بالأمس قرأنا في الإعلام حول مصير عضو فرقة موسيقية متهم، كان قاضي التحقيق قد وضعه تحت الرقابة القضائية، ما ملخصه أن "غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف قد انقسمت على نفسها في شأنه، فقال الأعضاء ببقائه تحت الرقابة القضائية، وقرر الرئيس حبسه؛ خارقا بذلك مبدأ تداولية
الأصوات المنصوص". وكأن الجلسة جرت في الشارع، أو أن إفشاء أسرار المداولات أصبح فضيلة لا رذيلة.
ونحن في هذه النازلة لا نستطيع اتهام كاتب الضبط ولا النيابة بإفشاء سر المداولات لأنهما لا يحضرانها أصلا. ولذلك فليس أمامنا سوى أحد أمرين هما: اتهام المحكمة بالنزق والحنث، أو اتهام الإعلام بالكذب والشعوذة. وفي كلتا الحالتين سيبقى هذا الجرم دون عقاب، أو يقيد - في أحسن الأحوال- ضد مجهول، لأن الإفلات من العقاب ما يزال هو القانون الأساسي في دولة القانون.
واليوم، ها نحن نجد بين أيدينا في الإعلام أيضا ما قيل إنه محاضر التحقيق في قضية كبرى قد يكون لها ما بعدها. وهو أمر بغض النظر عن مخالفته لصريح القانون فإنه يشكل - فوق ذلك- سببا من أسباب إخفاء الحقيقة نربأ بالإعلام الحر الواعي أن يكون مطية له؛ ذلك أن أنه بتسريب محاضر التحقيق يمكن اطلاع بعض المتهمين على أقوال بعض، فيتجنبون التناقض معهم ويتكيفون ويسدّون الثغرات، أو يختفون بكل بساطة من وجه العدالة.
وفي هذه الحالة، وما دام لم يصدر تكذيب رسمي يؤكد أن ما نشر ليس محاضر التحقيق المذكور، فإننا نكون أمام عملية تسريب خطيرة تتوجه التهمة فيها مباشرة إلى أحد طرفي التحقيق: المحكمة والدفاع. وستبقى الحقيقة والقانون وهيبة الدولة أكبر ضحايا الإهمال وانتهاك القانون في دولة القانون.