يحتفل المحبون اليوم عبر العالم بعيد الحب أو يوم القديس فلنتين الذي يصادف 14 فبراير من كل سنة ميلادية.. وعلى غرارهم يحتفل الموريتانيون لكن على طريقتهم الخاصة، فظروفهم الاقتصادية الصعبة أزالت الحدود بين القلب والجيب والبطن وبعض الجوارح الأخرى.
بعض رجالاتنا لكي لا نقول قادتنا يعتبرون الحب فحولة طافحة وليالي مخملية وانغماسا في مطبات الشهوة مقايضة بالمال والنفوذ.. وبعض نسائنا يعتبرنه مهاترات مخادع وسقوط في أتون الرذيلة.. وهنالك من يعتبره ممارسة فطرية حسية لا غير.. ومن يعتبره حكاية بختامها يتزوج الأبطال وتترمل النساء ويتشرد الأطفال.. ومن يعتبره حراما وخروجا عن المألوف ومحاكاة للغرب.. وبين كل هذه المواقف والممارسات اندثرت مفاهيم الحب العذري الإفلاطوني.. وحتي مفاهيم الحب الإباحي أصبحت متجاوزة.
تحول الحب إلي تجارة.. إلي معلبات تباع بالكيلو والسانتي وشابه الكثير من النفاق والانحطاط والغش والسقوط.. تحول إلي ممارسات غير مصنفة وإلي نزوات عابرة ولم يعد هنالك مجال لهذه القيمة الإنسانية الخالدة.. ميعناها كما ميعنا قيما فاضلة أخرى خلال الثلاثين سنة الأخيرة التي تعتبر سنوات حرق القيم وسنوات التيه والضياع.. سنوات التمرغ في الرماد.. لذلك لن تسمعوا كثيرا عن عيد الحب هذه السنة في موريتانيا التي مسخت حقائقها العميقة.. ستسمعون عن حوار سياسي لا يلتئم وإن التأم على غرار سابقيه لا يجدي ولا يقدم ولا يؤخر.. وستسمعون عن صفقات وعن محلات تجارية تشقق عنها الساحات العمومية.. لكنكم لن تسعوا عن الحب.. بل مع الأسف قد يشنف مسامعكم نقيق الكراهية المنبعثة من هنا وهناك.. وستسمعون عن اغتصابات بالجملة.. وعن محن اجتماعية لا بداية لها ولا نهاية.
ورغم كل هذه اللوحة القاتمة ولأننا في عيد الحب نتيح فرصة لمن في قلبه مثقال ذرة حب لقراءة القصيدة التالية:
أيَا هَجَرْ ليْلى قَدْ بَلغْتَ بِيَ المَدَى وَزِدْتَ عَلَى ما لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الهَجـْرُ
عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْننا سَكَنَ الدَّهْـرُ
فَيَا حُبَّها زِدْنِي جَوى ً كُلَّ لَيْلَة ٍ ويا سلوة الأيام موعدك الحــشر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها وينبت في أطرافها الورق النضـر
وَوَجْهٍ لَهُ دِيبَاجَة ٌ قــُرشِيَّة ٌ به تكشف البلوى ويستنزل القـطر
ويهتز من تحت الثياب قوامها كَما اهتزَّ غصنُ البانِ والفننُ النَّضْرُ
فيا حبَّذا الأحياءُ ما دمتِ فيهمِ ويا حبذا الأموات إن ضمك الــقبر
وإني لتعروني لذكراك نفضة كمَا انْتَفضَ الْعُصْفُرُ بلَّلَهُ الْقَطـــْرُ
ولو أن ما بي بالوحش لما رعت وَلاَ سَاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهــْرُ
ولو أن ما بي بالبحار لما جرى بِأمْوَاجِهَا بَحْرٌ إذا زَخَر الْبَحـــــْرُ