زيارة الحوضين ورهان الإخراج ! / محمد ولد الداده

حديث الساعة في مقاطعة الطينطان، على غرار مثيلاتها من مختلف مقاطعات الحوضين، لاصوت فيه يعلو فوق أصوات المتحدثين عن أبرز حدث تنتظره المنطقة في هذه الأيام ، وحُقّ للمتحدث أن يتحدث وللسامع أن يُصغي ويُنصت، وحُقّ لهما معا أن يفتحا باب الأمل على مصراعيْه، كيف لا ؟

 والموضوع هو زيارة عمل واطلاع سيقوم بها رئيس الجمهورية السيد / محمد ولد عبد العزيز لساكنة الحوضين.
و الحقيقة أن الزيارة وإن كانت حدثا مهما ويعلق أبناء المناطق المزورة الكثير من الآمال عليها
إلا ثمارها بالنسبة للمواطن البسيط ـ  غاية الرئيس وهدفه ــ تبقى رهينة كيفية إخراج رباعي  التحكم في بوصلة الزيارات عادة ( الديوان ، التشريفات ، الداخلية ، نزوات أطر المناطق المزورة المتلفِّعة بعباءة الهياكل الحزبية ومراكز النفوذ التقليدية ! )
والزيارة  كحدث سيادي، اجتماعي وسياسي وإنساني وتاريخي، ينبغي أن يتحوَّط القائمون على التحضير لها في المناطق المزورة وأن يبذلوا الجهد كل الجهد، في كل ما من شأنه أن يعمل على إنجاحها .
ولأن الزيارة هي الأولى من نوعها زمانا ومكانا فلا يمكن للمخيلة أن تفترض في تفاصيل مستقبل إخراجها أكثر من فرضيتين، أولاهما مستبعدة لأكثر من  مسوغ موضوعي  والفرضية الثانية احتمالية لأكثر من مسوغ موضوعي أيضا :
ـــ الفرضية الأولى : ترى أن الزيارة لن تكون استثناء وأن يد طابور الفساد الطويلة وقدرة لاعبيه على المناوبة بين الأقنعة والألوان، ستحتم غلبة الطابع الكرنفالي على الزيارة، حتى وإن كان ذلك عكس ما يهواه الرئيس ، لا لشيء إلا لأن الكرنفالية هي شاشة الإخراج الوحيدة التي ستمكن طابور ظل المفسدين من تمرير رسائل الزيف والتملق والنفاق السياسي وشتى صور الإفلاس على المستويين الأخلاقي والفكري .
لذا يعكف هؤلاء ومنذ لحظة الإعلان رسميا عن موعد الزيارة على التفنن في الطريقة التي سيحجبون بها هموم المواطن العادي ــ الذي هو غاية الزيارة وهدفها ــ عن عين الرئيس
مختزلين الأهداف التنموية و السياسية والاجتماعية والإنسانية للزيارة في مجرد حشود شعبية واستعراضات فلكلورية  يجمعها خيط ناظم واحد هو الفجاجة والميوعة،  والخواء المطلق .
وباختصار شديد ، فالزيارة حسب القائلين بفرضية الإخراج الأولى، لن تكون أكثر من مناسبة تتصدر فيها الزعامات التقليدية وطوابير المفسدين وأكلة المال العام، صفوف المستقبلين لرئيس الفقراء في انتظار أن يهمس كل واحد منهم في أذنه عند ما يفتح باب اللقاءات الجماهيرية ليعرب له وللوفد المرافق، أن جموع الجماهير التي استقبلتهم هي شيعته وقبيلته وأن شباب المنطقة ونساءها وحيَّها وميِّتها وإنسها وجنَّها، تحت إمرته معربا لفخامته في نهاية تلك الهمسة الطافحة بالمبالغات والتهويل، المترعــة بالتعميَّةِ وإخفاء الحقائق والتزويق، أن المنطقة المزورة بلغت الذروة في النماء والازدهار وأن الأوضاع فيها مثال يحتذي به في السِّلْم الأهليِّ ولا وجود في المنطقة ــ حسب الهامس الكريم ــ لمن يرفعون شعار شريحة أو فيئة أو قبيلة ، وساكنة المنطقة محصنة ، ولله الحمد، ضد كل داء بما في  ذلك داء الإيبولا، كما أن السنة في المنطقة المزورة، حسب الهامس الكريم دائما، سنة تعليم بامتياز ! و نطاق تغطيتها بالخدمات العمومية الأساسية كالماء، والصحة والكهرباء فاق نسبة ال" 200 % " والإدارة ــ حسب االهامس الكريم ــ أقرب إلى المواطن من شراك نعله وتتعامل معه بكل تفانٍ مهنية . 
أما الفرضية الثانية: فترى أن الزيارة تأتي في سياق تشريف السيد الرئيس لسكان المناطق الشرقية من البلاد التي سيجعل منها في مستهل هذه الزيارة، منطلق الترجمة الفعلية لمضامين خطاب المأمورية الثانية في الثالث من أغسطس 2014 ، ذلك الخطاب الذي أعاد الرئيس فيه حجز مكانه في المأمورية الثانية إلى جانب الفقراء والمهمشين من أبناء شعبه، معترفا بما لهم عليه من ديْنٍ مستحق، حيث قال بالحرف : " لقد ظلت مكافحة الفقر هاجسا تنمويا أخذت مبكرا على نفسي عهدا بان انهض به. ولا زلت أشعر رغم أهمية ما أنجز في المأمورية المنصرمة ، ان للفقراء من مواطني الأعزاء في آدوابه والأرياف والقرى والأحياء الشعبية دينا مستحقا في ذمتي. وفي هذا السياق فان جهود السلطات العمومية ستنصب على توفير الخدمات الأساسية وتكثيف الدعم للنشاطات المدرة للدخل وتشييد المزيد من البنى التحتية باعتبارها رافعة أساسية لتنشيط الدورة الاقتصادية "
وفي اعتقادنا أن من كان هذا خطابه ستكون زيارته شعبية وشعبية بامتياز ولن يضع أبدا على عينيه، نظارات أي من أولئك الأطر المخضرمين المفسدين المستنفرين للشعوب عند الفزع، الموصدين للأبواب في وجوههم عند الطمع، وهو القائل بالحرف في خطاب المأمورية الثانية : " سنسهر على مواصلة محاربة الفساد، واستحداث الآليات القانونية الملائمة للقضاء نهائيا على الرشوة والممارسات المخلة بقواعد الحكامة الرشيدة. فالفساد عائق حقيقي في وجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية وستظل مكافحته من أولى الأولويات ، خلال المأمورية الرئاسية الجديدة "
كما أن معانقة رئيس الجمهورية للشؤون الاجتماعية بما فيها الهموم النسائية والشبابية تحتم عليه أن لا يقبل وسطاء ـ أثناء هذه الزيار ــ بينه وبين هتين الفئتين من المجتمع، وهو القائل بالحرف في خطاب المأمورية الثانية : " سنعمل خلال السنوات الخمس المقبلة بإذن الله تعالى على ان يحتل الشباب الموريتاني والنساء الموريتانيات المكانة اللائقة بهم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"
وغلبة الظن عندي، أن طبول الكرنفالية التي بدأ خريجو مدرسة الحزب الجمهوري الديمقراطي يدقونها بهدف مشاغلة رئيس الجمهورية عن الإنصات لأصوات البسطاء والمهمشين المحليين، الذين سيكاشفونه بها، بعيدا عن أدبيات  الإطراء و التزلف، لن يقبل رئيس الجمهورية بها كبديل عن الإنصات لهموم مواطنيه
و نعتقد جازمين، أنه لن يكون في قاموس زيارة من تسمى برئيس الفقراء وكرس وقته وجهده لنهضة هذا الوطن وتجشم عناء السفر بين الحواضر والأرياف، وكسَر روتين التواري عن الأضواء والتحجب في القصور، ولم يعر كبير اهتمام للأبهة والسلطان، لن يكون همه أبدا غير الاستماع لهموم المواطن البسيط دونما وسيط أو ترجمان, إلا أن رهان إخراج الزيارة لن ينكشف مستوره قبل انبلاج فجر يومها الأول حيث ستكون الخطوط العريضة لتفاصيل إخراج المحطة الأولى بداية التعرف على الملامح العامة لباقي المحطات، وذلك لوجود قواسم مشتركة بين محطات الزيارة وإن اختلفت الأماكن  . 

6. مارس 2015 - 19:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا