء كشف الفساد إلى بروز الأغنية السياسية اللاذعة فضلا عن سياق الصحوة والوعي الإسلامي المتقد أكثر من ذي قبل.
وتنوع الأداء في هذا الحقل دليل على وجود خصوبة كبيرة للنماء والتطور وهو ما يبشر بتحولات قادمة لابد أن يتم الاحتفاء بها ترشيدا واستعدادا لاستقبال المئال المنتظر ومواكبته بالتهيئة والإصلاح الجدي والتجديد المنبثق عن الخصوصية الثقافية والحضارية للمجتمع الموريتاني.    
ولا يمكن أن نتصور تحول السلطة بشكل فجائي يحقق العدل والحكم الرشيد كما تبشر المقولات الخلاصية التي تربط حصول الإصلاح في الواقع الفعلي بالحركة الفجائية التي تغير الواقع بين عشية وضحاها.
ولأي معترض أن يعترض على انتظار الخلاص الفجائي بكونه مرتبطا في حدوثه بعالم الغيب لا بعالم الشهادة فأفراد الشعب والأمة مكلفون شرعا بالسعي والسلوك اليومي وفي نطاق الاستطاعة التي نيطت بها أحكام الشرع وعليه فإن اقامة العدل والقسط والحكم الرشيد هو أمر فردي نفسي تبعدي قائم بذات الفرد مكلف بطلبه وأدائه وإن بقي تحققه الواقعي مرتبطا بالشروط النفسية والاجتماعية فالسنة الاجتماعية قائمة على أن الله إذا راد أمرا هيأ له الأسباب، فسنن الله ماضية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحدا مهما كانت مشروعية حقوقه وعدالة مطالبه.
إن مواجهة أفكار المنظمات السياسية والحقوقية بالعنف في مستوياته المادية والمعنوية على يد السلطة مؤذن بخراب يهدد المجتمع والسلطة معا فعندما تصبح السلطة أداة في يد فرد يندفع بعواطفه وحساباته الضيقة لتحقيق رغباته فهذا من أسوأ أنواع الاستبداد لأن الفرد المتسلط هنا لا يتصرف بمقتضى المصلحة العامة بقدر ما تحركه نوازعه الذاتية وعواطفه الفردية الخاضعة للرضى والغضب والشهوة والحب والكره.. وهي نوازع غريزية حيوانية إذا لم يكن إنسانا كاملا كالخلفاء الراشدين أو نبيا معصوما.. وهذه مواصفات منعدمة في المتصدرين للشأن السلطوي في المجتمعات المعاصرة في الأغلب الأعم.
إن استخدام المؤسسة القضائية وأجهزة ومرافق الدولة لتأديب الرافضين للانسياق في رؤى السلطة يعتبر جريمة تستحق الملاحقة والمتابعة .. لأن العنف إذا كان مرفوضا من الفرد العادي المجرد من السلطة فهو كذلك مرفوض من قبل أهل السلطة ذاتهم وليس ثمة أسوأ من ظلم الحاكم للفرد المجرد من أي حول قوة إلا قوة الحجة والبرهان ولذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ ".
والخلاصة أن عنف السلطة السياسية من أسوأ انواع العنف المستخدم في تاريخ المجتمعات خصوصا إذا استهدف التدافع الاجتماعي وسعى لإجهاضه بوسائل العنف .. إن نفسية المجتمع السلطوي الذي يصاب بممارسة السادية التسلطية يمكن أن يقود سلوكها لانزلاقات غير مأمونة العواقب.

27. يناير 2015 - 22:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا