بدأت كرة الحوار تتدحرج من مرمي المعارضة إلي ملعب الموالاة ،ورئيسها ،ووزيرها الناطق باسمها ،و خرجت لجنة المنتدى المكلفة بإعداد ورقة الممهدات بتوافق كبير. لكن أطرافا في المعارضة والنظام قد لا ترتاح لهذا الإنجاز الهام ..فماهي أهمية هذه الممهدات ؟ وهل هي شروط ضرورية
لإجراء الحوار ؟ أم أن فصاحة الوزير إزيدبيه سوف تجد تأويلا مناسبا (ولو علي مستوي اللغة العربية) لرفض النظام المعلن للشروط وقبوله للممهدات؟
بعد أخذ ورد وتلويح وتهديد ظهر حزب تكتل القوي الديمقراطية أكثر حنكة وقدرة علي تفنيد المزاعم والإدعاءات والقراءات الخاطئة ، وتمنًت بعض القوي السياسية في المقابل رغبتها في تخلف التكتل عن صفوف المعارضة ،وأظهرت المولاة فرحا شديدا بهذا الوضع؛ ورأت فيه فرصتها لالتقاط نفس جديد من خلال حوار سريع مع جزء واحد من أجزاء معارضة مفككة ، واجتمعت حول زعيمها وأصدرت بياناتها الداعمة للحوار، وسربت أقوال رئيسها في الاجتماع والتي تضمنت إشارة لافته عندما قال: إنه مستعد للحوار مع من يحضر..وربما أسال ذلك لعاب الشخصيات والأحزاب الوهمية في المنتدى ودفعها إلي الضغط علي اللجنة لإنهاء المناقشات وحسم الأمور لصالح رفض طلبات التكتل ...
إلا أن حكمة بعض الأعضاء والشخصيات المؤثرة نجحت في ردم الهوة بين الأطراف في اللجنة ؛وقد قبل التكتل ترحيل بعض مطالبه إلي بنود الحوار ك: (تصريح الرئيس بممتلكاته والتحقيق في صفقات الفساد). وقبلت اللجنة يدورها ضم شرط إعادة النظر في وضعية فرقة حرس الرآسة المسماة:(بازب)إلي بنود الممهدات الأساسية لإجراء الحوار. لكن أحدا في اللجنة أو المنتدى لم يقل بشكل صريح إن هذه الممهدات تعد شروطا لابد من تنفيذها لكي يبدأ الحوار . ويبدوا أن الصيغة التي سيعبر عنها المنتدى في الوثيقة النهائية لن تكون صارمة أو حادة في التعبير ، وستعتبر أنه يكفي أن يستجيب النظام لجزء من الممهدات حتى يعد ذلك كافيا لإجرائه..
إن من أبرز الممهدات التي تم الاتفاق عليها بالإضافة إلي قضية "بازب" يمكن أن نستعرض النقاط التالية:
- القيام بإجراءات سريعة لخفض أسعار المحروقات التي أصبحت ملحة في ظل تراجع الأسعار العالمية لهذه المادة الحيوية وكذلك بقية أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية لحياة المواطنين.
- فتح وسائل الإعلام العمومي أمام جميع المواطنين وأحزابهم ومنظماتهم وهيئاتهم المدنية ..
- ولوج الموظفين المعارضين إلي كل المناصب في الدولة حسب الاستحقاق الوظيفي ورفع الظلم عن المتضرر منهم إثر مواقفه السياسية..
- مراقبة عمل الحالة المدنية بما يضمن الشفافية في عمل هذه الهيئة الهامة والسماح للعائدين باستكمال إجراءاتهم القانونية المتبقية ..
- إلغاء مذكرة التوقيف ضد المواطن الموريتاني: المصطفي ولد الإمام الشافي والتي تعد تعديا غير مبرر علي الحريات الفردية وتصفية للحسابات السياسية مع الخصوم .
- إعادة الاعتبار للقاضي محمد الأمين ولد المختار ولد النينين الذي تعرض لفصل تعسفي وتدخل سافر في مجريات العدالة وحقوق القضاء الشرفاء.
- إطلاق سراح السجناء الحقوقيين المسجونين دون مبرر واضح واستنادا إلي ممارستهم لحقهم في التظاهر السلمي ..
- رفع الظلم عن الصحفي ماموني ولد المختار الذي يعد رمزا وطنيا ومثالا في المهنية والموضوعية والأخلاق ..
إن هذه الممهدات هي بالفعل شروط للحوار مع النظام ،لكنها لن تكلفه أكثر من تنفيذ القوانين وإرسال رسائل ضرورية لطمأنة الرأي العام الوطني، وبعث الثقة في صفوف المواطنين الموريتانيين وجعلهم ينظرون بجدية إلي مايمكن أن يتوصل إليه الحوار ..
إن بعض المستفيدين من النظام بطرق غير شرعية والمفسدين المعروفين لن ينظروا إلي هذه الممهدات إلا بوصفها استفزازا مقصودا من أجنحة في معارضة طالما صوروها علي أنها متطرفة وغير مسؤولة ، لكن ذلك كله سيكون بمثابة اختبار حقيقي لإرادة الرئيس، وقدرته علي التصرف بشجاعة ووطنية، وتغليبه لمصلحة البلاد في اجتياز أزمتها السياسية المزمنة ،التي عرقلت مسيرة البناء والتنمية ،وعطلت المشاركة الفاعلة لكل القدرات والخبرات الوطنية ..