فللموت أحلى / عبد الله ولد محمد الحسن

تسوقك الأقدار ويتحتم عليك أن تبيت رفقة مريض في أكبر مجزرة عرفتها في التاريخ القديم والوسيط والحديث، ويكاد الغضب يقتلك وأنت تقرأ عند البوابة الخارجية مركز الاستطباب الوطني ولا يتعدى العنوان البوابة الخارجية وبعض المعدات "الطبية" لعلها هي نصيب الدولة ومن تركة

 ما قبل الفراعنة، حالها حال المباني المتهالك.. ولا ترقى أخلاق معظم الطاقم العامل في القطاع إلا لتزيد الوضعية صعوبة و تعقيدا... "وهنا لا أريد التعميم رغم كون من أعني هم الأغلبية الساحقة"
ينهرك حارس غليظ شديد عن بوابة حائط متواضع يذكر بالحيطان التي ينصبها رجال الأعمال من أجل استغلال قطع أرضية انتزعوها من فقراء ولايات انواكشوط، فيما يذكرك بابه بأبواب السجون ووسط الحائط تجد صالات صغيرة يزدحم فيها مرضى كثر مع مرافقيهم وزائريهم، لكي تسهل عملية تبادل العدوى ولإثبات عدم احترام ولا الحنان على مريض ربما يزداد وضعه سوءا بسبب كشفه أمام الآخرين، لكن ببراعة أريد له أن لا يبالي بأي من ذلك فلابد أنه سيتفاجأ بحجم ما ينتظره عندما يضع جنبه على السرير الذي يراود ليثبت وقد مل وأرهقه التآكل.
وتتواصل فقرات أدراما فلم من إنتاج المواطن القابع وراء قضبان الرضا السكوت.. قبل الحكومات المتعاقبة واللائذة بالفرار عن وضع النقاط على الحروف.
ويقبل الممرض غالبا وبوجه أرهقه الوقوف على الشارع تحت رحمة الشمس الحارقة بحثا عن سيارة أجر وقد خلف وراءه سبعة من الأولاد لم يتناولوا وجبة الفطور الصباحية، ويضع جهازا لقياس ضغط الدم وبعض الإجراءات المستعجلة فالغرف المكتظة من المرضى تنتظره في نفس المهمة، ويكتب ما شاء الله أن يكتب من فحوصات وأدوية ويأمر بحجز المريض .
يقع المريض مغشيا عليه من شدة الألم ويحس بثقل يعكر صوف عالمه الخاص، وتتقارب دقات قلوب أهليه ومرافقيه أين بإمكانهم الاتجاه في غابة مظلمة..؟ كل الأجهزة فيها معطلة أو تعاني من مشاكل فنية أو بداخلها بعض الخفافيش والفيران التي تتخذ منها سكنا..، وحتى الأدوية مقسمة إلى قسمين قسم صناعات رديئة وذات فعالية متواضعة إن كانت لها فعالية، والقسم الآخر أدوية منتهية الصلاحية وكلتاهما تباع بأسعار باهظة إلى جانب الفحوصات التي لا تكشف الحقيقة مع طول المواعيد وعدم الدقة.
ولا تكاد عقارب الساعة وتشير إلى الساعة الرابعة بعد الظهر حتى يعلن البعوض عن ميلاد ثورة جديدة عارمة تعكر صفو الجميع ولا تفصل بين مريض ألفها وزائد لم يتوقع احتفالية منظمة وبهذا الكم الذي لا أحد يتوقعه ويتطاير مع الهوى بكل الاتجاهات في حرية تامة فلا إجراء ضده ولا حماية منه...
وبعد العودة من المسجد بعد صلاة الصبح تتفاجأ بأخيك تخنقه العبرات ويحسب دموعه فقد آثر المريض الاحتجاج على طريقته الخاصة والبحث عن مكان بعيد عن هذا العالم وأسلم الروح خالقها فهو أرحم بها وأشفق عليها .
رحم الله محمد ولد مولود وأغنانا وإياكم عن المجازر المسمات مجازا مستشفيات وشفى الله مرضانا ومرضاكم ومرضى جميع المسلمين ورحم موتانا وموتاكم موتى جميع المسلمين وللموت أحلى من الحجز في مركز الاستطباب الوطني.

2. مارس 2015 - 0:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا