في مقال سابق، بعنوان: "رِفْقًا بالقبيلة"، قلتُ إنّ القبيلة ركيزة رئيسة في تركيبة المجتمع العربيّ منذ القِدَم، ولا تزال حاضرة بقوة في المجتمع الموريتانيّ، وفي العديد من الدول العربية الأخرى. وقد أشرتُ إلى أنّ الدولة الحديثة –عندنا في موريتانيا- لم تستطع بعدُ أن توفر للمواطن الخدمات
الضرورية التي يحظى بها من لدن القبيلة، لتجعله يشعر بالاطمئنان على نفسه. فعلى سبيل المثال، عندما يمرض الشخص الفقير الذي لا يتوفر على تغطية صحية، تكون القبيلة هي "شركة التأمين" التي تتولى تكاليف تشخيص المرض وعلاجه. وعندما يرتكب الشخص -عن طريق الخطإ -جريمة قتل، تقوم القبيلة بدفع الدية، إلخ. ومع ذلك، فإنّ القبيلة لا يجوز أن تتجاوز إطارها الاجتماعيّ بحيث تطغى على إطار الوطن الكبير الذي يتجسد في أرض وشعب وسلطة(أي الدولة). ويرى المتخصصون، في هذا المجال، أنه كلما قويت الدولة ضعف سلطان القبيلة ونفوذها على الفرد، والعكس صحيح.
وأمام ما نشاهده في هذه الأيام من تكتُّلات موريتانية مبنية على أساس عرقيّ أو شرائحيّ(زنوج، حراطين، امعلمين...)، فقد ارتأيتُ أن أنبّهَ المسؤولين وأصحاب الرأي بضرورة التصدي بحزم لهذه الظاهرة الخطيرة التي قد تُفْضِي-لا قدّر الله- إلى تصدُّع وحدتنا الوطنية وخلخلة نسيجنا الاجتماعيّ. مع الإشارة إلى أنّ التعصُّب للقبيلة أهون بكثير من التعصب العرقيّ والشرائحيّ... ومن المعروف، في هذا المجال، أنّ القبيلة يتعايش تحت قُبَّتِها "البيظان" جميعا-بأبيضهم وأسمرهم وصناعهم وفنانيهم، إلخ- بينما هذه التكتلات الجديدة المنذرة بالخطر، تأخذ من كل قبيلة العناصر الموجودة فيها من شريحة معينة وتجعل من ذلك تكتلا معينا لتبتز به السلطات من أجل الحصول على مكاسب مادية ضيقة، دون مراعاة للمصالح العليا للوطن. والأخطر من ذلك كله، ما يروج حاليا في بعض وسائل الإعلام من أنّ هناك أحزابًا على وشك تشكيل تكتل سياسيّ على أساس عِرقيّ !
ولعلّ لسانَ حالنا هنا يكرر مع الشاعر/ طرفة بن العبد:
أَبَا منذرٍ أفنيتَ فاسبقِ بعضَنا*** حَنَانَيْكَ! بعضُ الشرِّ أهوَن مِن بعضِ (فالقبلية أهون من الشرائحية، ومن العنصرية).