يبدو أن النظام العسكري الحاكم قد قرر بالفعل أن يستبدل - في حواره التكتيكي الجديد- أحزاب المعاهدة بأقطاب المنتدى ..وهي لعبة قديمة تسمح بضرب النسيج الداخلي للمعارضة وتمزيقه ، وخلق جو من التجاذب السياسي بين أجنحة داخل المعارضة. فماهى أهداف النظام في الجولة الجديدة؟
وهل تستفيد المعارضة من تجربتها في الجولات السابقة؟
بعد جولة الحوار الأولي من نوعها بين النظام القائم والمعارضة الوطنية في دكار جرت جولة ثانية بين أحد أحزاب المعارضة التقليدية (التحالف) وبين النظام،سمحت نتائج ذلك الحوار للنظام بتهميش أطراف وازنة في المعارضة. وتمكنت علي إثر تلك الجولة منسقية أحزاب المعارضة الديمقراطية من اكتساب الشرعية اللازمة لممارسة نضال يومي جاد، أحرج النظام داخليا وخارجيا وأزعج المتحاورين وأربك مسيرتهم التوافقية. ثم بدأت دورة أخري ظهر فيها كشكول غريب للمعارضة عرف ب"المنتدى"ضم هذا الكشكول أقطابا غير متجانسة فكريا، ولكنها متوافقة سياسيا علي معارضة النظام القائم .
لم يسعي كشكول المنتدى المعارض إلي انتهاج أسلوب الضغط والنضالات المريرة ولكنه جنح إلي المناورة والمراوغة والمحاججة وغيرها من أساليب المكر السياسي والإيديولوجي..وقد كان واضحا أن المنتدى يمتلك مؤهلات سياسية تجعله أكثر قدرة علي استدراج النظام وجذبه إلي الحوار من جديد مع المعارضة ,ولايخفي أنه يوجد داخل أقطاب المنتدى من يعمل بتنسيق وتواصل دائم مع أجنحته المُتبقية في النظام ،فجل أطر قطب الشخصيات في المنتدى ينتمون لنفس الطبقة السياسية المهيمنة علي الفريق الموالي للنظام وهي تمارس دورا تاريخيا ومنسقا داخل أروقة السياسة المحلية ، كما أن بعض المكونات الأخرى للمنتدى (حزب ولد الواقف و إيناد وبعض المنظمات) لاتُعد مُعارضة واعية ومبدئية..
إن الجولة القادمة للحوار التكتيكي سوف تمكن النظام وأجنحته في المنتدى من عزل أهم رموز النضال في المعارضة التقليدية :(حزب تكتل القوي الديمقراطية)وتدفعه إلي مفارقة شركائه الأساسيين في معادلة المعارضة الوطنية وتجعله- وهذا هو الأخطر- يدخل نزالا متعدد الجبهات وينهمك في صراعات هي الأشد إحراجا لحزب زعيم المعارضة التقليدية ومرشحها الأكثر شعبية في جميع الاستحقاقات السابقة.. إن الجولة التكتيكية من الحوار المرتقب سوف تكون أقل أهمية من حيث النتائج من سابقتها لأن أبرز مايمكن أن تحققه هو:
- عودة أطر وقيادات الصف الأول في المنتدى إلي مواقعها القديمة داخل أجهزة النظام .
- سيكون علي الأحزاب المُعارضة أن تُمرغ أُنوفها في التراب الذي وقفت عليه ذات يوم منادية برحيل النظام نفسه الذي قبلت مُحاورته..
إن هذه النتائج ليست حتمية ولا ضرورية ،إذا وُجدت إرادة صادقة وتصميم بناء ووعي سياسي لدي الطرف المُعارض..
إن من حق حزب التكتل أن لايقبل الدخول إلا في حوار استراتيجي ،لأن كل الحوارات التكتيكية هي مناورات سياسية يجري توظيفها في سياقات وقتية لاتمس جوهر الأمور.لكن من حق الأحزاب السياسية المعارضة أيضا أن تقبل ممارسة التكتيكات بوعي وتسعي من خلالها إلي تطوير العمل الديمقراطي وتكسب مواقع جديدة داخل نسيج السلطة القائمة ومن ثم تدفع النظام إلي تقديم المزيد من التنازلات الحقيقية والمؤثرة في جهاز الهيمنة والتحكم السلطوي..
إن من واجب المعارضة الوطنية أن تتحاور ديمقراطيا - في كل الظروف مع الجميع - لكن هذا الحوار لا يمكن تصويره بأنه: حدث كبير جدا يرقي إلي مستوي الحوارات الإستراتيجية التي يشارك فيها الجميع .
إن أقصي ما يمكن أن تُحققه المعارضة المشاركة في الحوار المرتقب هو:ما خطط له النظام جيدا وعمل علي دفع المعارضين إلي الانخراط معه في جولته الجديدة ويمكن تلخيصه في مايلي:
1- مناصب وزارية في الحكومة من أجل :
- مجابهة تدهور الوسط الطبيعي هذه السنة بسبب نقص الأمطار وانعكاساته الخطيرة علي السكان وماشيتهم .
- التهديدات الأمنية المتصاعدة القادمة من دول الجوار وانتشار ظاهرة العنف والعنف المضاد
- الأزمات الداخلية والتصدع المستمر في النسيج الاجتماعي
- فشل السياسات الاقتصادية والتنموية ومشاكل العمال في أهم المؤسسات الاقتصادية(اسنيم)
- بطالة الشباب وفشل خطط إصلاح التعليم
2- إعادة الانتخابات البرلمانية والبلدية من أجل إلهاء المواطن الموريتاني في جولات سياسية تُنسيه من جديد واقعه المتردي وتجنب النظام مزيدا من الاحتجاج والتذمر..
3- انتخابات رآسية سابقة لأوانها لصالح تمديد فترة رآسة الجنرال ومشاركة أطياف واسعة من المعارضة ،وتهميش أكبر قوة منافسة.
4- كما يجري الحديث عن محاولة لتغيير الدستور في اتجاه السماح بزيادة سن الترشح وفسح المجال أمام مأمورية ثالثة للرئيس الحاكم ..