اسنيم .. سقوط ورقة التوت / د. دداه محمد الأمين الهادي

يتابع عمال اسنيم إضرابهم عن العمل، رافضين الخنوع والانصياع لآخر أدوات الإمبريالية الوطنية فتكا، ألا وهي اللامبالاة بهم، وتركهم يواجهون أعباء الحياة فرادى ومجموعات بلا عمل، لكي يذوقوا ويلات الحرمان المصنوع من إرادة تواجه الغضب العمالي بالتعنت والكبرياء، لعلها تكسر جبروته،

فيستحيل إلى فقاعات صابون، يلعب بها أطفال الشوارع، وما أكثرهم في بلاد العم بلال، والعمة خديجة، في بلاد المطحونين في طاحونة الزمن، وعادياته، وغزواته، وحروبه، التي لطالما كدرت صفو الأنس الموريتاني، وأحالته جمرا، وعذابا، وآهات تئن بها النفوس المظلومة، التي يحرمها "النهبنوت" الوطني لقمة عيشها.
عمال اسنيم بصمودهم في وجه الجبروت الصامت يفجرون الوضع الاجتماعي الصامت هو أيضا منذ سنوات، حيث كان الإنسان الشنقيطي صبورا كسفينة الصحراء، ينغرس المخرز في جنبيه، فلا يتكلم، ولا يتألم، وتنهب دولته فلا يفتح فاه، وقد يبصق على وجهه، فيلوذ بالصمت، وكان ذلك سيكون مطلقا عاما، لولا وجود مقاومة وطنية يتحدث عنها، غالبت بطش السادية الاستعمارية ذات يوم من الأيام الخوالي، وساهمت في جعل من يريد "استحمار" الشعب الموريتاني يفكر في العواقب قبل اعتلاء ظهر الحمار أو الحمارة، التي ربما انقلبت تحته ديناميتا مميتا، وحملته إلى مثواه الأخير، كما حصل مع الطاغية اكزافيير كبلاني.
صمود عمال اسنيم هو بداية لصيف ساخن له ما بعده، وسيغير النظرة الدونية الراسخة في نظر البوليسية المحلية، وسيكون بطولة تدرس في التاريخ، وسيفتح المجال للشعب الموريتاني لكي يعيد حساباته، ويعيد تشكيل وكتابة المعادلة بقلم المجابهة والرفض، ومقارعة السلطة المستمدة من الشعب بسلطة أخرى سيدها هو الشعب ذاته، وهنا تبدأ الديموقراطية الحقيقية، ويقهر عدو الشعب الأصلف، الذي هو الاستبداد.
ولعل موريتانيا بدأت هي الأخرى تدخل إلى عالم تحقيق نبوءة الشعر الثائر، حيث تلتحق بمواكب خالدة أبي القاسم/الشابي، التي عنونها بإرادة الحياة، فقال فيها:
إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليـــل أن ينــــــجلي .. ولا بد للقيــــد أن ينكسر
نعم فللصبر على ما يبدو حدود تحده، وحين يحرم العمال من ضروريات العيش الكريم، وحين يراد منهم أن يكونوا حميرا لإرادة عابسة، لا ترحمهم، فإنهم سيكونون بالمرصاد، وسيحملون على عواتقهم مشعل الغد المتقد، وسيرفضون بكل طاقاتهم -التي بيعت يوما دون أن يشركوا في ثمنها- التعامل معهم بمنطق حكم السيد للعبد، فالاسترقاق كان نقطة سوداء على ضمير البشرية، وتم تجاوزه، ومن يريدون فرضه بأي نوع كان لن يجدوا آذانا صاغية، والثورات العربية كانت خير دليل على أن إرادة الحياة قادرة على إيقاف الظلم مهما استأسد، واستبسل في الدفاع عن منظومته المتطورة، فالشعوب بالوعي والإرادة تستحضر شياطين قوتها، وهي شياطين على الملة، وتعصف بمن يشربون من الكؤوش نتن عرقها المتصبب.
ثم إن أي قضية تبنى من جانب القوي على الظلم والاستبداد والديكتاتورية تفقد مقومات الوجود، ويجافيها النصر بالنسبة له، فتغدو قوة الحق أداة قاطعة في يد المقهور المظلوم، وما إن يتحرك حتى تتداعى أبنية وأخبية الظالم، ويسقط في فخ الحتمية التاريخية، التي جعلت من الفراعنة والجبابرة عبرة تسكن في التاريخ، وتصلح موضوعا للاعتبار والتسلية.
وإذا كانت الفرضيات المطروحة ترى أن اسنيم ستفوت إلى البيع، ومن البيع لخزينة الدولة، فإن الخزينة صارت تضاف للدولة مجازا لا حقيقة، فعلى ما يبدو ثمة ذئاب تكمل "النهبنوت" الوطني من مسلخ الخزينة، ومن المفترض أن تكون حيازة الشعب لشركة المناجم والحديد أمرا لا مساومة فيه، ومن مصلحة الشعب الموريتاني في الظرفية الراهنة الابقاء على ممتلكاته خاما من حديد، أو ذهب، أو تراب، ما دامت الأوراق النقدية هي أول ما يتعرض للنهب في الوطن، وتحال طازجة إلى بنوك اسويسرا، وفرنسا، والمغرب، والإمارات، تمهيدا للفرار الأكبر في تاريخ البلد، حيث من المتوقع أن يجازي الله كلا بنيته، فيعود "السنوسيون" الهاربون إلى الأرض بعد أن يتم نفضهم من مال الشعب، و يعون حينها فقط أن الله الذي حرم سرقة المال العام جعله لعنة على من يختلسه، ولو بعد حين.

8. مارس 2015 - 15:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا