الزويرات:معركة العمال من أجل الكرامة / أحمد ولد جدو

تصيبني رتابة المشهد السياسي المحلى وضحالة الطرح صاحب الصوت الأعلى فيه بحالة من عدم اللامبالاة المؤقتة،فلا أكترث كثيرًا به ولا بشخوصه ولا بأحداثه المجترة،فلا جديد فيه يستحق التفاعل أو المشاركة بشغف فلم يعد للمصطلحات ولا المواقف أي قيمة لكثرة لعكها من قبل

الانتهازيين الذين يتبارون في تشويه أي جميل،فقد دأبوا على تمييع الأشياء،فلم يعد للحوار ولا للمواثيق قيمة لكثرة نقضها، وأصبح النضال يقال لتحقيق مصلحة ذاتية جدًا على حساب طموحات وحقوق الشعب والكادحين.لكن،حالة اللامبالاة التي ذكرت سالفا وأكدت أنها مؤقتة تغادرني حين أجد مشهدًا يستحق التفاعل بل الانغماس فيه وخدمته،ومن اَخر النسمات الجميلة التي دخلت مسام عقلي، قضية إضراب عمال سنيم في مدينة الزويرات شمال موريتانيا.
لنتحدث إذن عن تلك الملحمة الحقيقية
بدأت ملحمة عمال الزويرات في 30 جانفي 2015،وذلك بعد أن سئموا من وعود مدير الشركة الوطنية للصناعة والمناجم(سنيم) وبعد أن اتضح لهم أنه قرر أن ينكث بكل تعهدات الشركة،وكانت الشركة قد وقعت مع العمال تعهدًا يقضي بزيادة رواتبهم ومن المفترض حسب الاتفاق أن يبدأ التنفيذ في أكتوبر 2014 لكن الشركة لم تفى به،وهو ما جعل العمال يدخلون في إضراب مفتوح و ينزعون نحو التصعيد،وقد نجع العمال في خلق حالة من التضامن مع قضيتهم  رغم التعامي الإعلامي الواضح الفاضح ومحاولات الشركة أن تعطى صورة مغلوطة عن الإضراب عبر شراء وسائل الإعلام المحلية.
نجح مناديب العمال أصحاب فكرة الإضراب في إقناع أغلب رفاقهم  بضرورة الانخراط في الإضراب وقد وصل عدد المشاركين فيه إلى 3886 عمالاً من عمال الشركة من أصل 4500 عاملاً(الرقم هو عدد عمال الشركة في مدينة الزويرات وليس العدد الإجمالي لعمالها)،تم ذلك رغم كل الضغوط السياسية والقبلية،وكذلك رغم قيام الشركة بتهديد كل العمال العقوديين في الشركة بالفصل حال استمرارهم في الإضراب،إلا أن ذلك لم يزد العمال سوى إصرارًا على مواصلة الضغط،وقد أدت تلك الخطوة إلى مسيرة تضامن حاشدة من قبل العمال والمجتمع المحلى وماتزال  إلى اليوم مدينة الزويرت مكانا للمسيرات الحاشدة المتضامنة مع العمال،في المقابل،قام عمال شركة سنيم في مدينة نواذيبو بوضع إخطار يقضي بتوقيفين عن العمل يومي 25 و26 فبراير، والدخول في إضراب مفتوح حال عدم الاستجابة لمطالبهم،ومن بين مطالبهم:
ـ زيادة الأجور وفقا لاتفاقية ازويرات في 3 مايو 2014.
ـ إدخال علاوات الإنتاج منذ بداية السنة.
ـ دفع راتب شهرين للمتقاعدين تعويضا عن تأخر الزيادة المقررة في مايو 2014.
يحدث هذا في ظل تجاهل من قبل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم فلم تكلف خاطرها في دخول حوار مع العمال أو تطيب خواطرهم ولو بشطر وعد جديد وتصر على  أنهم مجرد عمال متسيسون وأن عمل الشركة لم يتأثر،وتفضل رشوة بعض المواقع الألكترونية للتعتيم على الإضراب وتشويه المضربين،والقول أن الإضراب غير قانوني،لأن الموقعين عليه ستة مناديب من أصل أربعة عشر ورغم أن عدد المناديب الموقعين حاليا على الإضراب هم ثمانية ويرفضه ستة فقط،وفي حديث جرى بيني وبين محمد ولد أحمد زروق أحد العمال المضربين،قال لي أن العمال يريدون فقط أن يتم الالتفات لمطالبهم وما يغضبهم هو حالة التجاهل المتعمدة من قبل الشركة.
المفارقة في القضية هي أن شركة سنيم قدمت قبل فترة ليست بالطويلة قرضا بقيمة بلغ 15 مليار أوقية لشركة النجاح الخاصة التي تشرف على بناء مطار نواكشوط الدولى وذلك بعد تعثر الأخيرة في التزاماتها نحو الدولة الموريتانية،وهو ما يجعلني أطرح التساؤل التالي أيهما أولى بالرحمة شركة رأسمالية تفشل في تعهداتها للدولة أم عمال بسطاء يكدحون من أجل لقمة عيشهم؟
خلاصة

قضية عمال سنيم  ومثلها من النضالات العمالية هي الواقع الملموس  وطريق التغيير والتعبير الصادق عن واقع الشعب أما بقية الأحاديث التي تجري في الصالونات والمكاتب المكيفة فلا تعدو كونها جلسات بين مترفين لتقاسم الأدوار في النصب على الشعب،فدعم نضالات العمال أولى،فالعمال هم أكثر فئات طبقة الكادحين بل الشعب قدرة على لعب دور مؤثر في عملية التحرر من الظلم والإقطاع والفساد وتحكم العصابات في شؤون الدول،لذلك نضالهم صادق وحقيقي فهم مرتبطون بعقد أزلى مع عملية الانتاج التي تقوم عليها الدول واقتصادياتها وهم  أصدق تعبير عن واقع الأسرة واحتياجاتها،ولا ينتفضون إلا حين يفيض بهم الكيل وحين ينتفضون فيعني ذلك أن الوضع لم يعد يطاق وأن ساعة التغيير قد اقتربت،المجد للعمال.

18. فبراير 2015 - 10:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا