منذ المشاكل التي تعرض لها المصرف الإسلامي وانا اتابع بشكل مباشر الاحداث اليومية ليس حبا في الاطلاع بل لسبب بسيط وهو انني أحد آلاف العملاء الذين اغرتهم الصيغة الإسلامية التي تبعد شبح الربى المحرم بشدة في ديننا.
بدأت المشاكل تظهر بوضوح منذ نهاية الانتخابات الرئاسية، اشاعات انتشرت كالنار في الهشيم وتسابق محموم على سحب الودائع مما وضع أصحاب المصرف في مأزق حقيقي، لم يستسلم اصحاب البنك واستمروا في تغطية السحوبات المهولة عبر تقسيطها للبعض و تأجيلها للبعض الآخر و نجحوا بدرجة كبيرة في تهدئة الزبائن و بعد ذلك انتشرت أخبار دخول الدولة في علمية دعم المصرف الناشئ و تنفس الكثيرون الصعداء و تم فعلا تعيين مدير من طرف الدولة و اعلن عن نيتها شراء نصف الأسهم و ضخ أموال تغطي كل الصعوبات.
لم يستمر الأمر طويلا فأعلن عن تراجع السلطات عن خطتها ليعود مسلسل السحب بشكل أكثر حدة ومع ذلك تابع القائمون على البنك عمليات تسديد ايداعات الزباء حتى اليوم الأخير من السنة الذي أعلن فيه البنك المركزي سحب الرخصة واغلاق البنك.
انهيار البنوك ليس بالأمر السهل فغالبا ما تكون عواقبه على الاقتصاد وخيمة وفي أكثر من حالة أثر انهيار مصرف واحد على اقتصاد العالم بأسره كما حدث في حالة بنك ليمان برذرز الذي كانت كلفة إنقاذه تقدر بأربعين مليار دولار وأدى انهياره الى خسارة الدولة الأمريكية 1.6 تريلون دولار بشكل مباشر و كلف العالم بأسره مبالغا لا تدخل تحت حصر*.
الأمر الملفت للانتباه إصرار الدولة على عدم حصول تسوية تحفظ للمودعين أموالهم ولأصحاب المصرف ديونهم القابلة للتسديد وهو ما سيؤدي بالضرورة الى كارثة للطرفين ستمتد آثاراها بدون شك لتشمل القطاع المصرفي فالكثير من زبناء البنوك الأخرى حول ديونه على البنك الإسلامي زيادة على ان المصارف تعاني في الأصل من نقص كبير في الودائع حيث يبلغ مجملها 6 في المائة من حجم الكتلة النقدية.
العديد من المواطنين يحجمون عن الإيداع في البنوك رغم انه في ذهن الأغلبية ان البنك المركزي يضمن الودائع ـ وهو ما تبين عدم صحته ـ ومن الطبيعي ان نسبة الإيداع ستنخفض بعد ما تبين هزال المنظومة المصرفية.
كما لا يخفى ان المستفيد الأول من انهيار الثقة ستكون البنوك الأجنبية التي تقف ورائها تكتلات مالية ضخمة علما ان أرباح هذه البنوك تحول بالعملة الصعبة وتحول للخارج عكس المصارف المحلية التي تستثمر غالبية أرباحها ان لم نقل كلها داخل البلاد.
المتتبع لمسلسل اغلاق البنك سيصدم من عدم توخي كل هذه العواقب ومن اعلان سحب الرخصة وإجراءات التفليس.
المفارقة الأخرى هي دعوى البنك المركزي ان المصرف الإسلامي لم يقم بإيداع مبلغ 6 مليارات التي يفرضها القانون لفتح البنوك.
لا شك ان هذه النقطة تثير تساؤلا مهما وهو لماذا يسمح البنك المركزي للمصرف الإسلامي بممارسة عمله مع علمه بالخرق القانوني المزعوم لأكثر من سنة ؟!!
شخصيا أحسست من البداية بلغز في الامر ازدادت حدته بعد حادثة اعتقال الصحفي احمد ولد الوديعة بتهمة تسريب محاضر التحقيق في سابقة لم يشهدها تاريخ البلد.
إذا في الامر ما أزعج السلطات واخرجها عن طورها ....
فما هو يا ترى؟
بعد قراءة المحضر كاملا لم اجد سوى امر واحد من الممكن ان يسبب كل هذا التشنج و هو الحديث عن شركة الوطنية للبترول المعروفة اختصارا ب NP و التي يتندر الموريتانيون بتسميتها ب " Notre Président" أي رئيسنا و المدارة من طرف أفيل ولد اللهاه ابن خالة محمد ولد عبد العزيز.
إذ يدعي احمد ولد مكية في المحضر ان هذه الشركة لم تدفع ديونها المستحقة للمصرف** ...
بعد اقل من يومين ظهر في طرف آخر حديث لوسائل الاعلام من طرف محامي الشركة يدعي ان الشركة غير مدينة للمصرف الإسلامي وهو ما نفته لي مصادر من البنك وأكدت لي ان شركة "رئيسنا" لم تقم بدفع أي مبلغ في أي فرع من فروع البنك الإسلامي من تاريخ الرسالة حتى تاريخ الإغلاق.***
الغريب في الامر ان السيد افيل ولد اللهاه مدير الشركة الوطنية للبترول مساهم رئيسي في بنك المعاملات الصحيحة فلماذا يلجأ لبنك آخر لعملياته المالية؟
هل يحب ولد مكية أكثر من نفسه؟ ام انه الإيثار؟
تبين الوثيقة المنشورة بموقع تقدمي والمؤرخة يوم 15 في شهر ديسمبر من السنة المنصرمة أي قبل أسبوعين من الإغلاق يطالب فيها البنك بدفع ديونه المستحقة على شركة "رئيسنا" ـ كما يسميها اهل نواكشوط ـ والبالغة أكثر من ثماني مائة واثنان وثلاثون مليون أوقية وتتضمن إقرار بأن نفس الشركة تمتلك في حسابها مبلغ 125 مليون اوقية ليكون الدين المستحق أكثر من سبع مائة وسبعة ملايين اوقية ****
من هذه النقطة يمكن ان نفهم الإصرار على تدمير المصرف الوليد واشهار افلاسه ...
في حالات سابقة كانت الدولة تقوم بتسيير البنوك المتعثرة وتعين مديرا لها حتى تسوية حسابتها بشكل نهائي ...
المشكلة انه عند تنفيذ هذا الإجراء على حالة البنك الإسلامي سيكون المسير ملزما باسترداد الديون واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة وهذا ما سيؤدي الى إجبار شركة "رئيسنا " على دفع ديونها كاملة، اما في حالة الإفلاس فستتبخر الديون للأبد....
هنا تتوضح القصة كاملة ويظهر السبب الذي جعل البنك المركزي يسمح بممارسة المصرف الإسلامي لأعماله بدون إيداع الضمانة المطلوبة.
ففي هذا الحالة يتحول الخرق القانوني الى سيف ابتزاز يضطر المصرف الى فتح خزائنه امام رجال النظام وتقديم القروض وربما تمويل الحملات كما يتوضح في الإشارة التي أوردها احمد ولد مكية عن تزامن المشاكل المالية مع نهاية الحملة الرئاسية.
كما يتوضح ان ولد اللهاه لم يخدم منافسه في قطاع البنوك بقدر ما عمل على توجيه الضربة القاضية له.
الطبيعي بعد نهاية المشوار وتنظيف خزائن البنك يصبح اغلاقه امرا ضروريا حتى لا تتم مطالبة رجال النظام بدفع ديونهم بعد تفليس البنك.
هذا ما ظهر حتى الآن وما خفي كان أعظم ......