إعلام التطرف...خطريهدد رسالة الإسلام / محمد سالم ولد الداه

ليس من بيننا من لا يدرك خطورة الحرب الإعلامية الراهنة التي أصبحت تشكل مشغلا للكثيرين، وهي الحرب التي استغلت فيها بشكل لافت مفرزات التقانة الحديثة وما صاحبها من تدفق للمعلومات، وسيطرة ممنهجة على العقول، ولأن إعلام اليوم يقوم على صناعة التباين

باعتماد المفاهيم السلبية، والتركيز على الإثارة كأسلوب للوصول إلى الأهداف المرسومة سلفا بالنسبة لصانعيه، فهو بذلك يتخلى عن مسؤوليته الأولى وهي الإخبار وما يحيط به من قدسية وما ينبغي أن يحتكم إليه من قواعد مهنية وأخلاقية. فغلبة الأسلوب في تناول أي مادة إعلامية هو ما يفضى إلى تحديد كمية وكيفية تدفق المعلومة وآلية السيطرة الفكرية من خلالها.
وقديما أدرك العرب أهمية الإتصال وتأثيره وكنهه ودلالاته في عملية التواصل بكل أركانها، وكانت أدواتهم في ذلك تعتمد على حركيتهم التجارية وتبادلهم القبلي وتنوعهم العقدي، مما سهل انتقال الأفكار والمعلومات و ساهم في ابتكار مواسم ولقاءات للتواصل غلب عليها التنافس في الجانب الثقافي والأدبي  وإن بمسحة عصبية، لكنهم كانوا يدركون مبتغاهم التواصلي من خلال خلق مناخ للحوار والتبادل والتلاقي مما خفف في بعض الأحيان من اللجوء إلى لغة السيف والخيل السائدة آنذاك.
وقد اعتمدت رسالة الإسلام بدورها وما حملته من تصور كامل للحياة الدينية على وسائط مركزية هامة،  انطلقت من لغة الفكر والعقل من خلال  مرجعية نص القرآن الكريم و وما تلاه لاحقا من نصوص السنة النبوية الشريفة وما شكلاه معا  من مرتكز أساسي لشرعة الإسلام، التي قامت على أسلوب متفرد أنتج الحوار الحميمي داخل مجتمع تجذرت فيه الغلظة وعرف الكثير من  التراتبية والتفاخر بالأنساب ، لكن الاختيار الموفق للأسلوب في التبليغ ورفض الجدل وتوابعه هو ما أفسح المجال لاختراق مجتمع الجهالة بالتي هي أحسن إلاَّ من  بغى وأبى وتجبر.
لقد رسم منهج الرسالة الإسلامية أحسن السبل وأيسرها شكلا، ومضمونا، وصياغة لتحرير الأبعاد والمحاور المركزية لرسالة الإسلام الصالحة لكل زمان ومكان، وأي دارس لهذه المرحلة سيعرف أنها وضعت أسسا صلبة لمفهوم الإعلام  والاتصال بمختلف وسائطه وأهمية توظيفه، لصالح نشر الإسلام وقيمه السمحة وأخلاقه الحميدة، وفق منهج دعوي سليم يستند للقدوة الحسنة ويساهم في استمرارنقاء صورة الإسلام والنأي به عن الشبهات ومصيدة الفتن النائمة.
لكن إعلام الإثارة والفتنة الذي ظهر مع حركات  دينية متطرفة استغل  ثورة المعلومات وقوة انتشار الوسائط التكنلوجية المعاصرة بكل تصانيفها مدعوما بكم هائل من الفتاوى المجهولة المصدر والمبتغى، أصبح يشكل خطورة كبيرة على منهج الملة البيضاء بفعل بروزمنتوج إعلامي يرفع شعارات الإسلام  ليأخذ لبوس القداسة  وليتمكن بعد حين من  بسط تأثيره القوي، ويعمل علي غسيل الأدمغة وتهيئة الأرضية للاستقطاب المتنامي لشباب الأمة، والزج بهم في مستنقع أفكار الظلام والجهل التي لا تمت بصلة للإسلام وسماحته ووسطيته.
  إن مخاطر راهنة ومستقبلية كبيرة  ومتشعبة تهددنا جميعا بفعل تسهيل مفرزات التقانة واستغلال الملتيمديا لعملية اختراق واستقطاب شبابنا في المجتمعات ذات البيئة المعقدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو ما يستدعي من النخب والإنتليجينسيا العربية والإسلامية بمختلف اهتماماتها الفكرية أن  تقف في وجه الاختراق الممنهج والخطير للإعلام بمختلف وسائطه، وفي مقدمة أولئك العلماء والكتاب والمفكرون وكل من له صلة بصناعة الرأي العام والتأثير في اتجاهاته، واستغلال كل أنواع أدوات الإعلام والاتصال في تقديم المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل ممرا آمنا لنشر الصور المشوهة للإسلام وخلط مفاهيمه وتعاليمه السمحة المهددة اليوم  بكم هائل من المواد  الإ علامية التي تعتمد قوة وقع  رسالة الصوت والصورة وتحاول عبر كل أساليب التأثير أن تخلق إعلاما بديلا يعتمد الترهيب والقتل والحرق سبيلا لتحقيق أهدافه الخطيرة التي لا شك أنها أهداف تسعى إلى تشويه صورة الإسلام.

25. فبراير 2015 - 20:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا