جاء في محكي موروث الأمثال الحسانية قولهم " حطاب الدشرة، وتقول قصة المثل انه كان في مدينة ما حاطب يعتاش من جمع الحطب وجلبه على رأسه ليبيعه في المدينة، وفي مرة من المرات عجز عن حمل ما جمعه فزاد عليه ضعفه، وبصرف النظر عن القصة واختلاف ألفاظ حكايتها،
فقد تم من خلالها صياغة مثل يضرب ليس فقط لمن يتحمل ما لايطيق، وإنما بحسب ما يتشتمل عليه مضمون ألفاظ المثل هو يضرب أيضا لمن يحاول أن يغطي فشله في إنجاز عمل وأداء مسؤولية أسهل بإدعاء النجاح في عمل ومسؤولية أصعب، بما يحمل في ثنايا لزومه المنطقية مغالطة أو على الأصح محاولة لمغالطة بعض الناس خاصة من ذوى الإدراك والإطلاع الأقل، وهو ما يتطابق بالمحصلة مع تلك الشعارات والإدعاءات التي يطلقها الحكام العرب وأذنابهم من أشباه الرجال ممن يقدمون أنفسهم من منطلق أنهم نخبة الثقافة في مجتمعاتهم، لتأتي منتدياتهم ومعاهدهم وملتقيات النفاق والتملق التي يقيمونها لتكشف محاولتهم لتزلف رضا الحاكم والتودد إليه بمحاولة مغالطة الناس، عن جهلهم والمستوى الذي وصلوا إليه من الجهل والسذاجة بما مرؤا عليه من النفاق، ما يدل على أن المتزلف والمتملق أشد سذاجة وضحالة فكر من ممن يتزلفون ويتسابقون بالنفاق ونشر الأكاذيب لينالوا رضاه.
ذلك بالضبط ما كان واضحا لي من خلال ذلك الملتقى الذي عقد في قصر المؤتمرات عن إنجازات موريتانيا خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي، وهو الاتحاد الذي جاءت رئاسة موريتانيا له لتكشف عن مستوى الأزمة التي يعيشها الاتحاد ككيان وأعضاؤه كدول، ليس فقط من منطلق أن السيء يقدم الأسوء، وإنما لأن أي إنسان لديه ذرة من اطلاع يدرك أن تلك الرئاسة كانت املاءات ظروف تعيشها دول الإقليم الشمالي على الأقل، وباستثناء الخوض في تفاصيل كيف آلت لموريتانيا رئاسة الإتحاد الإفريقي، فإن إنجازاتها خلال فترة رئاستها لذلك الاتحاد، تظل محصورة في ما قدمته من خدمات للإنقلابيين في مصر في محاولة لتخفيف ضغط رفض المجتمع الدولي المعلن – على الأقل – لذلك الإنقلاب، وهي طبعا صفقة لن تكون أقل انتهازية ولا اشد ابتزازا من صفقة تسليم السنوسي.
كما أن من أهم إنجازات موريتانيا خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي، هي كون فترة تلك الرئاسة شهدت أكبر عملية إذلال تعرض لها القادة الأفارقة، وما أكثرها حين رفض الرئيس الأمريكي مقابلتهم قبل اجراء الفحوصات للتأكد من سلامتهم من وباء الإيبولا، ولم يعترض الاتحاد عليها ولو مجرد اعتراض، أو انتشار أخطر وباء عرفته البشرية في العشرية الأخيرة على الأقل في القارة.
وبعيدا عن كون الاتحاد الإفريقي في الأصل ولد فقط ليولد، لكثرة ما يشتمل عليه من تناقضات الشيء الوحيد الذي يتماها فيها هو الفقر والتخلف وكونه أكبر بئة في العالم حاضنة للأوبئة والحروب، ما يخلف جوا من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يهدم كل عمل يمتلك العزيمة ويستشرف المستقبل بإرادة صادقة فما بلك والإتحاد برئاسته الفائتة والحاضرة وقبل الفائتة غير ذلك؟
وكيف لولد عبد العزيز أن يقدم إنجازا للاتحاد الإفريقي خلال فترة رئاسة موريتانيا له في عهد حكمه في فترة سنتين أو ثلاث سنوات، وهو أشد المنظمات الإقليمية والدولية في العالم مشاكلا والأشد تعقيدا، بينما عجز عن تقديم إنجاز لدولته موريتانيا التي هي أكثر دول القارة جهلا وتخلفا، والأغنى من حيث مواردها الطبيعية من مخزونات مياه جوفية وسطحية معظمها لم يتم استغلاله بعد، وثروة معدنية باحتياطيات كبيرة جدا ولو مقارنة مع عدد سكان موريتانيا الذين لا يتجاوز إجمالي عدد سكانها، عدد سكان حي من أحياء الدار البيضاء مثلا، فلماذا لم يستطع خلال سبع سنين وزيادة أن يقدم إنجاز لبلاده، ذات المشكلات البسيطة السهلة، خلال فترة تقرب العقد من الزمن، واستطاع أن يقدم إنجاز للكيان الأكبر ذي المشكلات الأعقد؟
وغني عن البيان أن موريتانيا هي أكثر دول القارة بل والعالم تخلفا وجهلا، وبالتالي نحن الأضعف دبلوماسية، وهو طبعا ما يثبته واقع يوميات جلياتنا في الخارج، وليس لدى الدولة ما يمكن أن يشكل أوراق ضغط من أجل تحقيق إنجاز على مستوى سياسي إقليمي، وما الحديث عن إنجازات للاتحاد الإفريقي غير مسبوقة خلال فترة رئاسة موريتانيا له، لو افترضنا صحته ذلك الحديث فهو لا يتعدى أن يكون في محاولة لنفي صحة المثل القائل " أن صمب لو كانت عنده خرزه كان يعلقها"، بمعنى أن من يقول بإنجازات للاتحاد الإفريقي، فهو يقول ضمنيا أن " ولد عبد العزيز يمكن أن يؤثر على بلده بإنجازات غير مسبوقة، ولو من باب أنه لا يحب أن يعلق الخرز!