لعل من يتتبع الساحة السياسية لموريتانيا يلاحظ أن هناك شقا واسعا و هوة عميقة بين المولاة و المعارضة . فإذا غربت هذه شرقت تلك، و العكس صحيح. إنهما بمثابة خطين لا يلتقيان كما تقول مسلمة إقليدس الخامسة. و لعل ما هو مؤسف في هذه الوضعية هو ما يسفر عنه هذا الواقع
من تقهقر في التنمية و تباطؤ في التقدم والازدهار. و الأدهى من ذلك والأنكى أننا لا نجد هذين القطبين يتفقان ويتوافقان في المسائل الوطنية العامة، التي تتطلب الإجماع و تعليق الخلافات من أجل المصلحة العليا للبلد. وهذا على خلاف ما نشاهده في الديمقراطيات الأخرى، حيث يلاحظ أن الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي ينسون الخلافات بينهما عندما يتعلق الأمر بالقرارات المصرية التي تتعلق بها المصالح العليا للبلد ففي هذه الحالة يحدث اندماج وتداخل عجيب حيث تلاحظ الديمومقراطي يساند الجمهوري إذا كان يرى أن المصلحة العليا تتطلب ذلك حدثت صور من هذا في قانون الإئتمان الصحي وغير ذلك.
بالنسبة لنا فإن كلا من المعارضة والموالاة مدعوان إلي تغيير استراتيجيتهما ومسح الطاولة من أجل كتابة نظريات جديدة، ورؤية واعدة تعيد تحديد المطالب و الحقوق والواجبات حيث لابد من إعادة النظر في المفاهيم عبر الإجابة على السؤال عن ماذا يجب على المعارضة وما ذا يجب على النظام؟ وهل العلاقة بينهما محكومة بمسلمة إقليدس السابقة أم هي محكومة بمصلحة الوطن وتطوره؟ بحيث أن كل جهة سواء كانت معارضة أو موالاة وضعت سياسة حكيمة و قدمت مواقف سليمة تنفع البلاد و العباد يجب اتباعها ومساندتها باعتبارها تأخذ مبررها وشرعيتها مما تحقق من مصلحة الوطن لا من الجهة التي صدرت عنها.
لا بد أن تقول المولاة يجب أن ألقي السمع ولو مرة واحدة لما تقوله المعارضة فإذا كان حقا فلا حرج من النزول عند موقفها، لأن الحق هو ضالة المؤمن أنى وجدها اقتناها. كما أنه لابد للمعارضة أن تلقى السمع للموالاة ولو مرة واحدة لترى ما هي الأشياء الثمينة التى تقدمها وبالتالي يجب نقلها من أنها موقف خاص بالمولاة إلى أنها وجهة نظر المصلحة الوطنية قبل أن تكون موقف جهة بعينها.
في ظل هذا التوتر والانحسار بين المولاة و المعارضة فإن تنمية الوطن تتعطل بنسبة كبيرة بحيث كان يمكن القفز على الخلافات من أجل المصالح العليا للوطن . لقد كان تراثنا يحمل دروسا إيجابية عن معنى الموالاة ومعنى المعارضة لذلك نشاهد معاوية ابن أبي سفيان يقول إن بينه و بين معارضيه شعرة إذا ارخوها شددتها و إذا شدوها أرخيتها وذلك للبقاء على الحوار و التفاهم مستمرا. ويذكر أن عبد الملك قال جعلت الحجاج على العراق فألين أنا و يشدد الحجاج فلا ييأس من عاني من تشدد الحجاج، و لا ينخدع من شاهد ليونتي فوراءها صرامة الحجاج. أما التمسك بالمواقف الدوغمائية فهو موقف يتنافي مع السياسة ومع سنن الحياة فلا بد من المرونة و التوسط والاعتدال لتسير الحياة سيرا طبيعيا فتبقى قنوات التواصل مفتوحة بين الجميع.
إن مواقف النفي في السياسة لا تنتج إلا النفي، على عكس ما قيل في الرياضيات. فإذا كان تفكير المولاة هو الوقوف أمام كل فكرة أو اقتراح تقدمه المعارضة باعتباره مكيدة من مكائد حصان طروادة، فإن ذلك خطأ كبير لا يولد إلا أفعالا عكسية و لا يزيد الطين إلا ابتلالا. كما أن المعارضة إذا أصرت على تنفيذ رؤيتها كاملة غير منقوصة أو فك رابطة الحوار فإن هذا خطا أيضا، و النتيجة من هذا وذلك هو تعطل المصالح ذلك أن تحكم رؤية واحدة و إقصاء الرؤية الأخرى يعني تجميد طاقات وجهود في الطرف المقابل و يعني السير برجل واحدة و النظر بعين واحدة.
المقصود من هذا الكلام هو أننا لا نقبل و لا نرضى بما راج ومرج من خلافات حادة في هذه الأيام من خلاف وتخالف بين المولاة والمعارضة في الحوار الذي كنا نترقب منه الخروج بمواقف توافقية تقلل من هوة الخلاف فهذا الحوار كلما قطع شوطا تراجع شوطين. و السبب في ذلك هو عدم الليونة في المواقف بين الطرفين اللذين على كل منهما أن يخفض الجناح للآخر، و يتنازل من أجل التقارب . وبهذه الطريقة يمكن الوصول إلى حلول وسطية تخرجنا من عنق الزجاجة، و تطلق الجهود كلها و الطاقات جميعها لبناء الوطن كل بحسب طاقته ومجال اختصاصه وتخصصه.