يعتبر فساد التعليم في موريتانيا من المسائل القليلة التي تكاد تجمع عليها مختلف الجهات في البلاد، بيد أن الجميع اعتاد التعايش مع هذا الواقع التعليمي الفاسد، وكأن الكل يفضل إدارة الأزمة، بدل البحث عن حلول جذرية لها، وقد اتهمت جهات عديدة معارضة الرئيس محمد ولد عبد العزيز
بأنه لا يعطي أولوية للتعليم، وطالبته بمزيد العناية به، ماديا، ومعنويا.
وفي خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني أعلن رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز عن جعل سنة 2015 سنة للتعليم، وطالب ولد عبد العزيز من الجميع تضافر الجهود لتحقيق هذا الشعار على أرض الواقع، هذه الخطوة لم تكن مطلبا للمعارضة، ولم تأت استجابة لعارضة مطلبية نقابية، بل جاءت بإرادة صادقة من ولد العزيز، الذي يبدو مصمما على إصلاح التعليم، والرفع من مردوديته، مع بداية مأموريته الثانية، التي يبدو أن التعليم سيتصدر فيها كل الأولويات.
وفور إعلان رئيس الجمهورية عن سنة للتعليم تحولت وزارة التهذيب الوطني إلى ما يشبه خلية نحل، .. حركة دؤوب، ونشاط مستمر، تمثل في غربلة المنظومة التعليمية، والاستعداد لقرارات حاسمة، وجريئة في سبيل إصلاح التعليم، وقد بدأت بوادر تلك القرارات حتى قبل بدء سنة 2015 حيث قررت الحكومة في خطوة جريئة استعادة جميع منتسبي التعليم من القطاعات الحكومية الأخرى، لسد العجز في المدرسين، في خطوة وفرت على الدولة الوقت، والجهد، والمال، ورغم تلك الضجة التي أثيرت حول القرار إلا أن معظم المعنيين بالعملية التربوية اعتبروه مفيدا، حتى إن نقابات التعليم باركت القرار، أو على الأقل لم تعارضه.
وفي سابقة من نوعها استهل وزير التهذيب الوطني با عسمان سنة التعليم بلقاء مطول لمدة ساعات على أثير إذاعة موريتانيا، وجميع محطاتها، وهو اللقاء الذي كان مفتوحا، ومباشرا، وتحدث فيه الوزير مع الطواقم التربوية، والإدارية في جميع أنحاء الوطن عن مشاكل التعليم، ومعوقاته، ورد الوزير على كل استشكالات المعنيين بالعملية التربوية، ولعل من أبرز ما تحدث عنه وزير التهذيب في ذلك اللقاء دعوته لإبعاد التعليم عن التسييس، باعتباره مسألة وطنية، يرتبط بها مستقبل البلاد، وليس موضوعا للتوظيف السياسي، كما كانت ردود وزير التهذيب في مستهل سنة التعليم واقعية، ومباشرة، بعيدا عن الحديث الوردي، الذي يتجاهل المشاكل، ويصور الأمور بعكس الواقع.
وزارة التهذيب الوطني ـ واستجابة لنداء رئيس الجمهوريةـ قامت بنقل معدات لوجستية، تربوية إلى جميع ولايات الوطن، تمثلت في مكاتب، ولوازم مدرسية، في عملية اعتبرت الأكبر من نوعها في تاريخ الوزارة، كما أكدت مصادر في وزارة التهذيب أن الوزارة اتخذت إجراءات صارمة من أجل أن يستفيد كل المدرسين، والعاملين بالقطاع من حقوقهم المالية في وقتها دون تأخير، ولكن في نفس الوقت تبدو الإدارة المالية والإدارية في الوزارة مصممة على ألا تهدر أية مبالغ من ميزانية الوزارة في رحلات كرنفالية بين المدن، أو ملتقيات شكلية، وقد لوحظ الحد من تلك الأنشطة التي كانت واجهة لنهب المال العام في السنوات الماضية،.. الكل إذا في وزارة التهذيب يتحدث عن سنة التعليم 2015 وهو ما خلق جوا من التنافس الإيجابي جعل المعنيين بالعملية التربوية يتنافسون فيما بينهم لإعطاء أفضل ما لديهم، وتحقيق إنجازات تجعل سنة التعليم فعلا سنة متميزة، كما أعلن وزير التهذيب با عسمان عزم الوزارة على إصلاح، وضبط، وتنظيم التعليم الخاص في البلاد، مهما كلف ذلك، وبدأت فعلا الإجراءات العملية لذلك.
تحقق كل ذلك ولم ينقض من سنة التعليم سوى شهر واحد، ورغم هذه الإرادة الجادة من الحكومة عموما، ووزارة التهذيب خصوصا لتطوير التعليم، إلا أن "سنة التعليم" قوبلت من البعض ب"سُنة التشكيك" وهي عادة متجذرة لدى البعض، فمن جهة يطالبون بالإصلاح، وعندما لا تقوم الحكومة به ينتقدونها، وعندما تبدأ الحكومة بإجراءات عملية لإصلاح التعليم يشككون، بل ويحتجون أحيانا!!
فبدل أن يهب الجميع لمساعدة وزارة التهذيب في جعل سنة التعليم متميزة ينبري البعض لانتقاد الوزارة، ونشر الأخبار المحبطة، وتكبير الأخطاء، وتجاهل الإنجازات، ولعل أزمة غلاء الكتب المدرسية الأخيرة أقرب مثال على ذلك، صحيح أن التطبيل للحكومة ليس هدفا في حد ذاته، ولكن صحيح أيضا أن وضع العصي في دواليب الإصلاح، وعرقلة قطار تطوير التعليم أمر مرفوض كذلك، ولعل الأسلوب الأمثل هو ما ينتهجه وزير التهذيب الحالي، حيث يعترف بمكامن الإخفاق، ويبحث لها عن حلول، ويشجع مكامن الإبداع، والتميز في المنظومة التربوية.
ومن الملاحظ خلال الأيام الماضية أن فعاليات تربوية بدأت تنظم في المدن الداخلية، من انواذيبو، وحتى لعيون، مواكبة لسنة التعليم، والإيجابي في هذه الفعاليات، والأنشطة التربوية تنظيمها من جهات في المجتمع المدني، والبرلمانيين، والنقابيين، بمعنى أنها مكملة لجهود وزارة التهذيب.
وفي انتظار أن نشاهد حصاد سنة التعليم في نهاية العام، يؤكد المراقبون أن إعلان رئيس الجمهورية 2015 سنة لتعليم يعتبر لفتة معنوية كبيرة من أعلى هرم السلطة، وستجعل جميع القطاعات الحكومة ـ ليس فقط وزارة التهذيب ـ مطالبة بأن تجسد نداء رئيس الجمهورية واقعا على الأرض.