تعددت جولات الحوار مع الجنرال عزيز وكان العامل المشترك بينها دائما أن كل التعهدات الموقعة فيها هزيلة وجانبية التأثير ولم يتم الوفاء بأغلبها، هذا طبعا إذا تجاوزنا كونها لا تتحدث عن صلب الموضوع الذي يتغافل عنه سياسيونا بشكل متعمد غالبا وهو تدخل المؤسسة العسكرية واللوبيات
القبلية في شؤون الحكم وتقريرها أهم محددات مصير البلد وثرواته وحالته السياسية والإجتماعية،
يعلل بعض المنظرين لهذه الجولة الحوارية الأخيرة التي ربما تكون السادسة أو السابعة مع دولة عزيز وربما الخامسة عشر أو تزيد في أحضان النظام العسكري، والتي لا شك ستنتهي بنفس المسخرة التي طالما انتهت بها الحوارات السابقة، يعلل هؤلاء حوارهم هذه المرة بخطورة الحالة التي تعيشها موريتانيا ، وهو من نمط الأعذار الفضفاضة التي يعرضها البعض إن لم يجد حججا محددة مقنعة لما هو مقدم عليه.
ينقل عن حال المعارضة وأطرافها كونهم داخل مؤسسة ضعيفة ومتهالكة ينظر كل طرف منها لنهاية الآخر أو للطريقة التي يطعنه بها من خلف وبالتالي فلا يمكن أن تشكل مؤسستهم هذه كتلة حرجة تمتلك أي إمكانيات حوارية قادرة على انتزاع مكاسب حقيقية من "عبون" الجنرال .
ماذا سيستفيد الجنرال ؟ !
هناك رغبة كبيرة عند الكثير من عناصر وأحزاب المعارضة اليوم في ردم الهوة السياسية التي سبق بها من "خرموا" حالة الإجماع النضالية التي كانت تميز المعارضة في عامي 2012 و 2013، وهو ما يعني حالة هبوط كبيرة في التطلعات مغذاة بالشعار العريض "موريتانيا في خطر" والذي قد يصدقه ذات يوم من وضعوه كسبب وحيد لهذا الحوار وهو الأمر الذي سيجعل التطلعات مقتصرة على بعض الكراسي النيابية، والبلديات ولأن موريتانيا في خطر فهذا سيكفيهم.
في الحالة الأخرى وهي أن المعارضة ستكون حاملة لبعض الأوراق الهامة التي ستضعها على طاولة الحوار والتي ستدفع الحالة السياسية في هذا البلد إلى الأمام وحينها سيكون حال المعارضة المفكك وعدم الاتفاق على مستوى الأزمة التي تعيشها موريتانيا بين المعارضة والنظام كفيلين بنسف كل الأوراق والتطلعات وحصول انسحابات من الحوار في الوقت الذي ستبقى الأغلبية التي تتطلع لردم الهوة مع من "خرموا" الإجماع الماضي .
في كل الحالات سيربح الجنرال كل شيء ، سيربح انتهاء حالة الأزمة السياسية والاحتقان ، سيربح الشرعية التي طالما نغصت عيشه في السنوات السبع الماضية والتي جعلته دائما خائفا من القيام بأي عمل سلطوي كبير تجاه الحريات العامة والذي تعود العسكر ممارسته على مدى العقود الماضية ،
وما يدرينا أن يكون هذا الحوار ليس تمهيدا للعودة إلى تلك الدرجة السلطوية تحت شعاري "هيبة الدولة و الخطر الداهم على موريتانيا" ؟! ومن ينطلق من الشعار الفضفاض الأخير لا شك سيقبل الأول ،
وسيربح الجنرال أكثر من أي شيء عبورا آمنا على كل الجثث التي تسبب في قتلها نظامه وكل المليارات التي نهبها من قوت الجياع هو وكل عصابته .
ما البديل ؟
يحاول عادة من يروجون لضرورة هذا الحوار في هذه الظروف وعلى تلك الأرضية القفز قفزة بهلوانية طريفة من خلال نفس السؤال السابق "ما البديل للحوار؟" ، وهي طريقة ماكرة للقفز على الخلاف الكبير في كون الحوار مع الجنرال هو بديل مقبول فعلا في السياق الحالي ، دعكم من ذلك .
الآن ما هو البديل العملي الذي علينا القيام به كمناضلين وطامحين لدولة مدنية عادلة لمواطنيها ؟
الجواب المتوفر عندي والذي اقتنع به تماما هو استمرار التأزيم وزيادة تأجيج نيران الرفض في كل ركن وتبني كل القضايا الحقيقية والحرجة التي نعيشها في موريتانيا وتكبر يوما بعد يوم وعلى رأسها قضايا العمال وقضية الحراطين وقضايا الزنوج والتعليم والصحة والفساد والقضايا الحقوقية الأخرى، فلنؤسس جماهيرا تتعلم الرفض بحضارية وتضحية وتسعى وتطمح لدولة العدل والمساواة،
التأزيم هو الحل الوحيد والحالة الطبيعية لأي مجتمع طبيعي يعيش حالة الظلم التي نعيشها يتنوعها وتعدد مستوياتها، واستمرار التأزيم وزيادة تأجيج نيران الرفض سيجعل النظام العسكري ذات يوم يرضخ وفي حالة ضعف للتنازل عن أكبر نقاط قوته.
إذا اردنا الخروج باستخلاص ما من التجارب السابقة الكثيرة من التعاون مع الجنرال عزيز فهو استخلاص يؤكد أن الحوار مع الجنرال لا رابح منه إلا هو وليس سوى ارتماء في حضنه لتلميع صورته وغسل صفحته ثم الإيذان له بمزيد من النهب والسلب والقتل وفي الأخير سيرمي محاوريه اليوم في النفايات كما رمى من سبقوهم ،
ما بالكم ؟! ، أي عاقل يرى ذلك وبوضوح ! ...
آه ، ربما هناك أسباب أخرى لا علاقة لها بمصلحة موريتانيا تدفعكم بشدة إلى القفز في حضن الجنرال ...
اذهبوا إلى النفاية بأنفسكم إذا ...