فجأة ودون سابق تنسيق ظهرت استمارة في موقع مستحدث، يحمل عنوان: "المجلس الأعلى للشباب"، تتواجد فيها خانات كثيرة، يملؤها الراغبون في الترشح لشغل منصب في الهيئة الشبابية المعلن عنها منذ عام، والحدث كان متوقعا، بل إنه كان منتظرا من قبل الشباب، الحالم بأن يتناسى جروح
الماضي الأليم، ماضي التهميش والبطالة والفقر، والأحلام المؤجلة إلى أبد يغلفه الأسى.
أعلن من قبل اللجنة المكلفة بالمجلس الأعلى عن بدء الترشح له، لكن لم تعرف اللجنة المستقلة، الواقفة خلف أعتاب المجلس، ولم تعرف الطريقة التي اختير بها أعضاؤها، ولم توضع المعايير المرسومة للاختيار أمام أنظار الشباب الراغب في عضوية المجلس المنتظر، ليلف الغموض مسطرة الاختيار، ويلبسها ثوب الشك في المصداقية، والتريب بطبيعة من سيختار، ما دامت الأسس الديموقراطية تم تجاوزها في البداية، فلم يشرك العموم في وضع أي نوع من أنواع الآليات حول كيفيات الاختيار، وضمانات الشفافية، وربما تكون الآلة الوحيدة الناجعة في هذه الحالة بحسب الموقع هي تغييب خانة الاسم الشخصي والعائلي للمرشحين، وهي آلية قديمة لم تعد مقنعة في عصر العولمة، ولم تكن مقنعة في اختيار أسماء الأبناء، حين تضع النساء الأعواد المسماة من أجل الرسو على اسم لمولود جديد، أما التقاسم عن طريق الأزلام، فقد أبطله الإسلام.
وكان المرجح عند الشباب أن تعلن الدولة قبل تصفية ملفات مترشحي المجلس عن "أسماء اللجنة التحضيرية" للحدث، أو أن تستدعي الأطياف الشبابية لتضع خارطة الطريق للوصول إلى "لجنة مستقلة" للمجلس الأعلى للشباب، حتى تكون ثمة محاصصة واعية بمتطلبات الشباب، ويتم إشراك كافة الطيف الشبابي، ويتم تمثيل الفرقاء الشباب جميعا في ما قبل المجلس، حتى يخرج المجلس قابلا للعمل الإيجابي لمصلحة الشباب، ومقبولا من قبل الشباب، الذي يبحث عن أدوات نظرية وعملية قادرة على انتشاله من الحضيض، ومن سفح التخلف، حتى يتجاوز نكبة الشباب الوطني، المتمثلة في الغياب، والتغييب المتعمد.
إن تغييب أسماء المترشحين في خانات موقع الترشح للمجلس لا ينهض قرينة على الصدق، والشفافية، وإن حمل القليل من المعاني المفهومة في ذلك الاتجاه، فإنه في نفس السياق يحمل دلالات يمكن أن تكون قرينة على أن أمر أعضاء المجلس قد أبرم بليل، فالشباب سيسجل، وستؤخذ منه المجموعات المختارة بشكل يفصل على المقاس، في بلاد فصلت أصلا على مقاس الفساد، والزبونية، ولا ينازعهما فيها إلا الرشوة والمحسوبية، وتضليل الرأي العام.
انبثاق موقع المجلس الأعلى للشباب من المجهول كان متوقعا، فلقاء الرئيس بالكاد يعرف أي شيء عن اللجنة التي حضرته، والتي اختيرت هي الأخرى في ظرفية يطبعها الغموض، وتغيب فيها الشفافية تماما، ومن تلك اللجنة انبثق غد المجلس يومها، الذي كان اجتماعا غريبا، ازدادت غرابته بعد مضي عام على شبابه، وهو منغمس في الانتظار، رحم الله الشفافية، وليتها –وقد صرمت حبالنا وهي حية- تكتب في وصيتها أن تدفن على أديم أرضنا، ليصبح قبرها مزارا للأمم الصالحة، فيرى ضعافنا قبل النهاية زوارا من عالم الشفافية يقفون على مزارها بيننا، تكتحل العين بأعمالهم البطولية الخالدة.
ويأتي بروز استمارة مجلس الشباب دون سابق إهلال قانوني، أو تنظيمي يشرح طبيعة المجلس، ويضع حدودا فاصلة بين عمله وعمل الوزراة المعنية بالشباب، وغيرها من الوزارات.
وبرغم مساوئ الخرجة المفاجئة فإن الشباب انكفأ على الأنترنت يسجل، مقبلا على المجلس بحرارة منقطعة النظير، مرددا عبارتنا الوطنية الخالدة حول المسابقات وغيرها: "شباب المجلس معروف، وهذه مجرد مسرحية"، إلا أن الشباب يشارك أملا في أن يكون في الهامش، الذي يترك عادة للعامة، وأبنائها، وهو هامش ضئيل، يبقى بعد الوساطة وأخواتها، وبعد أن نستكمل مسيرة "النهبــــ ــنوت" الوطني.
ولقد قال الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي مثنيا على الشباب:
و هدى التجارب في الشيوخ و إنما***أمل البلاد يكون في شبانها
ويبقى الشباب في النهاية -فعلا- هو الأمل، فقد قال غوته الألماني:"إن مصير كل أمة يتوقف على شبابها"، فليت الجميع يتكاتف من أجل الشباب والوطن، وعلى أية حال سجلنا عسانا ... ولا أظن