بمناسبة خالصة للمرأة العالمية نستحضر كل ما هو نسائي وما هو تمرد من أجل رؤية ثورية ضد ظلم المرأة، وفي نفس الوقت رؤية علمية رصينة بنكهة أدبية رفيعة، الشيء الذي جعلنا نستوقف هذه المرة مع السرد النسوي الذي سبق لنا وكتبنا عنه لأنه بكل بساطة يستحق التوقف لمسحته
الحزينة والصادقة والمترعة بألم الظلم، فجاءت الرواية المعاصرة للمرأة العربية مرآة صافية لشجون الحريم وثقل التراث ...
انطلاقا من هذا حيث كنا قد أنهينا حلقتنا السالفة منذ عدة شهور لنهدي للمرأة العربية اليوم والتي تحتفل بعيد المرأة الغربية تجربة روائية قاتمة من قاع المعانات عن نموذج سردي نسوي من بلد عربي عريق، كان النموذج يستحق الكتابة عنه لأنه بكل المعاير الفنية والأدبية، عمل استثنائي لكاتبة استثنائية من طراز عفاف البطاينة التي رسمت بأناملها إبداع التمرد والثورة على مرارة السلطة الذكورية التي أذاقتها أقسى أنواع العذاب.....
صدرت هذه الرواية سنة 2004 عن دار الساقي اللبنانية، لكاتبة أردنية تعيش في أوربا، ويقول عنها الناقد عبد الله أبو رمان:
"إن هذا العمل الأدبي يمتلك سحرا مما، يجر القارئ لمتابعته حتى نهايته... وربما يكمن السر في المقدرة الاحترافية لدى الكاتبة على استعطاف القارئ، وتوريطه في الشعور بالأسى
إزاء هذه الطفلة ومن ثم الفتاة فالسيدة المظلومة، والشعور بالكراهية والقرف إزاء النموذج الذي تقدمه الكاتبة من خلال شخصية «الأب» وشخصيات أخرى عديدة.
لقد أصبح هذا العمل جزءا من المكتبة الأردنية، وبذلك فهو يستحق القراءة النقدية والمعالجة الموضوعية والتعاطي معه بمسؤولية تامة وبالحد الأدنى من الانفعال ... وهذه مسؤولية النقاد المحترفين، الذين يمتلكون من الأدوات العلمية ما لا يملكه قارئ عادي شغوف بالأدب".
لقد حظيت هذه التجربة- ذات الطعم المر لفتاة تعيش سجن مجتمع وقسوة أب متسلط - باهتمام كبير من طرف القراء، وقد كان لنصيب النظام القبلي دور في صياغة المشهد المترع بالألم والمعانات التي كان السبب الوحيد والكافي هو أنوثتها وتقول الباحثة ميسا قرعان عنها أيضا: "إن رواية خارج الجسد قد تناولت قضية الكبت والتسلط والوصاية التي يمارسها ذكور القبيلة على جسدها بأنها بسبب ما يمرون به من تجارب وبسبب خبراتهم وانحرافاتهم التي يمارسونها مع نساء من خارج القبيلة ، وبذا أشارت إلى الازدواجية والتناقض التي تنطوي عليها شخصية الرجل الشرقي أو الثقافة السائدة" .
هذه المعانات التي كانت مصدر إلهام الكاتبة، ففجرت بركانا تحت رماد الكبت والألم، تصفه لنا الكاتبة نفسها في صورة فنية غاية في الدقة وقوة الحبك، عندما ما تقول عن تجربتها مع مجتمعها الذكوري الذي سلبها الحياة لأنها أنثى قد وصلت لسن المراهقة فتقول: "تفتحت في رغبات المراهقة فخسرت جسدي وإرادتي وقراري وحركتي، ودخلت في دوائر الخوف والهزال....
سلبوا مني كل شيء حتى الأمل في الغد، وما تركوا لي إلا رغبتي في الموت. اندفعت إلى حضن الموت أبارك إيماني بلا شيء إلا هو. لكنهم كانوا بيني وبين الموت. منعوني من اختيار العدم الحقيقي، وأبقوني في عبثية عدمهم كلما فررت من قفص أدخلوني في آخر. قصوا أجنحتي، نتفوا ريشي، وكفنوني بالبياض لأسير بين الأحياء جسدا لا يعرف الحياة، أسير ميتة بينهم، لا أعرف الدفء ولا الأمان ولا أقدر على التحليق، أعرف جيدا الاحتراق، وأعرف كيف أكوم رمادي فوق بعضه بعضا، وأتقن فن إشعاله من جديد. لم أعرف أن رمادي سيشتعل يوما ويحرقني إلى أن أتلاشى وأبعث من رمادي وأعود للاحتراق والاشتعال مع الرماد القديم وأبعث من جديد....".
وتعليقا على رواية " خارج الجسد" تقول إحدى الناقدات في إجاز:"... إنها رحلة لإنعتاق امرأة من مجتمع ذكوري ..يعاني قمع الحريات".
هذا وقد يؤخذ على الكاتبة عفاف بعض خروجها عن النسق الأخلاقي في وصفها لبعض الحرية التي حصلت عليها في منفاها الاختياري في أوربا، حيث كانت ردة فعلها قوية إلى حد المجون، الشيء الذي جعل بطلة الرواية (منى) ضحية لسلب ديني وحضاري، وتلك صفة قد تكون نقطة ضعف السرد النسوي في الوطن العربي عندما كان مترعا بالألم كان أيضا مشاكسا لمعتقدات المتلقي.
وفي هذا السياق يحاول الناقد العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم أن يتلمس لهن عذرا عندما قال:"بأن "السرد النسوي" يندرج في سياق نصوص المتعة، تلك النصوص التي تزعزع معتقدات المتلقّي، وربما تخرّبها، فتخلّف لديه إحساسا بأنه يقرأ نصوصا لا تنسجم وما عهده من تخيّلات موروثة عن العالم الذي يعيش فيه، فهي تضمر نقدا له، وتبرّما به، وبكلّ ذلك تستبدل رغبة في حريات فرديّة مغايرة للحريات الجماعية المبهمة التي تواطأ عليها الآخرون. إلى ذلك يقوم "السرد النسوي" بتمثيل تجارب لا تعرف الولاء، وفيها من الخروج على الأعراف أكثر ما فيها من الامتثال لها، فتتحرّك في مناطق شبه محرّمة، وتُحدث قلقا في الانسجام المجتمعي، لأنها تريد أن تقطع صلتها بالموروث حينما تشكّ في كفاءته وجدواه، وهي بمجموعها تختلف عن الكتابة الباعثة على الارتياح التي تستجيب لتوقّعات المتلقّي، وتشبع رغباته، وتتوافق مع الأعراف السائدة. براعة السرود النسوية فيما تترك من أسئلة لا ما تخلّف من استرخاء".
يتواصل......