في إحدي ليالي الخريف الماضية كنت ذاهبا من قرية البصرة التابعة لبلدية أكجرت بمقاطعة لعيون , متجها إلي قرية كوبير التابعة لبلدية تيمزين بمقاطعة كوبني وعندما قطعت حوالي ثلاثين كلم وكانت عقارب الساعة تشير إلي العاشرة, إذا بأنوار تتلألأ وسط منحدر تحيط به مرتفعات
رملية من الجنوب والشمال, كان هذا المنحدر خاليا من الأحياء, فأوجست فى نفسي خيفة, وحسبته نفرا من الجن يترصدني في هذه الفيافي المظلمة, لأكتشف لاحقا أنها أضواء قادمة من مدينة يقال لها ترمسة, أنشأت حديثا بمباردة من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز,
كان المنظر مدهشا ورائعا ومحيرا فى الآن ذاته, وأقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة,
فمن كان يحلم, بل من كان يخطر على باله, أن يري أضواء الكهرباء في تلك المنطقة الخلاء, إنه فعلا إنجاز كبير والحق أحق أن يقال.
فى تلك المنطقة المعروفة سابقا (باعوينات لحنش) -والتسمية هنا تكفي اللبيب- كان السكان يعتمدون على مواشيهم وينتقلون حيث ما وجدت المراعي وتوفر الكلأ؛
لاعلاقة لهم بالدولة وأنظمتها وحكوماتها المتعاقبة , أحري أن يتطلعوا إلى المستشفيات والطرق والكهرباء والأمن والمياه وغيرها من تجهيزات المدن.إلى أن جاء نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتبني إستيراتيجية بناءة تهدف إلي القضاء على ظاهرة التقري الفوضوي بإعتباره عائقا فعليا للتنمية فأنشأ في تلك الارض السائبة مدينة ترمسة طبقا للنظم العصرية وتخطيط يطابق المعايير الحديثة, بها مدرسة تتكون من ستة فصول ومجمع ديني يضم قسما لمحو الأمية وتعليم الكبار, إضافة إلى مركز إستطباب من أحسن مايكون, هذا فضلا عن شبكة كهربائية تتكون من محطة هجينة قدرتها مائة وستة وعشرون كيلو وات, تعمل بالطاقتين الشمسية والمائية, وخمسة كيلو (فولت آبير) حرارية، وشبكة بطول خمسة عشر كيلو مترا من الجهد المتوسط, وإثني عشر كيلو مترا من الجهد المنخفض و ثلاثة مائة توصلة مجانية، إضافة إلى نظام للشحن والتفريغ.
زيادة على ذلك أنشأت الدولة مباني إدارية وأمنية كبيرة بالمدينة.
اليوم وبعد مرور أربع سنوات على تجربة "تجمع ترمسة" وصل إلى العاصمة نواكشوط نفر من سكان التجمع, نظموا وقفة إحتجاجية أمام القصر الرئاسي طلبا لتحسين وتطوير خدمات المياه والصحة والتعليم, كم هو أمر رائع أن نري هؤلاء السكان الطيبين المهمشين من قبل يتظاهرون أمام باحات القصر الرئاسي – صاروا يدركون أن الدولة موجودة والقصر الرئاسي موجود وبداخله رئيس بإمكانه أن يلبي مطالبهم – وهم على الفطرة .
إستغل البعض هذا الحدث, ليعتبره دليلا علي فشل إنشاء فكرة التجمع "وبرهانا على " السياسات الارتجالية للرئيس محمد ولد عبد العزيز" كما يقول
بيد أن حدثا كهذا في حد ذاته ينبغي أن يثلج الصدور, فتظاهرات القوم دليل على تنامي الوعي بالحقوق, وذاك لعمري يمثل نقلة نوعية في عقلية التمرسيين , ما كانت لتجد طريقها لولا الاصلاحات الحقيقية لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز والتى إنفرد بها عن غيره من الرؤساء السابقين
ومن الطبيعي أن تتعالى اليوم المظاهرات والوقفات المحملتين بمطالب الناس, ليس لأن المجتمع كان ملجما من قبل حكومات سلفت وخلع اللجام فقط, بل لأنها حالة طبيعية وصحية تجتاح أعرق الديمقراطيات في العالم، وقدوم سكان ترمسة من الحوض الغربي إلى العاصمة نواكشوط من أجل إيصال صوتهم, لخير دليل على ذلك,
المنصف منا ينبغي أن يعي ويتفهم, أن التغيير لايمكن أن يتم بين عشية وضحاها بل هو نتاج صيرورة من الاصلاحات والتجاوزات المستمرة, خاصة إذا كانت الدولة تعاني من تراكمات خطيرة خلفتها عقود من الفساد والاستبداد, نشهد إنجازات في مختلف المجالات, لا تخطئها عين عاقل, يقود تلك الانجازات رئيس يمتلك الرغبة الحقيقية والجادة في التغيير البناء, ولا يفتئ يخاطب كافة شرائح المجتمع, وبخاصة الشباب, يستمع لهم ويأخذ من أفكارهم الجديدة والطموحة ما يساعده في إستكمال مسيرته في إصلاح الدولة والمؤسسات, بل إن إنفتاحه يشمل حتى معارضية, وما الرغبة المتكرة في الحوار وتنظيم الأيام التفكيرية, والدعوات, سوى دليل على صدق النية والرغبة في الاصلاح.
واقع سكان تجمع ترمسة اليوم أفضل بعشرات المرات من واقعهم من ماكان عليه إلى وقت قريب .
وللأمانة واكبت إستقبال رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية للسكان القادمين من ترمسة, والذي نسقه الكوري ولد عبد المولى حيث خصص لهم رئيس الحزب الكثيرمن وقته, وإستمع بشكل متأن ومسؤول إلى مطالبهم, وتعهد لهم بإيصالها بشكل عاجل إلي الجهات المعنية, كان إستقباله لهم بعيدا في نظري عن إتيكات البرجوازيين, وتملقات السياسيين, أو التخندق مع المتخندقين في بروج عاجية.
لم أكتب تملقا ولانفاقا ولاتزلفا , بل هو وصف لواقع وحقائق كان لزاما علي أن أشهد بها لأني عاينتها وعايشتها عن قرب, وكان لي الشرف أن أكون منبرا إعلاميا يوصل من خلاله أهالي ترمسه مطالبهم المحقة’ وأصواتهم المبحوحة للجهات المعنية, فهنيئا لسكان ترمسة على ما أنجز لهم سلفا, وهنيئا لرئيس الجمهورية يقول فيفعل, ويخطط فيعمل, وأرجو من أبناء وطننا جميعا, أن يضعوا أيديهم بيد الرئيس وأمثاله الغيورين على المصالح العامة بغية الرقي بهذا الوطن, كما أوصي نخبنا ومثقفيا أن يبعدوا تجاذباتهم السيزيفية جانبا فالوطن يحتاج إلى الجميع
دون معايرة أو تشف أو جمع لنقاط ضد خصم مصطنع لأغراض في نفس يعقوب, وأن يبادروا بطرح الحلول بدل التركيز على العثرات والاخطاء, ويعملوا على مد يد العون بدل التشف والازدراء, فالوطن أسمى من محاولة كسب نقاط على الخصم.