إصلاح التعليم هو حديث العام إن لم نقل حديث الساعة في موريتانيا خلال
هذه السنة: (2015) التي أعلنها رئيس الجمهورية سنة للتعليم ومنذ تم
الإعلان والناس في شغل بالأمر وهم بين مشكك ومتهكم ومنتظر على أحر من
الجمر لموطن فشل أوسقطة هنا أو هناك ليعلن فشل السنة أو منتظر لأي بارقة
أمل أو نجاح ليعلن نجاح السنة وكأننا في حملة انتخابية تحسم في أيام
معدودة ولسنا أمام تعليم فاسد بشهادة الجميع ويتطلب إصلاحه سنوات وانتظار
نتائج الإصلاح سنوات أكثر، وعلى الرغم من ذالك فلم تخل الساحة من بعض
المتعاطين إيجابا وبجدية مع الموضوع فقد تحث فيه كثيرون وكتب عنه كثيرون
أيضا إلا أنه ولحد الآن لم أر بعد فيم اطلعت عليه رغم أهميته من وضع
الإصبع على مكان الوجع من حيث توضيح معالم الطريق إلى الإصلاح بشكل غير
ملتبس وخال من اللف والدوران، ومن هنا أريد أن أقول وبالمختصر المفيد إن
آخر هذا التعليم لن يصلح إلا بما صلح به أوله وذالك من خلال إعادة النظر
في إصلاح أربعة أركان أساسية هي التي يقوم عليها أي تعليم ناجح في العالم
ومتى تمكنا من إقامة هذه الأركان على نحو صحيح حصلنا على تعليم ناجح
وفعال و سأحاول فيما يلي أن أقدم شرحا مفصلا يتضمن تصورا شاملا لهذه
الأركان عبر النقاط التالية:
1 ـــ الركن الأول: المناهج التربوية : ويقوم إصلاح هذاالركن على ثلاث
قضايا بارزة هي : المحتوى العلمي، لغة التدريس، رسم الأهداف المنشودة من
التعليم برمته.
ـــ فأما قضية المحتوى فيجب أن يعد لكل مرحلة من مراحل تعليمنا محتوى
علميا يتناسب مع سن وقدرات الطلاب المستهدفين فيها ويجب أن تكون
المعلومات المقدمة فيه دقيقة وفي ثوب لغوي وتنظيمي يساعد على سهولة
تقديمها وتلقيها.
ـــ وبالنسبة للغة التدريس فيجب على الدولة الموريتانية أن تعتمد لغة
واحدة موحدة لتدريس أبنائها هي اللغة العربية وذالك لمسألتين:
أولا: أنه لاتقدم للتعليم ولانجاح له في أي بلد مالم يكن باللغة الوطنية
الأولى لذالك البلد، وقد أثبتت التجارب ذالك في إيران وكوريا والصين وبدأ
كثير من الدول يراجع هذه القضية بجد
ثانيا : أن أكذوبة عدم قابلية اللغة العربية لتدريس المواد العلمية وأنه
لايمكن تدريسها إلا بالفرنسي أو الانكليزية لم تعد قائمة حين ثبت زيفها
وفشلها في البلدان التي ذكرنا والتي درست بلغاتها وفي التجربة السورية
والعراقية من قبل الذين كان لهما تعليم ناجح في مختلف المجالات كالطب
والهندسة ... وكان تعليمهما باللغة العربية.
ـــ وأما رسم أهداف التعليم : فيجب على الدولة الموريتانية أن تحدد
ماتريد لخريج المدرسة الموريتانية أن يكون في نهاية المطاف وأن تراعي في
ذالك القضايا التالية :
أولا: يجب أن يتخرج الطالب الموريتاني (المسلم) ولديه رصيد معرفي
بالشريعة الاسلامية يمكنه من معرفة فرض عينه ومن أداء واجبه الديني أيا
كان هذاالطالب وأيا كان تخصصه الأكاديمي
ثانيا : على صعيد التخصص يجب على نظامنا التربوي أن يراعي متطلبات سوق
العمل لدينا أولا وأن يوفر كافة الاخنصاصات المعرفية في العالم ويمكن
الطالب الموريتاني من دراستها في بلده ثانيا
ثالثا : يجب أن يتخرج الطالب من المدرسة الموريتانية أيا كان وهو يتقن
اللغتين العربية والفرنسية بغض النظر عن تخصصه ذالك لأن اللغة العربية هي
اللغة الوطنية الأولى وهي لغة الدراسة والعمل كما يفترض أن تكون ولأن
اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية لكل البلدن المجورة لنا وهي أيضا اللغة
الرسمية الأولى لأكثر بلدان قارتنا الإفريقية إضافة إلى أنه لغة جيلنا
الأول ولاتعارض بين معرفتنا لها وبين تمسكنا بلغتنا الرسمية كما يظن
البعض.
2 الركن الثاني : العنصر البشري: ( المدرسين والإداريين في كافة مراحل
التعليم) ويجب أن يقوم الإصلاح في هذاالركن على التأهيل الجيد لهذاالعنصر
البشري واعتماد الكفاءة في إسناد المسؤوليات بالنسبة للإداريين بعيدا عن
المحسوبية والزبونية،كما يجب إنشاء واعتماد برنامج ينظم القطاع ويحدد رتب
كل مراحله والفروق المادية والعملية بين أصحابها بشكل واضح ومقنع كما في
كل بلدان العالم مع تفعيل سلك تفتيش للتعليم الثانوي، إضافة إلى العمل
بشكل جدي على جعل كل العاملين في القطاع في ظروف مادية مقبولة ترفع من
مستواه المادي والمعنوي بحيث لايقل دخل العامل في هذاالقطاع عن 200 ألف
أوقية شهريا ، واعتماد مبدأ المكافأة والعقوبة والشفافية في الترقيات على
أن تكون وفقا لمعايير واضحة ومعروفة للجميع.
3 ــ الركن الثالث : البنى التحتية : ويهدف إصلاح هذا الركن إلى العمل
على ترميم وإصلاح وزيادة المباني والمنشآت التعليمية على كافة التراب
الوطني حتى يكون الطلاب والمدرسون يقضون أوقات الدوام الدراسي في ظروف
مكانية ملائمة ومساعدة على العطاء والتلقي تستجيب للمعايير المعمارية
المعروفة عالميا وتربويا للمنشآت الدراسية حسب المرحلة التربوية .
4 ــ الركن الرابع: آليات الإصلاح والتطبيق: وهذا هو الركن الأهم لأن
نتيجة الأركان السابقة متوقفة عليه وهو يقوم على جملة الإجراءات والشروط
التي يجب توفرها كي يتحقق كل ماذكرنا سابقا ومن أهمها:
ــ الإرادة السياسية الجادة والمصممة على تنفيذ كل المقترحات والمخططات
النظرية ونقلها من حيز الطرح النظري إلى التطبيق الفعلي.
ـــ التخلص من العوائق المحتملة ومن أهمها الشروع الفوري فيما أسميه هنا
(التطهير ) وأقصد تطهير القطاع من لوب الفساد المهترئ والمتمثل في
مجموعة من الأشخاص عشعش الفساد في تفكيرها وعملها ولم يعد يهمها إلا أن
تقف حجر عثرة أمام كل إصلاح لأنها كالأسماك لاتستطيع العيش إلا في بحر من
الفساد فهؤلاء يجب التخلص منهم بأية طريقة.
ـــ رفع ميزانية التعليم واعتباره قطاعا حيويا يتربع على رأس الأولويات
في الاستثمار فيه
ـــ اعتماد مبدإ التدرج فلا يصح أن نقول إننا نستطيع أن نحل مشكل
التعليم وأن نحقق فيه كل ما نطمح إليه في وقت قصير كستة أو سنتين.
فلا بد إذن من إعداد دراسة شاملة لهذه الأركان الأربعة التي أدى تكاملها
من قبل إلى صلاح أول تعليمنا مــــــــــع بعض الملاحظات نتيجة للمرحلة
آنذاك لأن تعميق البحث فيها سيمكن من وضع إستراتيجية فعالة وقابلة
للتنفيذ وصولا إلى حل حقيقي لمشكل التعليم.