الحوار وظله : دراكولية الجديدة / بون ولد الداها

من الملفت أن جميع دعوات "النظام" إلى الحوار كانت تأتي إما لانتاج شرعية أو لتصدير انتخابات أو لتفريغ أزمات فيما بات يعرف بواردات النظام وصادراته بشكل عام.
ولم يكن الحوار يوما حوارا وطنيا وكيف يمكن له

 أن يكون بين وطنيين وعملاء، بين زعماء وأشباه النمر الورقي، بين نخبة الكهول العجزة ونخبة الشباب القادرة، أو بالأحرى بين النقيضين : موريتانيا القديمة وموريتانيا الجديدة.
فهل نحن أمام مؤامرة ؟.
كتب الكثيرون عن "الحوار" المأمول أو المرتقب بمناهج مختلفة، وما نريد توضيحه سوف يكون أكثر واقعية والواقعية وضوح، لأن الوضوح شرط الحقيقة الأول.
في ثقافتنا السياسية نستحضر العديد من المقولات نذكر منها على سبيل المثال مقولة معاوية بن أبي سفيان المشهورة وهو يفتخر أمام خصومه : "إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون". والحال نفسها في السياسة، وهذا ما دفعنا بالأساس لتقديم مقاربة أكثر صرامة بالاستعانة بحقل معرفي غريب أقرب إلى الفهم والاستيعاب وهو علم الباثالوجيا من منظور كرين برنتون.

في علم الباثالوجيا الذي بات يوظف بقوة في مجال علم السياسة رغم الاختلاف الجذري في الموضوع، فالأول موضوعه علم الامراض والثاني موضوعه علم السلطة أو الدولة. ينظر إلى الظاهرة المرضية باعتبارها داء، ومنه بات ينظر إلى بعض الظواهر السياسية باعتبارها حالة مرضية، والأمراض كما في الباثالوجيا تتفاوت في الخطورة والفتك، وكذلك في السياسة.

وفقا لهذه النظرية ينظر للأزمات السياسية المزمنة باعتبارها نوع من الأمراض الخطيرة والفتاكة، أو هي: "نوع من الحمى التي تصيب جسم الانسان، إذ تظهر علامات اضطرابات في جسم النظام وهي علامات يستدل بها الطبيب على اقتراب المرض وتختلف هذه الاعراض بين الشدة والضعف إلى أن يبلغ المرض ذروته، وكثيرا ما تكون هذه الحالة مصحوبة بالهذيان".
والمراقب البسيط قليل الاطلاع للمشهد السياسي في موريتانيا لا ينكر أن تلك الحمى افترست الجسم السياسي منذ انقلاب 2008 ـ إن لم أقل ما قبل وبعد ـ ولا تزال تفترسه في يومنا هذا، وأن علامة اضطراب تلك الحمة متزامنة حدة وضمورا وحدة مع 2008 وما بعدها. بيد أن النظام ظل متماسكا مقاوما غير مكترث من أجل بناء الدولة القوية التي تحتكر القوة والحزب الواحد وتقتل المجتمع المدني، بماكيناته الفارهة رغم أعراض المرض البادية بقوة بين الشدة والضعف والضعف والشدة إلى أن بلغ المرض ذروته وكثيرا ما تكون هذه الحالة مصحوبة بالهذيان.

ولا يخفى على المراقب البسيط أيضا، الانقلاب الثاني الجذري والفجائي على الدولة القوية إلى الدولة الرخوة، حيث الانتقال بالمعركة من مجال المواجهة المباشرة مع الاحزاب السياسية والمجتمع المدني إلى المواجهة المباشرة مع المجتمع نفسه في وحدته الوطنية ورموزه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بعد أن لقنه درسا من البطالة المتعمدة وارتفاع الجوع والجريمة واختلاس المال العام الذي لم يسلم منه حليفه الأول وهو المؤسسة العسكرية.
هذا في الوقت الذي تعول فيه الدول على قوة المجتمع بدل الدولة بوصفها القوة المصدر والأصل.  يلجأ النظام إلى اختبار المقاربة "دراكولية" في المجتمع، ودراكولية، نسبة إلى دراكولا الروماني الذي أقدم على احراق الآلاف من الفقراء لحل مشكلة الفقر. وهكذا لحل مشكلة الأزمة السياسية المزمنة، على النظام أن يحرق الآلاف من الزعماء المعارضين في البلد وكل من يقول : لا، أو له وجهة نظر مخالفة لأنا الدولة، لحل مشكلة الأزمة السياسية المستفحلة. بيد أنه بعد أن فشل الاختبار دراكولي وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة وهي مرجحة لأن تخرج عن السيطرة عاد إلى الحوار وظله، ومن الملفت أن جميع الدعوات إلى الحوار كانت تأتي إما لانتاج شرعية أو لتصدير انتخابات أو لتفريغ أزمات فيما بات يعرف بواردات النظام وصادراته بشكل عام.   

31. يناير 2015 - 15:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا