1- وزراء يكتبون و أكاديميون يؤلفون... هؤلاء بناة حقيقيون
طالعت في بعض المواقع مقالا جيدا قيم كاتبه وزراء من تركيا يكتبون في وسائل الإعلام مقالات علمية و تحليلية مساهمة منهم في إنارة الرأين العام و الخارجي، فعلمت عندها أنه
يوجد لدينا، على الرغم من ركود ساحتنا الفكرية و الثقافة و نضوب ينابيعها عمدا أم قسرا، من يهتم بهذا الوجه الملح من أوجه قيام النهضة الغائبة.
لا شك أن قرب الجوار و حميمية الاختلاط رسخت لدينا أنه من الصعب أن يلمع نجم وزير أو خبير وطني معتمد في السنغال المحاذي إلا بعدما يبين لمواطنيه قوة مداركه المعرفية و يقدم بجهوده الذاتية و همته العالية لساحتهم المعرفية تأليفا و تطبيقا مستواه العلمي الذي أهله للمناصب التي يتولاها و المسؤوليات التي يضطلع بها على أرض الواقع و في حلبة التنافس البناء.
و بالطبع فإن دولة السنغال لا تشذ في ذلك مطلقا عن كل بلدان العالم التي آمنت بالعلم سبيلا و سلاحا إلى رفعتها و رسوخ قدمها في كل أوجه و تطبيقاته و مجالات عطائه، و قد تخطت لذلك حاجز "ظلامية" الفكر و "سلطة" الاعتبارات الاجتماعية الرجعية و استبداد الإقطاعية و رأس المال العفن، كما لا يشذ عن القاعدة مواطنو هذا البلد تماما مثل غيرهم من سكان الدول التي اختارت التوجه حثيثا إلى تطبيق مبدأ الاختيار و التقييم المبنيين على المستويات المعرفية الرصينة و القدرة على الأداء و تحمل المسؤوليات كاملة على خلفية الحياد و التجرد و النزاهة الفكرية و العلمية.
و قد استطاع هذا التوجه الرفيع و العادل، الذي أملته و هيأت له الديمقراطية الحقة في هذه البلدان التي تحترم ذاتها كل الأسباب، أن يضع الأمور في نصابها و أن يستقدم بوادر عهد جديد يحفظ للدولة هيبتها و يرفعها فوق الأفراد و نزواتهم حتى بات الرؤساء و ذووهم في قبضة العدالة تستجوبهم و تحاكمهم و تصادر الأموال - التي نهبوها و بددوها بغير وجه حق و فيما لا يخدم البلد و تنميته - على أيدي رجال لا يُولون أعلى الوظائف و لا يُرفعون إلى أعلى المناصب و لا يُباشرون مسؤوليات الخبرة و التوجيه إلا أن يثبتوا الجدارة و الاستقامة و الإنتاجية الفكرية العالية.
2- عطاء الفضل لا عطاء الأسباب
تتوالى الأخبار المفتقدة إلى الدقة في كل وسائل الإعلام عن مجريات الحوار، فلا تقدم بشأن انعقاده و لا تؤخر؛ و يتتابع على الشاشات التلفزيونية ظهور الأوجه السياسية في مقابلات يتشابه بعض أسئلتها و يتكرر في سطحية مقيتة البعض الآخر، و لا تختلف الردود عليها بما تحمل من جامد المواقف و قليل تناول قضايا العمق و مزمن التخلف في الطرح و المعالجات عن ركب الأمم من حولنا دون أبعدها على خارطة عالم ينفض غبار الرداءة و جمود الفكر.
أخبار لا تشفي الغليل عن أي تطلع إلى صادق التحول إلى استقامة الحوار الذي يجب أن يحمل إرادة حصول تبادل بناء يهدي إلى النزول و لو قليلا عن برج المكابرة من ناحية، و لا يرسم سبيلا يؤدي بصدق و إخلاص إلى مبتغى الخروج من عنق الزجاجة و السعي إلى التغيير الذي طل انتظاره و إن لم يأت ساء مآله من ناحية أخرى.
أخبار لا تشفي غليلا عن أي تطلع إلى صادق التحول من أجل استقامة حوار يجب أن يحمل إرادة صادقة للخروج بتوافقيات تخدم مسار بناء التصالح و تهدي إلى النزول و لو قليلا عن برج المكابرة و تردم الهوة بين زعامات الأحزاب و قواعدها التي من المفترض أن تكون عريضة.. أخبار لا ترسم في قالبها العام أيضا سبيلا يؤدي بصدق و إخلاص إلى مبتغى الخروج من عنق الزجاجة و السعي إلى التغيير الذي طال انتظاره و إن لم يأت ساء مآله.
و يبقى جزء، من الشعب المغيب جله و هو لا يحس، ثابتا على مواقف مستندة إلى قيم فاضلة لا يتزحزح عنها على يقين بأن المشوار إلى الزمن الذي تتحول فيه الأحزاب إلى أطر "مرنة" في استيعابها للمناضلين الخلصاء الأكفاء و "صلبة" في أدائها الحزبي - الذي يستند إلى مقومات و اشتراطات الديمقراطية لتي تحفظ الوطن و تحمي المواطن - ما زال بالتأكيد مشوارا طويلا و محفوفا بالمنزلقات.
..أما و أن عطاء الأسباب إلى ذلك المبتغى لا يزال دون ما يحيي أملا في حصوله سريعا بمنطق الحاجة فإن أكف التضرع موجهة من قبل و من بعد إلى الله أن يمن بعطاء فضله فتتبدل الأحوال من حال اليأس إلى متسع الأمل.
3- الشعب.. الغائب الأكبر عن الحوار
من اللافت جدا أن هذا الشعب على الرغم مما يمثله من مرجعية و خلفية جوهريتين و مبتغى و هدف مرجوين، يبدو مُتعمَّدَ التغييب و الذكر و مُستبعَدَ المشورة فيما يدور من الحديث المحموم عن الحوار هذه الأيام و فيما يجري من الإعداد لمجرياته انعقاده، و أنه لا توجه كذلك إلى سبرٍ لآرائه و لا ذكرٍ حتى لأي دور يمكن أن يسند إليه من خلال الأطر الحزبية و النقابية و في المجتمع المدني، الأطر التي من المفروض أن يشكل عمقها و مستندها و وقودها و غايتها، و إن الحوار قد تم اختزاله حصريا في الآراء و المطالب الشخصية للزعامات المبصومة به و كأن الأمر بهذا الحجم دون قضايا الأمة الشائكة هو أساس و غاية الحوار... إرضاء الإرادات الفردية أو الجماعية الضيقة على منوال ما كان قائما أيام الدولة العشائرية و الطبقية بفارق التوقيت و اختلاف اللغة حيث حلت الأحزاب و غيرها محل القبائل و مرادفاتها و حلت مصطلحات الحوار و الديمقراطية و غيرها محل مشاورات "فم القربة" التي كانت تمليها آنذاك (و ما زالت) موازين القوة و تقلباتها.
فإذا تحت أي وصف يمكن إدراج هذه الوضعية "اللاسياسة" بامتياز و بأي منطق يمكن السكوت عليها في بلد هو أحوج إليها في فترة الغليان التي يعيشها للخروج من قمقم الماضي و ترسانته "السلطوية"، في خضم هذا المنعطف الحاسم من تاريخه و بعدما تخطى مراحل التأسيس و التأتأة و دخل مرحلة العصيان على المفاهيم القديمة و ما كانت تفرضه من توازنات مجحفة، إلى انتهاج مقاربات التشاركية و التشاورية و الحوارية و الحكامة الرشيدة و الانصياع لما تمليه كلها من ضرورات التنازل و التناوب؟
و إن الوضع القائم بهذا الوجه يضع البلد أمام إشكال مزمن لا بد من الالتفات إليه و إعطائه ما يستحق من تعليل بهدف أن تأخذ الأمور في الشأن السياسي منحى آخر يضع الأمور في نصابها و يجعل الشعب "حقيقة" لا "إيهاما" مصدر الإلهام السياسي و مبتغى الخوض في خضمه.. لكن كيف لذلك أن يتحقق في ظل العقلية السائدة و تحت جناح المنهجيات العرجاء المتبعة لاقتسام ضياع البلد؟
4- اغتصاب القاصرات اغتصاب "عزة" الأمة
تطالعنا من وقت لآخر وسائل الإعلام بأخبار ينفطر لها القلب و تدمي الفؤاد عن حالات اغتصاب سهلة لفتيات في سن مبكرة و قتل البعض من هن فلا ترتفع أصوات مؤثرة أو تتخذ إجراءات رادعة و كأن الأمر عادي جدا.
أهي الفوضى الاجتماعية و الأمنية أم هي حالة من القبول بظاهرة لها أشكال أخرى متعددة باتت سارية في جسم الأمة و منتشرة انتشار النار في الهشيم ، تؤتى ليلا نهارا و سرا جهارا على أيدي أطراف كثيرة متداخلة أدوارها في إتيانها، متقاطعة بشأن التستر عليها، و متشابكة في كل أوجه الاستفادة الرخيصة منها.
و إذا ما أخذنا نفسا سريعا، بقدر رشفة ماء قليلة فقط من بحر أعمارنا التي نهدرها جزافا و بكل غوغائية في معمعة الحياة، لنمعن النظر قليلا في أوضاع البلد الاجتماعية السائدة إجمالا لهالنا حجم حالات الاغتصاب الجماعية التي تمارس في حق الفتيات اللاتي بعمر الزهور باسم "الزواج السري" الذي يبيحه و يشرعه البعض و يقبض بذلك أثمانا، في حالك الظلام داخل صحون المساجد بعد انصراف المصلين و البيوت الموصدة الأبواب لفائدة جحافل الشيوخ المستسلمين لـ"مارد" سلطان الشهوة و المهووسين جنسيا و الوسطاء من المخنثين و القوادين والقواعد من أشباه الرجال لفائدة سياحة المتعة في سراديب و دهاليز قنوات سلطتي المال و النفوذ و بيوت و فنادق الضيافة.
إنه الاغتصاب الجماعي في أغلى ما تملكه الأمة.. أرحام بناتها اليانعة و المؤهلة بخصوبتها الطاهرة لإنجاب أجيال البناة.
بل هو إنه التأكيد المطلق على غتصاب "عزة أمة" على أوسع مدى بفعل الإغراءات المالية من سيارات بكل الأحجام و كل الألوان و الماركات و بيوت في كل الأحياء و قطع أرضية في دائرة المال السهل و الأراضي التي توزع دون أي مخطط عمراني، و استخدام الوساطات و الوجاهات في دائرة قوة النفوذ و مراكز القرار لتشغيل أحد لا يستحق أو ترقية آخر لا يمتلك المؤهلات.
هي إذا مدننا الكبرى، و إن غضضنا الطرف و تحاشينا الحديث و تعمدنا ثم أبحنا السكوت، أخذت تعج شوارعها بالفتيات اليافعات لا هم لهن إلا قيادة السيارات و ارتياد المتاجر و صالونات الحناء بعيدا عن أجواء الدراسة و تحصيل العلم الذي كان ليمكنهن من لعب دورهن في بناء سيظل مشلولا بغياب هذا الدور، و عوضا عنه يحضرن ليلا أو نهارا إلى خدورهن بالتواطؤ المهين مع الآباء الذين أصابوا نصيبا من الثمن الوضيع. أو ليس هذا اغتصابا لبراءة أمة ما زالت تدعي دون تأمل فيما أصابها من المسخ أنها معقل التقوى و لب الاستقامة؟
لك الله يا بلدا تحمل من الألقاب ما تنوء به الجبال و لم يعد يتحلى معظم أهلك بأي منها، و من التناقضات ما يحير العقول و يطرح من علامات الاستفهام حول مستقبله الذي يكبس أنفاسه حاضر مضطرب و تقيده عن الحركة رواسب ماض يأبى إلا أن يظل حاضرا.
و مع كل ذلك فلا يزال الأمل كله معقودا على الشباب مصداقا لقول رسول الله المبعوث هداية سيدنا و مولانا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم "الخير كله في الشباب".
5- لنبتكر ألقابا تناسب المرحلة
ألقاب كثيرة، جميلة، رافعة و مذهلة تطلق على بلادنا، نتباهى بها في شعرنا الفصيح و موزوننا الصداح و نعمر بها في حلقات مجالسنا الكسولة إبداعاتنا النثرية و محاضراتنا الغزيرة عن "الأنا" المتضخمة لدينا و المطرزة بمحاسن الماضي المطعم بدرر الخرافة و ثمالة خمرة الشاعرية. و لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في كل مرة عند انعقاد كل حلقة يظل في السياق هل هذه العناوين لنا أم هي علينا؟ و هل أن وقتها ما زال سيد الموقف أم أن زحمة التحولات حاصرتها فيما هي قيضت هذه التحولات؟
هل أن "بلاد المليون شاعر"، و "أرض المنارة و الرباط"، و "بلاد شنقيط"، و "أرض الرجال"، و "ديار المقاومة الفريدة"، هي كلها أوصاف لائقة لزمن يرتدي حلة جديدة، و هل تكفل للبلد مكانة يباهي بها و يتستدر بها مكاسب ترفع من وتيرة البناء و من سقف السيادة؟
و هل الإطناب في عقد المهرجانات بأختام و صفات هذه الألقاب أمر يقدم في مسار البناء المتعثر و يعين على منع التصدع الحاصل في الوحدة و يعيد ما تبخر من الوئام المشوب بنزعة الفوارق الاثنية و الشروخ الطبقية و اتساع الهوة بين الفقراء و الأغنياء و غياب العدالة الاجتماعية و استحالة ميلاد الطبقة الوسطى التي تعدل كفتي الدولة و تضمن استمراريتها في كل مسارها رغم الأزمات و الارتجاجات.
تشتهر اليوم فرنسا رغم تاريخها العريق و ثورتها المجيدة التي غيرت وجه العالم و تقدمها الصناعي الكبير بأنها بلد العطر الراقي و الملبس الأنيق، و تشتهر إيطاليا التي تحتضن "الكوليزيه" و إبداعات "دافنتشي" و سيارة "ألفا روميو" بأنها بلاد "الجلد الرفيع" و "النعل المتميز" و تشتهر روسيا بمنصات إطلاق الصواريخ إلى الفضاء الأكثر قوة و أمانا، و الشعب الفيتنامي بإبداع لغة تجاري الحداثة في ظرف وجيز تلا التحرر و كانت لغته تعجز عن التواصل بين أفراد الشعب. هي فقط أمثلة نسوقها من بين المئات ليعلم كيف أن كل دولة و شعبها كيفا متطلبات الشهرة بما يخدم الحاضر و يبني المستقبل مع العلم بأنهما استبقيا في الصميم و لذاكرتيهما الحية أمجاد البلد التاريخية في حيز مصون و لكنه لا يؤثر على المسار.
و مهما غض الجميع الطرف، كل من منطلق خلفيته، و تشاغل في هذه البلاد عن دوره الذي لا يسقط مأخوذا بالعزة، فإن الحقيقة المرة تظل أن موازين هذه البلاد مختلة و أن واقعها على ما يبدو عليه من هدوء مشبوه يدعو إلى القلق. فهيمنة القلة و تهميش الأغلبية على اختلاف أسباب الحيف و الغبن و الإقصاء هي التي تحمي هذا الارتماء في الماضي و ملء الحاضر بميته و سد الباب أمام المستقبل الذي تتواجد بداخله كل دوافع دحر الظلم و استقدام أنوار العدل و البناء المتوازن.
6- "صكوكو" تستنزف مخزون المال.. من الدولة لأعمار الرمال
مما لا شك فيه أن محاربة زحف الرمال ظلت، منذ حلول جفاف السبعينات الذي رمى بأهل الريف في أحضان العاصمة نواكشوط و تصحر الثمانينات الذي عرى البلاد من غطائها النباتي و سمح لجحافل حبيبات الرمل الحمراء و الحصى السميكة الصفراء القادمة من عمق الصحراء الكبرى و البيضاء المتنصلة من حزامها الشاطئي أن تزحف على كل مكان من دون استئذان، إحدى الأولويات التي فرضت نفسها على أجندة كل الحكومات المدنية و العسكرية المتوالية و لكنها لم تؤت ثمارا من أي نوع تحسب لها حتى كانت عناية الله فمن بمنسوب من المطر أوقف حدة الخطب و أعطى نفسا جديدا لتصحيح السياسات في هذا السياق و إن لم تقم لفرط غياب الوعي الشعبي و الحس الحكومي بذلك.
كما هو صحيح أيضا أن خبراء منظمة "السلس" اتفقوا على أن موريتانيا هي منطلق التصحر و أن نقطة العاصمة نواكشوط هي بامتياز محط تجمع الرمال قبل تحركها في اتجاه الدول الأخرى.
حقيقة مرة و واقع أليم يستدعي وضع سياسات ناجعة و تشجير مكثف تسنده تقنيات ري تقطير متقنة سهلة الاقتناء بتكاليف منطقية. و لكن بدلا عن هذه المحاربة العلمية التي تجمع بين العلاج و التشجير، فقد أخذت الأمور منحى آخر شهدت ميلاد فصيلة من "قوارض الرمل" تبتلعه بسرعة مذهلة و تحوله بشكل مدهش إلى عمارات سكنية تعمرها ذئاب عاوية و تجمعات تجارية متخمة بنفايات الغرب و شبه الجزيرة العربية في غياب تام لأي مظهر صناعي أو هندسي أو تعليمي حرفي.
نعم عمارات من الاسمنت و الصلب و الآجر الصيني المحبذ على مرمى البصر يتسابق أغلب ملاكها إلى الدس بين حبيبات رمل الكثبان الذهبية التي تخرج من رحمها بصرف أموالَ البلد التي حصلوها بالتحايل و النهب المكشوف رشوة و اقتساما و استهتارا من وراء ستار التكتلات القبيلة و العشائرية المفضوحة بعلامات يدركها الأعشى حتى باتت مخدعا آمنا و تبييضا ذكيا لهذا المال من ناحية و جرحا نازفا في خزينة بلد لم يقو بعد على إرساء قواعد العدل و خلق مبررات الشموخ الغائب.
فماذا بعد "صكوكو" التي امتلكت زمامَ معظم مساحة رمالها حفنةٌ من الرجال المشبوهين و النساء المدللات و الأطفال المغمورين و الشيوخ العابثين قبل زوالهم القريب و هم في غيهم عن الآخرة هم غافلون؟
7- ارفعوا أيديكم عن مال الشعب... أيها المفسدون
أوردت مجلة العرب القطرية الالكترونية اليوم الأحد 08/02/2015 أن 73.500 موريتاني يُفِيدون من مشاريع قطر الخيرية. جزى الله دولة قطر كل خير و الدعاء موصول لدولة الإمارات و دولة الكويت و المملكة العربية السعودية على صالح أعمال كل منها لفائدة الشعب الموريتاني الذي تنتمي غالبيته العظمى لكل درجات الفقر من فاقة و عوز و حرمان في الوقت الذي ترفل قلة قليلة في حرير و سندس و إستبرق خيرات البلد و مدخول مقدراته من معادن و بترول و أسماك و غيرها من مكنونات أعماق و شواطئ محيطه المعتبرة و من وافر عطاء ضفاف نهره الخصب الأراضي، و كأن الأمر طبيعي بهذا و هم فيه على حق و محميين من أية مساءلة أو محاسبة. فأي منكر أعظم من أن يتسول و يستعطف شعب يملك كل أسباب الغنى و كيف تمتد يده صاغرة إلى فتات الغير بعدما غبن إصبع تسعة أصابع يديه؟
إنه النشاز و الانفصام و التناقض في واقع بلد لا تتجاوز ساكنته الثلاثة ملايين نسمة و يمتد على مساحة تزيد على المليون كيلومتر مربع و يمتلك كل مقدرات الطبيعة. و لا يزال أهله يعيشون على إيقاعات الماضي العرجاء من قبلية و طبقية و نظرة دونية و قانون غاب غاشم، و لا راد لأي من هذه الأوجه اللاحضارية التي تمزق الكيان و تغيب الدولة و تقوض الحاضر و ترهن الماضي و تقدم الأمة للعالم من حولها في صورة المتسول و المغلوب على أمره.
فمتى يرفع الظالمون المتدثرون بلحاف القوة أيديهم عن خيرات البلد و متى تتفكك تنظيماتهم المتخلفة التي يتحركون ضمنها في وطن تتوزعه مشاعر الضعف و الغبن و الهوان و تتهدده غيلان الشقاق و أسباب الانزلاق إلى أتون التفكك؟
أو لا يعلم هؤلاء أن عواصف المحيطات المدمرة تنبثق على حين غرة من صفحة الماء الهادئة و قد قال الشاعر التونسي الثائر "أبو القاسم الشابي":
رويـدك لا يـخـدعـنـك الـربـيـع و صحو الفـضاء و ضوء الصـباح
ففي الأفق الرحب هول الظلام و قصف الرعود و عصف الرياح
حـذار فـتحت الـرمـاد اللـهـيـب و من يبـذر الـشوك يجـن الـجراح
8- حوار مطلوب... و حوار مرغوب
أقلام رصينة كثيرة و عدد معتبر من المحللين و الأكاديميين المتمكنين يهتمون هذه الأيام بمسألة الحوار المحتمل و قد بدا في أغلب مساهماتهم المتنوعة و عمق تفكيرهم الجزل و كأن عدم انعقاد هذا الحوار في حلته المتداولة هو لب داء البلد و أنه في حصوله بحضور الأطراف التقليدية في الأغلبية و المعارضة مربط شفاء جرحه الاجتماعي النازف و ضمان لرفع بلاء تأخره المزمن عن ركب الأمم من حوله. و لكن لا بد أن يدرك الجميع أن الداعين إلى الحوار باشتراطات مسبقة و رافضيه بدواعي ديماغوجية و مشترطي تجديد قواعد إجرائه و المستفيدين الهامشيين منه من كلا الطرفين هم جميعهم من أشعل نار الخلاف عمدا و لم يدركوا حينها أنه ليس بأيديهم إطفاؤها.
و مع ذلك فإن أمر إصلاح شأن هذه البلاد أمر ممكن جدا و لكنه مرتبط بحوار من نوع آخر أطرافه أكثر عددا و أغزر هموما و أصدق مبتغى و أقدر على الحفاظ على كل مكسب يتحقق عند ختامه. فلا بد أن تسعى الدولة إلى الإعداد لهذا الحوار و إنها و إن همت بذلك لا بد أن تلقى التأييد و تصل إلى المبتغى.
أما المعارضة فعليها أن تدفع بشبابها لركوب قطار هذا الحوار حين انطلاقه و أن تجدد لذلك خطابها استعدادا لعب دورها الكبير و الجوهري. و إنه الدور الذي ستحقق معه و به استقرار الوطن و ديمقراطية الحياة السياسية و تجني من ورائه ثمرة الرضي عن الأداء و حتمية الوصول بالتناوب إلى السلطة للإسهام الكبير في التحول الإيجابي المنشود من خلال برامجها المعدة بإحكام على ضوء المتطلبات الحقيقية للتنمية العادلة و المستديمة في ظل ضمانات قوية للاستقرار و الوحدة و الوئام.