عندما نتحدث عن الأحزاب الإسلامية فنحن نتحدث عن ظاهرة فكرية وسياسية تجمع بين بعدين أحدهما بعد فكري ومبدئي والآخر بعد عملي وتخصصي .
وبينما يشكل الإسلام بقيمه ومبادئه وكلياته الجانب الفكري
والمرجعي في هذه الظاهرة تحدد السياسة الميدان الإختصاصي والعملي لها .
وهذه الثنائية تجعلنا مجبرين على الإعتراف بأنها أحزاب أولا مهمتها إصلاح الجانب السياسي دون غيره ولكنها تمارس هذه المهمة انطلاقا من مبادء الإسلام وقيمه ومقاصده في هذا الجانب. .
وغياب هذا التحديد الدقيق الذي يحدد وظيفة هذه الأحزاب ومجال عملها ويربط فكرها ومبادئها بهذا المجال أدى إلى التباس في فهم الظاهرة الحزبية الإسلامية فتصورها البعض ظاهرة دينية مجردة لاتعمل في إطار تخصصي تلزم نفسها بضوابطه المهنية والقانونية وجعل البعض الآخر يتصورها أحزابا سياسية لكنها ترفع شعارات دينية لأغراض سياسية !!!
والحقيقة أن صفة الأحزاب تعبر عن التخصص والمجال والميدان الذي تعمل فيه هذه الهيئات وأن صفة الإسلام تعبر عن المبادئ والفكر والمنطلقات .
لكن جهل الكثيرين بالسياسة من ناحية وجهلهم بالإسلام من ناحية أخرى جعلهم لايدركون من جانب ماهو الحزب السياسي ولايعرفون من جانب آخر ماهو الإسلام الذي له علاقة بأمور التنمية والإقتصاد والحكم والذي يمكن أن تضعه هذه الاحزاب كمرجعية لها !!!
مما يجعل الحديث عن الأحزاب الإسلامية يحتاج أولا إلى تحديد الوظيفة والمجال حتى لايحاسب كثيرون هذه الأحزاب في ضوء تصورهم لكلمة (الإسلام) دون أن يفهموا ماهو معنى كلمة (سياسة) ودون أن يحددوا منطقة التقوييم بالجانب السياسي الذي هو مجال نشاط هذه الأحزاب .
وحتى لاينظر البعض إلى كلمة (سياسة ) ومايدخل تحتها من الأبعاد الدنيوية المحضة دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن تفسير كلمة ( الإسلام ) ودون أن يفهم طبيعة الصلة بين الإسلام وبين السياسة !!!
وسأحاول في هذا المقال أن أشير إلى وظيفة هذه الأحزاب أولا قبل أن أتحدث عن المرجعية والمبادئ .
أولا : وظيفة الأحزاب :
ولم أقل (وظيفة الأحزاب الإسلامية ) لأن الأحزاب من الناحية الوظيفية تمارس وظيفة واحدة والأحزاب الإسلامية تقوم بما تقوم به الأحزاب في العالم كله من حيث الوظيفة والتخصص وإنما تختلف عنها من زاوية المبادئ والمنطلقات والدوافع التي من خلالها تمارس العمل السياسي .
فالسياسة وظيفة واحدة تتعلق بالحكم ومؤسساته ومايتعلق به من الأمور الإقتصادية والإجتماعية والسياسي يسعى إلى إصلاح هذه الجوانب وتطويرها وترقيتها .
والأحزاب السياسية تقوم بواجب سياسي يدخل في هذا الإطار فهي تعالج المشكل السياسي المتعلق بالديمقراطية وتداول السلطة وتوزيع الثروات وقد تتناول قضايا اجتماعية واقتصادية وقانونية ولكنها تتناولها من الناحية السياسية ولاتدخل في تفاصيلها احتراما لتخصص الهيئات العاملة في تلك المجالات .
ومن هنا يتضح أن وظيفة الأحزاب وظيفة سياسية وبهذا نكون قدد حددنا الوظيفة والمجال لمايسمى بالأحزاب .
والأحزاب الإسلامية بغض النظر عن مبادئها تظل أحزابا ومؤسسات سياسية ووظيفتها لاتتجاوز هذه الوظيفة .
ثانيا : المرجعية والمبادئ :
بينا أن وظيفة الأحزاب وظيفة سياسية ولذا فإن الحديث عن المبادئ إنما يكون عن المبادئ السياسية المتعلقة بالحكم .
وبما أن الأحزاب الإسلامية تنطلق من الإسلام فإن الحديث ينبغي أن يكون حول مبادئ الإسلام في الحكم أو حول مايطلق عليه (القيم السياسية في الإسلام ) .
فمن الواضح أن السياسية حتى لو كانت امرا دنيويا إلا أن إصلاحها إنما يكون انطللاقا من القيم والدوافع المعنوية التي تختلف باختلاف الأمم والشعوب .
وكما أن للإسلام قيم اجتماعية واقتصادية فإن له أيضا قيما سياسية تتمثل في العدل والشورى والأمانة والمسؤولية .
ومن الطبيعي أن تكون القيم التي ينطلق منها حزب إسلامي الفكر في مجتمع مسلم بالطبيعة قيما إسلامية تستند إلى الإسلام ولاتستند إلى غيره .
بل ربما كان من المطلوب أن ينطلق العالم كله في تحقيق الأهداف التنموية والإقتصادية والسياسية من الدين بوصفه قوة معنوية تشعر الفرد بمراقبة الله وتجعله يستجيب للصالح العام انطلاقا من ضميره.
وهذا مايميز الأحزاب الإسلامية عن غيرها من الأحزاب فهي وإن كانت أحزابا ومهمتها لاتتجاوز إصلاح الشأن العام إلا أنها في إصلاحها لهذا الجانب تنطلق من الدين وقيمه كما أنها تسعى من وراء إصلاحها لشؤون الناس إلى مرضاة الله وتحركها مهمة أكثر من الفوز بالإنتخابات أو تحقيق الإنجازات .
فهي تفهم علاقة الإسلام بالسياسة على أنها علاقة إرشاد وتوجيه وتدرك أن تحقيق مبادئ الإسلام وأهدافه في المجال السياسي لايحتاج إلى كثير من التنظير بقدر مايتطلب واقعية وميدانية وسعيا إلى إصلاح الحكم وتحقيق الحرية وتطوير التنمية وتوزيع الثروة توزيعا عادلا وغيرها من التفاصيل التي يمكن أن نلخصها في العمل على إقامة حكم رشيد ودولة عادلة تحقق العدل والشورى والمساواة بين جميع أبناءها .
وهذه ماقد يكون مطابقا لكلمة المرجعية الإسلامية التي تفيد التطبيق المرن أكثر مماتفيد التطبيق الحرفي لأن التطبيق الحرفي يكون في الجزئيات أما في الكليات فإن المطلوب هو المرونة والتنزيل على الواقع.
وعدم فهم هذه العلاقة بين الإسلام والسياسة جعلنا أمام فريقين فريق يرفض مسؤولية التدبر والفهم وفريق يرفض وظيفة التدبير والعمل.
وهكذا صرنا اليوم أمام فريقين فريق لايريد أن يصلح شأن الناس ولاأن يحل مشاكلهم الدنيوية ولاأن يواجه مشكلة الإستبداد والحكم الفردي ويرفض الإستفادة من الديمقراطية والوساءل العصرية في إصلاح الدول وتنميتها !!!
وفريق آخر يعتبر الدين مصدر إزعاج لامصدر إصلاح وتقدم مادي ومعنوي !!!
وبين هذين الفريقين تأتي الأحزاب الإسلامية التي تجمع بين قوة الدين وتأثيره وقدرته على إصلاح النفوس والدول وبين الوسائل العصرية والمدنية الحديثة .
فهي أحزاب يعتبر الدين عاملا مهما من عوامل قوتها ونجاحها وإنجازها وتفوقها بالإضافة إلى الوسائل السياسية المادية .
وهذا مايجعلها تجمع بين مسؤوليتين لاتجتمعان في الأحزاب الديمقراطية العلمانية والجماعات الدينية الاديمقراطية وهما المسؤولية أمام الله و المسؤولية أمام الناس.
فالأحزاب العلمانية تقبل بان يكون الحاكم مسؤولا أمام الناس لكنها لاتهتم بأن يكون مسؤولا أمام الله فيصبح من السهل أن يحتال الحاكم على إرادة الناس وينهب أموالهم في الخفاء!!
وبعض الجماعات الإسلامية تقبل بمسؤولية الحاكم أمام الله لكنها ترفض المسؤولية أمام الناس فينتج عن ذالك استبداد ودكتاتورية !!
أما الأحزاب الإسلامية في تمزج بين البعد الديني والبعد المدني فيكون الحاكم مسؤولا أمام الله ومسؤول أيضا أمام الناس .
وقد عجز الغرب رغم وسائله العصرية في الرقابة أن يقضي على الفساد لأنه لم يستطع أن يصلح الإنسان من داخله كما فشلت بعض التجارب التاريخية التي ذكرت الحاكم بمسؤوليته أمام الله لكنها أوكلت إليه هذه المسؤولية ولم تقم بوضع ضمانات يستطيعون من خلالها إٌقالته ومحاسبته عند انحرافه!!
ولذالك أصبح من الجلي أن الأسلوب الصحيح والمتكامل للإصلاح هو الجمع بين الرقابة الذاتية والرقابة العصرية .
وهذا مايجعل الأحزاب الإسلامية التي تجمع بين الدين والمدنية أكثر قابلية للنجاح .
وعلى أي حال فإن الحديث عن الأحزاب الإسلامية يجب أن يتجاوز النظرة الدينية التي لاتدرك المعنى الدنيوي للسياسة والنظرة السياسية التي لاتستوعب المعنى السياسي للدين .
أو هو بعبارة أخرى فإن الحديث عن الأحزاب الإسلامية ينبغي أن يتجاوز المنهجيتين التقليديتين في التعامل مع الدين والسياسة (منهجية الفصل ومنهجية المزج ) لكي يستبدلهما بمنهجية التمييز بين ماهو ديني وماهو دنيوي ليؤسس انطلاقا من ذالك رؤية إسلامية لاتحرر الأحزاب من توجيهات الدين ولاتحولها إلى مؤسسات دينية لتصبح أحزابا سياسية بمرجعية إسلامية.