منذ يومين قرأت مقالا قيما كتبه أحد الصحفيين المهنيين تحت عنوان "حان وقت رد الاعتبار للمهنة الصحفية". كان الرجل في غاية الغيرة على مهنته الشريفة، وخائفا عليها من التردي في الوحل والموت بأيدي "رجالها". ومن أن تسيء، وقد أسيء استخدامها وحولت حريتها إلى فوضى،
إلى الدولة والمجتمع وتصيبهما بالتدمير والخراب. فالإعلام سلاح ذو حدين. وقد قدم نماذج مزرية من واقع الصحافة في بلادنا. وتطرق من ضمن ما تطرق إليه من قواعد مهنية إلى القاعدة الذهبية المعروفة "الخبر مقدس، والتعليق حر".
تذكرت اليوم هذا المقال وأنا أشاهد "نشوء خبر" يورط شاعرَ - وروائيَّ- موريتانيا الأول وأحد أبرز وأقدم رواد صحافتهاالذين صنعوا في ظروف استثنائية "الواقع" و"موريتانيا الفتاة" و"صيحة المظلوم" الأستاذ الشاعر أحمدو ولد عبد القادر: فكيف نشأ الخبر؟
لقد رأى أحد المواقع المحترمة في إطار استغلال إضراب عمال سنيم "التبرع" لهم بدعم معنوي من العيار الثقيل لعل وعسى، فقرض أبيات شعر على هواه ونشرها تحت عنوان: "ولد عبد القادر يهدي نشيدا إلى عمال سنيم المضربين" وصورة للشاعر. تلقف الخبرَ من مصدره موقع شقيق، فآخر صديق، فثالث رفيق.. ثم انتشر دون تحر ولا تبيّن ولا تدقيق. وذلك رغم شهرة الرجل وتوفر عنوانه الدقيق. ثم انطلقت التعليقات.
ذهل الشاعر الرمزوهو يقرأ "الخبر". إنه وهو الذي حدا ببيانه الساحر ملحمة تصفية الاستعمار الجديد، وغنى للعمال قصائد رسالة العجوز وغيرها، ونشيد العمال الحقيقي الرائع:
تعبنا سئمنا صرعنا الرمال ** نبشنا المعادن عبر الجبال
عملنا الكثير صنعنا المحال ** وكل الجهود وكل الثمـــار
تعود مكاسب للمترفين!
يستنكف أن يكذب فيؤول ذلك بعدم تأييد العمال مهما كان شطط وزيغ بعض النقابات التي تقود إضرابهم. ولكنه أيضا ليس ساذجا ولا مغفلا لحد لا يميز فيه بين عهدين مختلفين كل الاختلاف: عهد "ميفرما" الامبريالية العنصرية، التي أطحنا بها وأممناها يوم 28 نوفمبر سنة 1974؛ وعهد "سنيم" الوطنية التي نملكها ويجب أن نحافظ عليها كما نحافظ على أكبادنا، وأن نحرص على البحث عن حلول تضمن وتوفق بين المصالح المتناقضة لها ولعمالها إن كنا راشدين. فالشاعر في الحالة الأولى مع العمال وضد ميفرما دون تحفظ. وفي الحالة الثانية مع العمال بتحفظ ومع سنيم بتحفظ. هذا بغض النظر عن ركاكة وغباء وكيدية الأبيات الدعية نصا وروحا.
أوما آن لنا أن ندرك أن الحقيقة وحدها هي التي تخدم القضايا العادلة.