عزيز و البحث عن طوق النجاة / حمزة ولد لخليف

من أوروبا إلى الأمريكيتين إلى إفريقيا يبقى الحكم الدكتاتوري هو هو وإن تغيرت مفردات أصحابه فإن منطلقهم واحد و منهجهم واحد والأجمل من كل ذلك أن نهايتهم واحدة ومفاجئة بحيث لا تخطر على قلب أكبر المتفائلين ممن يعانون قسوتها، إنه السقوط في وحل زمن من العبث

بمقدرات الأمة وسمسرة أحلام شبابها وعدم أدنى شعور بتلك السيدة هناك في أحد أحياء الترحيل حيث الوجوه تختصر المأساة.

قلتم إن عزيز سيبني ناطحات السحاب و أنه سيؤسس لأحياء و مدن جديدة كالرباط الأخضر و انبيكة لوحاش النائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى و ينقل موريتانيا إلى مصاف الدول النامية على أقل تقدير و قلتم بأنه هو الإبن البار لهذا الوطن مجسدا ذلك من خلال الزواج الذي أقيم لإبنته و ما حمل من رموز مترسخة في الثقافة الشنقيطية و قلتم إن عزيز سيحارب الفساد كما لم يحارب المجاهدون بأموالهم و أنفسهم على هذه الأرض الطيبة  كزافيى كبولاني و هو يغرس أول نبتة فرنسية خبيثة في ربوع هذا الوطن ...

لقد جرى الواقع بما لم تشته سفن الأغلبية الأدرى بحدود طموح قائدها و منتهى أطماعه الجنونية حتى هذا الحوار المزمع ...

الحالة الإقتصادية المتردية التي تعيشها موريانيا من إرتفاع للأسعار مع مرتبات السبعينات التي أدخلت القرن الواحد و العشرون بكل صفاقة إقتصادية تتحملها حكومات متعاقبة متمالئة حد الخيانة و في ظل تهاوي مؤسسات إقتصادية واحدة تلو الأخرى تحت وطأة إحتكار مقدرات الدولة على شخص عزيز و ابن عزيز و ابن عم عزيز و نائب عزيز و صحفي عزيز و جندي عزيز و كل ما هو غير عزيز فليس له حظ من هذا الوطن ... هذا على المستوى الخاص ...

أما على المستوى العام فتعتمد الميزانية السنوية على الصيد و المعادن  ...

الميزانية الحالية أُعتمدت بعد إلغاء إتفاقية الصيد مع الجانب الأوروبي و بعد أن شاع طلبه حصة السمسرة المعروفة و حين لم يؤدوها عرقل و تحجج فنزعوا أيديهم منه حفاظا على مصالح شعوبهم و ذلك ظننا بعزيز و لا نزكيه و لن نفعل حتى و لو سكنا مع ولد محم في القعر الأسفل لحزب النفاق من أجل الجمهورية و عربدنا كحفنة من قطاع الطرق بعد يوم من النهب و السلب في القصر الرئاسي ...

القروض توقفت بسبب الأزمات الإقتصادية العالمية والفساد وعدم وجود نظام إقتصادي سليم يشجع رؤوس الأموال الأجنبية ...

يقول أحدهم إنه لولا الحظ لكان أدولف هتلر مجرد نكرة مجنون لا يُلقى له بال في شوارع ألمانيا و لولا سعر الحديد المرتفع إبان انقلاب عزيز لما صمدت سنيم  و لولا الظروف السياسية الدولية  لما تذكرنا حتى  إسم عزيز

لم يبقى إلا المعادن وقد إتفق أكبر مصدروه كندا و أوستراليا والبرازيل على خفضه من 120 دولار للطن إلى 60 دولار للطن ضاربين به شركات صينية فتهاوت سنيم ليدخل عزيز ونظامه أزمات إقتصادية وسياسية متأصلة وبوادر أزمات إجتماعية لخَّص كل ذلك إضراب عمال شركة سنيم وهنا لابد لنا من وقفة عظيمة معهم تعبر عن مدى إمتناننا لهكذا رجالات حملوا بلدا بكامله على ظهورهم طوال هذه السنين رغم الجراحات ...

الإضراب عن العمل حق لكل أحد سيما إذا كان بهذا المستوى من الوعي ذلك أنهم ضربوا مثالا حيا لكل العمال المسحوقين في هذا البلد الكبير الذي يحكمه رجل بحجم عزيز بل ضربوا مثالا لكل عمال العالم ...

هؤلاء العمال يطالبون بمجرد حصتهم  من أرباح الشركة المنصوص عليها وتفعيل بنود إتفاق لازالت الشركة تماطلهم فيه بعد أن إستخدموا معها كافة الوسائل الحضارية للتحسيس بواقعهم حتى وصلوا لمرحلة الإضراب عن شركة تجري في دمائهم وبدمائهم ، سخروا كل طاقاتهم في سبيل أن تبقى ...

لقد أصبحت سنيم مجرد إقطاعية و لابد من التمرد !

وهذه هي إجابة للسؤال الكبير المطروح منذ إنخفض سعر البترول عالميا في كل مكان إلا في موريتانيا ، متخذة الدولة ذلك الهامش بين السعر القديم و السعر الجديد للتغطية على خسائرها في عجز الميزانية لسنة 2015 في عملية نهب لم يسبق أن حدثت من قبل أي نظام سابق.

وفي كل يوم تظهر إحدى مُخرجات سنوات الفساد العجاف ليكون الحوار مطلب بقاء لا خيارا إنه أمل نظام متهالك ،

يُجمع العقلاء من مختلف الأطراف على أن هذآ النظام يحتضر لعدة أسباب أولها آلفساد على كافة المستويات لولا ترقيع فرنسا و الإهتمام الأمريكي المتزايد بالمنطقة لما قاوم كل هذه المدة  ومن ثم فإن صحة الرئيس نفسه تعتبر عامل ضعف كبير ففي الديكتاتوريات الهشة  كل شيء مرتبط بشخص الحاكم ...

و بعد أن أدركه الغرق نادى وزيره ببناء صرح للحوار و بثّ جنوده في المدينة حتى يستقطبوا من لان بسبب ما يعانيه هذا الشعب المطحون و غرته أماني النظام و وعوده المنقوضة أصلا ، فكان من ذلك أن ذهب محسن ابن الحاج خلسة ليجتمع مع ولد مولود بحضور ولد الواقف مأكدا لهم أن كلمته نافذة فطالبوا بالمواثيق المكتوبة من الرئيس شخصيا كبادرة حسن نية  فبهت مُحسن و خرج بخفي حنين ...

الحوار هو مطلب لكل الشعوب المتحضرة و كلما  زادت أدواته لديها كلما كان الإصلاح بأقل الأضرار المترتبة عليه ...

نعم للحوار مع العقول الراجحة و المفكرين و الساسة المحترمون ، نعم للحوار مع العمال المهمشين و مع الشباب الباحث عن عيش كريم و مع المصلحين ، نعم للحوار مع الأسعار المرتفعة ، نعم للحوار مع التعليم  و المناهج القديمة الفاسدة ، نعم للحوار مع المستشفيات المريضة  ، نعم للحوار حين ما يكون للتنمية و للذوبان في جسد واحد تتمازج فيها مختلف الشرائح و الأفكار النيرة للنهوض بوطن جامع ، ، نعم للحوار مع كل شيء ...

و لكن أيها الشعب الموريتاني كافة الحوار مع ولد عبد العزيز هو تآمر على المسحوقين و تلاعب بالتضحيات التي قدمتموها و خيانة عظمى للوطن ، هل أتاكم نبأ أن طاغية حاور في التاريخ إلا ليقول ما أريكم إلا ما أرى ...

ولد عبد العزيز يغرق و قد ألقى إليكم بسحره فلا تمدوه بحبل النجاة ، و احفظوها جيدا ...

23. فبراير 2015 - 8:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا