صراع الطبقية وفلسفة التراتبية في المجتمعات / المهدي ولد أحمد طالب

شهد الإنسان الأوّل تحوّلاً عميقاً في تعاطيه مع فلسفة الحياة؛ من جميع النواحي، وعمل جاهداً على إيجاد مخرجٍ ينقذ واقعه المتحوّل والمتغيّر إلى ما يضمن له البقاء والتكيُّف مع متغيّرات الطبيعة من حوله، وكان لزاماً عليه التجانس مع بني جنسه والتكافل معهم وفق آليةٍ فرضها المجالُ الزماني

 والجغرافي الذي يعيش داخله، وكانت هذه الآلية مع مرور الزمن خاضعةً لتجارب بدائيةً يفشل فيها أحياناً وينجح أخرى.
وقد ظلّت البشرية تتأرجحُ بين ثنائية النجاح والفشل، وكان عامل القوّة الجسمانية والضعف مِحكا مألوفًا ودافعاً يتعاملون من خلاله، حتى بعث الله الأنبياء والمرسلين داعين إلى الّتي هي أقوم وأحسن، مسترشدين بالوحي الإلهي الذي حباهم الله، وكان حظُّ المستجيبين لهم السعادة والهناء، وحظُّ المعرضين الضياع والشقاء والتشتت في متاهات الظلم الأبدي والقهر الإنساني. ويشهد لهذا في الاستجابة قوله تعالى }من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون{، وفي جانب الإعراض }ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا{.
إذا فهمنا صورياً حالة الصراع بين قوى الخير الذي تمثُّله الطبقة المؤمنة العادلة، وقوى الشرِّ الذي تمثُّل الدوافع النرجسية الظالمة المتمثّلة في الرغبات النفسية لدى العقل الجمعي، والنزغات الشيطانية المتمثلّة في الشخصيات السادية التسلُّطية، يمكننا  أن نقول بأنّ الحضارات البعيدة والبعيدة عن أرض النبوات والرسالات شهدت تحوّلاً كبيراً وانقلاباً فكرياً ديناميكياً للكثير من المفاهيم الحياتية، كان سببه صراع  العقلانيين الذي يمثُّله الفلاسفة، والسياسيين الذي يمثُّله الحكّام، ونتج عن هذا التحوُّل الدراماتيكي مفاهيم شكّلت منطلقاً  للثقافة الغالبة  التي تسيطر – اليوم – على شتى النواحي الاجتماعية.
إنّه لمن الضرورات البشرية لاستقامة الحياة على الوجه الأكمل أن يمتهن البعضُ مهناً تتماشى مع ميوله الفطري ’’ السياسة، التجارة، الصناعة، السباكة، الفلاحة ... ‘‘ ومن غير المعقول أن يصبح هذا المحدّد التكاملي مَيسماً يحاسب الناس من خلاله كمحدّد جوهري لأصل خلقتهم، وتشنُّ الحروب والإبادات الجماعية من خلاله، في الوقت الذي يتفقون على أصل النوع البشري ولا مزايا تخصُّ من أصبحوا  نبلاء بفعل عامل الغلبة الجسمانية لا بسلطان الأخلاق، ومن أصبحوا عبيداً بفعل عامل القهر والتسلُّط لا بسلطان الفضيلة.
إنّنا  إذا رجعنا إلى جمهورية أفلاطون الفاضلة نجد أنّه قسّم المجتمع  اليوناني على أساس طبقي لا على أساسٍ مهني، ومن خلال هذا التقسيم – الجائر – جسّد فلسفة التفاضل الاجتماعي بين مختلف  المكوّنات الاجتماعية في مدينته الفاضلة على هذا الأساس، في غيابٍ تامٍ لسطان العقل، الذي سلكه في جميع نظرياته؛ وللدلالة على هذا ربط فضيلة ضبط النفس بطبقة التجار والحرفيين، وربط الشجاعة والإقدام والبسالة بطبقة الحراس، وربط الحكمة بالملوك والفلاسفة، وهكذا كان تقسيم المجتمع الصيني في عهد الفيلسوف كونفوشيوس، حيث كانت الأسرة الحاكمة أرستوقراطيةً، والأسر الفكرية نبيلة مهتمة بالقيادة الفكرية، والأسر التابعة من الفلاحين ونحوهم، لكن على العكس من التراتبية اليونانية كان التدين الكونفوشوسي في الحضارة الصينية مظهراً من مظاهر الفلاحين، وكانت هذه الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ تمتاز بشيء من الديمقراطية الثقافية في التفكير عن باقي الحضارات البشرية وتمتاز – كذلك – بالشيوعية في التعلُّم بين جميع الطبقات الاجتماعية.
ثم إنّ الازدواجية الأفلاطونية التي تربط التؤدة والشجاعة والحكمة وكلّ خصال الفضيلة بالحكّام والفلاسفة، في الوقت الذي تعتبر الخصال المضادّة لها من شيم البسطاء والمحرومين، تظهر بجلاء فلسفة الطبقية في أذهان مفكّري اليونان ومنظري الشأن العام، ومما يثير الدهشة كون أفلاطون حين أراد أن يجعل لفلسفته الطبقية هذه شرعنةً دينيةً وقيمةً دنيويةً، أسدل عليها ثوباً ربانياً بحيث ربطها بالقدر الإلهي، وبالتفاضل المعنوي لقيمة الذهب والفضة والنحاس.
يقول أفلاطون: "أيها المواطنون إنّكم إخوة، ومع هذا فقد خلقكم الله مختلفين"، فهو يقرُّ بأخويتهم مما يوحي ضمنيا بأنّ هذا التفاضل الطبقي لا مبرّر له في أصل الخلقة - إلا بشيء من الشكلية المهنية- ومع هذا يجعل الاختلاف الفطري في الرغبات والهويات أصلاً سوياً في التراتبية الطبقية، وحقيقة الأمر أنّ طبقة النبلاء حظيت بجو سمح لها بالتفكير في ميادين الحكمة والحكم، وطبقة العبيد ومن في حكهم كان حظُّهم خدمة النبلاء والنبلاء فقط؛ وفي إطار الفكر الإسلامي نجد أنّ الله تعالى خلق عباده حنفاء على ملّة واحدة، ولتستقيم حياتهم سخّر بعضهم لبعض من أجل إقامة معاشهم الدنيوي }أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون{، وهذا التفاضل من أجل التسخير فقط - كما قال أهل التفسير - وليس مبرّراً للتفاضل الطبقي على أساسٍ حِرفي، ولهذا ربط أساس الأكرمية والأفضلية على التقوى فقط }يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم{، ولا يمكننا أن ننكر أصل التفاضل المعيشي قدرا في الفكر الإسلامي }والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق{ ولا يمكننا كذلك أن نجعل هذا التفاضل نبراساً للتراتبية الطبقية التي يتبجّح بها فلاسفة اليونان ومفكرو الغرب، وإنّما هو محك للابتلاء والاختبار، الذي يستحق به المحسن ثواب إحسانه والمسيء جزاء بخله وتقتيره.
    وفي العصر الإسلامي الأوّل نجد صراع الطبقية مختفياً تماماً ولا وجود له، ففي عام الأحزاب في معركة حفر الخندق قسّم النبي - عليه الصلاة والسلام- الناس بين مهاجري وأنصاري، حتى يتسنّى لكلّ فريقٍ حفر مقداره الذي اختطّ له، وارتفعت الأصوات مطالبةً بسلمان الفارسي، فقال - عليه الصلاة والسلام-" سلمان منا آل البيت "، وهذا بلال بن رباح الحبشي يزوّجه عبد الرحمن بن عوف أخته القرشية، وهذا أسامة بن زيد أمّه أم أيمن كانت جارية للنبي - عليه الصلاة والسلام- وحظي أسامة بفضائل لم يحظ بها فتى في سنّه، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام- يعالج المسلكيات التي تصدر عن بعض الصحابة من غير عمدٍ قصدي، ولهذا حين عيّر أبو ذر - رضي الله عنه- بلالا بقوله " يا ابن  السوداء" قال له عليه الصلاة والسلام "إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه" وهكذا ظلّ المجتمع الإسلامي يطبعه جوُّ الألفة والأخوّة بعيداً عن التناوش الطبقي.
إنّنا حين نقوم بفكفكة خبايا جمهورية أفلاطون نجد أنّه في تقسيمه الطبقي للفئات الاجتماعية يقول في حديثه مع أستاذه سقراط: "اختلاط الطبقات الاجتماعية الثلاث، ليس في الواقع إلا الفوضى بعينها والدمار، بل هو جريمةٌ لا شكّ فيها" وهذا التقسيم الفئوي القائم على هذه التراتبية لن تنعم فيه مدينة فاضلة بأمان، ذلك أنّه من غير المقبول أن يظلّ نبلاؤها ينظرون من برج عالٍ إلى الطبقات الاجتماعية المسحوقة بهذا المنطق، الأمرُ الذي سيحدث انقلاباً اجتماعياً على المدى البعيد، وحينها يصبحُ عبيد الأمس نبلاء اليوم ونبلاء الأمس عبيداً لليوم والغد وهكذا نظلُّ ونظلُّ في هذه الديمومة اللامتناهية إن نحن لم نكبح جماح الوظيفة الذهنيّة التي يقوم بها المثقفون، من تبرير لطبقية مبنية على أسس غير منصفة وعادلة، الهدف منها استمرار الحكمة للحكماء والسياسة للحكّام والنجارة والسباكة للطبقة المسحوقة وهكذا.
وإذا ما رجعنا  للوراء قليلا قبل عهد أفلاطون وقمنا بتفتيش دهاليز التاريخ نجد نظريات حامورابي في العهد البابلي تكرّس الطبقية على نحو فج وصارخ، فهو يرى في شريعته كما في المادة 282: إذا رقيق قال لسيّده أنت لست سيّدي وأثبت أنّه رقيقٌ فعلى سيّده أن يقصّ أذنه. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على سيطرة قانون الغاب في أذهان الكثيرين من الساسة الذين يصفهم أفلاطون بالنبل ويجعلهم في أعلى السلّم الاجتماعي، إذ كيف لرقيق أن يفقد أذنه  لمجرّد نفيه سيادة من يظنُّ عدم سيادته عليه؟ 
وحين نقارن الدستور الحامورابي بالدستور العُمري في الفكر الإسلامي، نجد أحد الأسياد الداخلين في الإسلام حديثا قطع أنف عبدٍ له، وبعد أن اشتكى العبد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه نجده يأمر بإحضار ذلك السيّد من أجل إقامة حدّ القصاص عليه، وبعد حضوره استغرب هذا الدستور الذي يساوي بين العبد وسيّده؛ لكنّ عمر بن الخطاب ردّ على استغرابه هذا بأنّ الإسلام  قد ساوى بينهما، الأمر الذي جعله يذهب خفية من بين يديه ويعلن تنصُّره ناكصا على عقبيه. وفي عهده - كذلك - تسابق ابن لعمرو بن العاص رضي الله عنه مع قبطي، فسبق القبطي، فقام إليه غلام عمرو فصفعه اعتمادا على سلطان أبيه، و حين بلغ الخبر عمر بن الخطاب أمر في برقية عاجلة إلى ابن العاص أن يحضر مع ابنه على جناح السرعة، وبعد مثولهما أمامه أمر القبطي بجلد ابن عمرو بن العاص وحين شفى غليله التفت عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص قائلا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟  
وفي الحضارة الهندية نشاهد صراع الإثنيات الاجتماعية يكرّس كواقع لا مناص من التكيُّف والتأقلم معه، فهو مجتمع مثالي في تثبيت أركان الفوضى الطبقية من تهميش  للمهمّشين وشنق لكل معاني الإنسانية.
يقسّم العقل الجمعي في المجتمع الهندي طبقات المجتمع إلى طبقة الكهنة ورجال الدين وهم البراهمة، ورجال الحرب والجندية وهم شهتري، ورجال الفلاحة والتجارة وهم ويش، ورجال الخدمة وهم شودر. ويحظى البراهمة بامتيازات منها أنّه لا تفرض على البرهمي أية جباية، وأنّه مغفور الذنب، ولا يعاقب بالقتل في حالٍ من الأحوال، ويحظى الشودريون وهم الأدنى في ترتيب السلُّم الاجتماعي الهندي بأدنى الحقوق الاجتماعية؛ فهم لا يحق لهم التملُّك بحال، ولا يحقُّ لهم كذلك مجالسة طبقة النبلاء ولا تعليم الكتب المقدّسة.
إنّ هذه العقلية التراتبية في المجتمع الهندي بقيت واقعا مألوفا حتى دخول الإسلام إلى شبه القارة الهندية، وبعد استقراره في النفوس بدأ سلطان الفطرة ينبع من جديد، باعثاً القوم إلى نبذ هذه الطبقية المقيتة والدعوة إلى العدل في الحقوق والتساوي في الواجبات، وهذا ما جعل المجتمع الهندوكي يتقبّل الإسلام قلبا وقالبا.
ولنا أن نتساءل عن حظّ المرأة في الحقوق خلال الحقب الماضية؟ إنّها كانت في أعلى درجاتها للمتعة والمتعة فقط، في جميع الحضارات والتشريعات، ففي مجتمع الجزيرة العربية البدائي كانت المرأة في أيّ مراحلها الحياتية ينظر إليها بنوع من التسخط والجزع؛ ويزداد الأمر في بداياتها الأولى،  ومن ذلك ما أخبرنا  عنه القرآن الكريم }وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدسُّه في التراب ألا ساء ما يحكمون{، وهذا الأمر لا يخصُّ العرب وحدهم، فقد كانت التشريعات الحامورابية في العهد البابلي أكثر إباحية وانتهاكا لحقوق المرأة وهكذا في العهد اليوناني وغيره. 
إنّ المرأة ظلّت تعيش في هامش الحياة حتى  شعّ نور الإسلام من وسط جزيرة العرب، وحينها  أصبح لها حقُّ التملُّك في الوراثة وحقُّ الصداق في الزواج، وحق الخلع في الزوج الذي لا ترغب فيه أو أرغمت عليه قسرا من قبل ذويها، وحظيت - كذلك - للرفع من شأنها بما لم يحظ به الرجل وذلك بتسمية سورة من السبع الطوال، تبيّن تفاصيل حقوقها الاجتماعية، وحظيت عموما بحق الحياة كعنصر أساسي في بناء المجتمع، ونالت مناصب عالية في السُلّم الاجتماعي، فكانت هي صانعة الرجال والمدرسة الأولى التي يتمُّ عن طريقها بناء القدوات الحسنة والتنشئة وفق مقوّمات الرجولة، وأصبح شائعا لدى الحضارات اللاحقة؛ وراء كلّ عظيم امرأة !!!   
إنّ الفكر الإسلامي إبّان بزوغ فجر الإسلام رسم قواعد العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات، وذابت فيه كل بقايا جاهلية القرون الأولى، وحلّت محلّها شريعة أعادت للبشرية ألقها وتألُّقها بعد أن كانت قفراً يباباً بكلّ مقوّمات الأخلاق والفضيلة.  
ولم تبق النظم والتشريعات في العهد الإسلامي في مثاليتها بعيدة عن الواقع، بل إنّ ما ميّز الإسلام عن غيره هو ارتباطه الوثيق بالواقعية الميدانية، وقد حظيت الطبقات المهمّشة في العقل الجاهلي بشيء من ردّ الاعتبار في الوسط الإسلامي، بحيث أصبح للموالي والأرقاء السابقين مكانة اجتماعية مرموقة، فهذا بلال بن رباح الحبشي – ري الله عنه – أصبح مؤذنا وكان صوته نديا، وهكذا في عصر التابعين الأوّل حظي سعيد بن جبير والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ونافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهم - أصبحوا قادة في الفكر والدعوة، وعن طريقهم تمّ تأسيس أهمّ المدارس العلمية في الفكر الإسلامي، وفي عصر التابعين ظهر الإمام الأعظم أبو حنيفة وهو من الموالي، وهكذا توالت خدمة الإسلام فكرا ومنهجا على يد الموالي والمولّدين العجم، ولم يعبر أحد منهم يوما عن انتقاص مكانته في الوسط الإسلامي، بل حظي كل منهم بطلاب نجباء، وحتى بعد ظهور الفكر  الشعوبي في العهد الأموي على يد الفرس، لم يؤثر تأثيرا جوهريا على الحركة الفكرية والعلمية - باستثناء الحركة الأدبية في العصر العباس-، وبقي هذا التعصب ضدّ العرب عموما وثقافتهم منبوذا ومرفوضا من قبل أرباب الفكر والدعوة من العجم، وحتى إن وجد فإنّ تصرُّفات المسلمين لا تعبّر بالضرورة عن الإسلام.
وقد أدرك المستشرقون وهم الحاقدون على الإسلام والحانقون على تراثه الحضاري، مكانة التسامح والتآخي بين مختلف مكوّنات المجتمع الإسلامي، وعبّروا عن إعجابهم بهذا، ومن بين هؤلاء: المستشرق البريطاني سير توماس في كتابه " الدعوة إلى الإسلام" وكذلك المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب" والمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها " شمس العرب تسطع على الغرب"، كما أدركت الأقليات المسيحية في الغرب الإسلامي مكانة التجانس مع المسلمين في عهد عمرو بن العاص، وأدركته كذلك الأقليات اليهودية في الأندلس أيام طغيان الكنيسة الأوروبية، في الوقت الذي كان حظّ الموريسكيين من أبناء مسلمي الأندلس أيام الحروب الصليبية كلّ أنواع القتل والتشريد والتهجير على يد محاكم التفتيش، وازداد الأمر خطورة بعد سيطرة الحركة الصهيونية على  العالمين الشرقي والغربي.
إنّ الجنس البشري عليه قبل كلّ شيء إدراك معاني التجانس والتعايش الإنساني على أساس مشروعية الخلاف كسنّة كونية ونبذ الاختلاف كسنّة وضعية، كما عليه إدراك مفهوم التكامل الضروري، الذي به يحقّق كل منهم ما يصبوا إليه ويرغب، وأنّ مفهوم البقاء للأقوى مفهوم اجتثاثي إقصائي غابوي لن يعود على البشرية بغير الدمار والخراب، ثم إنّ التراتبية الاجتماعية على أساس الحرفية المهنية شيء لا تستقيم الحياة دونه، وإعادة توليد الحرفية والمهنية من أجل إيجاد عنصر بشري اصطناعي أمر تستحيل به الحياة. 

31. يناير 2015 - 15:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا