كلمة الإصلاح هذه المرة ستـتـقدم أمام الحوار المنتظر بين السلطة والحزب الحاكم من جهة ، وبين المعارضة والمعاهدة وغير المعاهدة من جهة أخرى لتقول كلمتها.
وقبل أن تـقول كلمة الإصلاح ما تراه مناسبا للمسلم
أن يقول أو يفعل عندما يلتقي مع المسلم في أي مناسبة فإني أذكر الجميع بأنه كان من الأولى أن يكون هذا الحوار المنتـظر بين السلطة والحاكم من جهة وبين الشعب الموريتاني ولا سيما فقراؤه من جهة أخرى وفي نفس الوقت ينعقد حوار آخر بين جميع أنواع المعارضة من جهة وبين فقراء الشعب الموريتاني من جهة أخرى .
فكلمة الديمقراطية وما تفرع عنها من آثار لا يسمن ولا يغني من جوع ، فالسلطة وحزبها الحاكم والمعارضة وما تفرع عنها من أحزاب وكثرة مواقع والجرائد وحرية التـعبـير كل ذلك لا ينـتـفع به الفقيـر المحروم أزلا من الله .
فهذا السائل والمحروم والفقـير والمسكين كل هذه الأوصاف من إرادة الله وقدره أن لا تخلوا منهم أي دولة ولكن الله حمل السلطة والأغنياء مباشرة اعطاءهم من ما آتاهم الله من حق معلوم لهم عند هؤلاء ، كما قال تعالى : ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ).
إن طلب توفير الأرزاق لهذا الطيف من الناس تتحمله المعارضة التي شرعت لها الديمقراطية كلامها واحتجاجاتها ومع ذلك لا تخض على طعام المسكين حضها على أغراضها الخاصة .
فالسلطة والمعارضة جزء من الشعب الموريتاني ولشعب الموريتاني أكبر أزمة فيه وفي جميع شرائحه هي الفقر المدقع فهو حقا الانسداد للأفق في الدولة وهو الكارثة المستمرة وهو الذي يجب أن يطلب التحرك من الجميع لأجله والمحاورة لأجله واستقالة الحكومة لأجله ورفض جميع مقترحات المعارضة لأجله فكل تحرك لأي جزء من هذا المجتمع فردا أو جماعات لا يتـكلم عن ترك الفقراء والمساكين الموريتانيـين لمصيرهم داخل وطنهم أمر لا يقبـله الإسلام ولا يرضاه ذو ضمير حر يستطيع الكلام في شأنه .
وسوف أشرح في هذه الأسطر التالية هذه الكارثة المسكوت عنها من جميع الأطراف أو المتـكلم عنها في حياء أو بإعطاء أهمية لغيرها .
فمن المعلوم أن الجميع يعرف ما يعيش به الموريتانيون وفي نفس الوقت يعرف الجميع شـدة ارتفاع أسعار ما يسد به الموريتاني رمقه سواء من اللحم ومنه السمك وكذلك أنواع الأ لبان والأرز إلى آخر ما هو موجود من المواد الغذائية وحتى من ملحقات هذه المواد مادة المحروقات بجميع أنواعـها التي يعود ارتفاع سعرها إلى مصائب كل هؤلاء الفقراء من رزق وتحرك لطلبه .
وفي نفس الوقت علينا أن نتصور الآن أي شخص يقبض راتبا يبلغ 100ألف أوقيه وعنده عائلة متوسطة الحجم وعنده ما يسكن فيه كيف له تحت ظل هذه الأسعار المعروفة عندنا أن يتمكن من معيشة عائلتـه تـلك بمائة ألف أوقية فقط معيشة تحفظ العائلة من مرض الجوع .
هذه حالة من يتقاضي هذا الراتب المتوسط فكيف بمن لا يتلقي أي راتب ولا تـتـكفل السلطة بأي إعانة له ولا يعرف عنه إلا أنه في نواح المدينة أو رأي مساحة في وسط المدينة شيـد عليها خباءا يبيت تحته .
ومن هنا أذكر الجميع أن هذا النوع من المواطنين كانت هذه الدولة في أول إنشائها وميزانيتها لا تـتـجاوز 5 مليارات أوقية ترعاه فكان الحاكم مكلف بمعرفة ما في مقاطعته من الفقراء ، كما أن الفقير مفتوح له باب التصريح بفقره لتعطى له شهادة بذلك تتحمل الدولة بموجبها علاجه عن طريق صندوق الضمان الاجتماعي .
أما الآن فالفـقير لا راتب له ولا يستـفيد من التأمين الصحي فهو مسموح له بالسكن فوق الأرض فقط لا السلطة تـتـذكره ولا المعارضة تذكر به إلا في حياء من ضمن مطالبها الديمقراطية المحلقة في الهواء والأغراض الشخصية المبطنة .
والآن أصل إلى قضية الحوار إن قدر له أن يبدأ وعندئذ أذكر الجميع أن الديمقراطية وإفرازاتها من تشريع و دستور وأغلبية ومعارضة إلى آخر ذلك كله لا ينسخ ما جاء به الإسلام من علاقة المسلم بالمسلم أيا كان فلا يبـيح تجريحا ولا نقض عهد ولا زيادة إنفاق فيما يستـغنى عنه ولا تلويح بمشاكل غير موجودة ولا محاولة تفكيك شعب منّ الله عليه بأن جعله كله مسلما عندما يسمع آيات الله تتلى عليه يقول : (( سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) .
فالإسلام ذم طريقة المنافقين في لحن القول وذم أيضا المرجفين في المدينة كما ذم أهل الخيلاء والكبرياء.
فالقرآن عندما عدد كثيرا من الأخلاق السيئة قال كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها كما ذكر أن كل جارحة مسؤولة عن فعلها ولا سيما فردا من الأغلبية أو المعارضة فقال: (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) .
فكما أن الديمقراطية وآثارها لا يزيدان في العمر ولا ينقصان منه فكذلك لا يتأثر بموضوعها مسؤولية الشخص بعد موته عما يقول أو يفعل .
فاختلاق الأزمات وتنويعها وإحداث مصادرها وكذلك التغاضي عنها إن وجدت والإعراض عن حلها كل ذلك من وحي الشيطان القادم مع الديمقراطية التي لا تـتـكيف مع التعاليم الإسلامية في الصدق في القول والفعل وإزالة الحسد والحقد والبغض من القــلب إلا من وفقه الله لمعرفة ذلك واجتـنبه .
إنني لا أرى أزمة في موريتانيا الآن صادقة الطرح يتخوف الشعب من خطورتها إلا أزمة الفقـر وصعوبة المعيشة على 85% من الشعب الموريتاني وكذلك أزمة الإجرام الذي انـتـشر في المجتمع وهاتان الأزمتان لا يتطلبان أي شيء من الحلول التي تـتـداولها السلطة والمعارضة من حل للبرلمان والبلديات وتشـكيل حكومة توافقية ...الخ .
فكل هذه الحلول إذا كان عند الدولة فائض مال تـنفقه علي إجرائها فـلتـنفقه على هاتين الأزمتين الفقراء وتحقيق الأمن .
فأنواع الانتخابات في مظاهرها من الابتعاد عن الأجواء الإسلامية من أخذ المال من غير حل وإنفاقه على غير مستحقه ، بالإضافة إلى فتح باب التبرج والهـــــــــرج والمرج منـتوجات الديمقراطية لتوفير أسابيع شيطانية بامتياز لا يلجأ المسلم إلى هذا إلا لضرورة قصوى تفرضها الديمقراطية العالمية عندما يحين وقتها الدستوري
فمن أراد أن يعرف أن قضية الديمقراطية هي من إنتاج البشر فلينظر إلى ضعف ركائزها وأساسها أمام المنحرفين من البشر .
فأهم أسس الديمقراطية هو انتخاب البرلمان لأن من معان الديمقراطية أنها حكم الشعب لنفسه والبرلمان منتخب انتخابا مباشرا من الشعب بأسره بمعنى أنه اختار هؤلاء النواب ليتولوا مصالحه لمدة معينة فكان على الديمقراطية أن تحصن أساسها هذا من أي طارئ كان يجعله هباءا منثورا بكلمات تارة لا تبلغ جملة مفيدة عند النحويين .
وما جملة السيسي في مصر والحوتيين في اليمن منا بـبعيد فكلاهما وقف وقال من بين كلماته يحل البرلمان فالأول وزير دفاع فقط والثاني قائد مليشات فـتـبا للديمقراطية ما أبعـدها من كلام رب العالمين (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير )) .
والآن يقال في موريتانيا أن الحوار من بين مطالبه حل البرلمان ، والبرلمان أصدر المجلس الدستوري " وهو من إفراز الديمقراطية " حكما بصحة انتخابه فأين المتكأ لضرورة حله اللهم إلا إذا كان إرضاءا للبعض فأين نسبة هذا البعض من المصوتين على انتخاب هذا البرلمان .
أما الحوار من أجل النظر في الأزمات ربما المفـتـعلة أو مفـتـعل بعضها أو للمحافظة على الوحدة الوطنية كما يقال، فإن موريتانيا ولله الحمد شعب واحد مسلم 100% كانت في القرن قـبل الماضي بلدا سائبا عقيدته الإسلام وفعله خاضع للغلبة والقهر بدون رادع إسلامي وجاءه الاستعمار ومنعه من تجديد القهر والغلبة بدون تصحيح ما مضى منها ومنه الاسترقاق لقـليل من الملونين سواء كانوا مع الزنوج الأفارقة أو مع الناطقين بالعربية سليقة ، ومنه التمايز في المجتمع الذي يكاد يكون استرقاقا وكل هذا بعيد عن حقيقة الإسلام ،أما الملونون الآخرون غير المسترقين وهم يمثـلون95% والآن يطـلق على بعضهم اسم لحراطين وبعضهم يطلق عليه الخذريـين فلا علاقة لأجدادهم بالاسترقاق وإنما هم ضمن شعوب وقبائـل خلقها الله فوق هذه الأرض متضامنة وكلها يعرف منزلته من الآخر فإطلاق الأرقاء السابقين عليهم هو إطلاق ديماغوجي لا أصل له .
أما الشرائح الزنجية الأخرى فإن أول حكومة وطنية بعد الاستقلال كتبت في دستورها في مادته الأولى في الفقرة الثانية والثالثة : تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تميـيز في الأصل أو العرق أو الجنس أو المكانة الاجتماعية ، يعاقب القانون كل دعاية إقـليمية ذات طابع عنصري أو عرقي.
هذه الفقرة الأخيرة مازالت مكتوبة ولكن لم تجد من ينبه عليها ،ومضمون فقرات هذه المواد طبقتها الحكومة الأولى أحسن تطبيق.
فعشر سنوات الأولى كان الذي يتـقـلد الوظائف الإدارية والسياسية أصحاب الكفاءات فقط ، وكانت نسبة الكفاءات آنذاك المتعلمة 60% منها من الزنوج ولا سيما سكان النهر لكثرتهم في دراسة لغة العمل آنـذاك فالجميع يعرف أسماء الكوادر السياسية والإدارية الممتازين من أولئك الذين بنوا موريتانيا مع نظرائهم من الجنس الآخر بناءا مبنيا على ما في داخل الملف فقط حتى كان كثير من الوزارات لا تـكاد ترى فيها إلا موظفا من ضواحي النهر فكل من حصل على شهادة مهما كان لونه أو لغـته فقد اشترك في الدولة ولم تكن هناك محاصصة في الوطن الواحد صاحب الدين الواحد .
أما قضية أحداث89 فقد تضرر فيها من الموريتانيين من جهة السنغال جنس واحد وهم العرب الناطقون بالحسانية سواء كانوا بيضا أو سمرا ومعروف لدي الجميع ما لا قوه في ذلك من قتل الأرواح وسلب الأموال .
أما الجانب الموريتاني فقـد تضرر منه شريحة واحدة من الزنوج وهي شريحة بلار فالزنوج في موريتانيا ليسوا شريحة واحدة بل الشريحة تابعة للغة فهم الآن ثلاث شرائح مقابل شريحة واحدة تـتـكلم لغة واحدة .
فشريحة السونكيـين وولف لم يتضرر منهما شخص واحد وشريحة بلار تضرر قسماها تضررا مختـلفا .
فبولار الحضريون وكانوا كثرا في العسكريـين والأمنيـين تضرر عسكريوهم ووقع فيهم القـتـل ولكن وقع في قواعدهم ووقع ذلك بينهم من طرف زملائهم العسكريـين والأمنيـيـن أما بلار الرحل ( افلان ) فقد تضرروا في فقدانهم أموالهم وديارهم وأراضيهم في كل من ولاية كركل ولبراكـنة وكيدماغه ( بقول مؤرخ مجرم بأنهم أصلا جاءوا من السنغال ) وقد اغـتـصبها منهم أعوان الحكومة بأمر من الحكومة آنـذاك وسجل كثـير من أملاك هؤلاء في سجلات الحكومة على أنه ملك للدولة ويوضع في خزينـتها فهي المسؤولة وحدها عن البحث عن عـدده ورده إلى أصحابه سواء كان أرضا أو دورا أو قيمة حيوان .
فموريتانيا ولله الحمد لم تـقع بينها أي بين شعبها أي حرب عنصرية تجاوزت ساعتها بين هيئـات من الشعب خاصة إما تلاميذ أو عسكريـيـن .
ومعالجة قضية الأحداث أن يشكوا أصحاب الدم من قاتـل ذويهم ويفتح المجال لذلك في الدنيا قـبـل الآخرة حتى يعفى صاحب الدم أو يجد الدية أو القصاص إذا ثبت ثبوتا لا نزاع فيه على نفس القاتـل .
أما في الآخرة فإذا كانت الشاة ذات القرون سيقتص منها من الشاة التي لا قـرن لها فمن باب أولى الإنسان الذي قال فيه المولى عز وجل (( ومن يقـتـل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغصب الله عليه ولعـنه وأعـد له عـذابا عظيما )) .
وملخص كلمة الإصلاح هذه أن الذي يجب أن يكون فيه الحوار بين السلـطة والمعارضة هو أزمة كثـرة الفقـراء في هذا الشعب مع غـلاء المعيشة والانـفلات الأمني ، ومعالجة الأحداث ضمن التعاليم الإسلامـية .
أما غير ذلك من إنتاج الأزمات وخلقها قيصريا فعلى الموريتاني أيا كان أن يتقي الله في هذا الشعب ويجعل نصب عـينيه قوله تعالى : (( فاتـقـوا الله وأصلحوا ذات بيـنـكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنـتـم مؤمنين )) .