قد تجاوزنا الماضي الرتيب بخطوات كثيرة وعبرنا نحو الأمل الذي كان وحتى قبل قيام الدولة ممزقا بين المشاعر والرؤى ... على هذه الأرض ولدنا ومنها أصلنا وإليها مآل أجسادنا.. ما معنى أن تظل السفينة بدون ربان ولا يقودها إلا العميّ والذين لا يعرفون البحر وسير أمواجه وخطورة
المجازفة على ثبج هيامه ....؟ ما معنى أن يظلّ المرء في كنف الضباب وتحيط به هواجس لا تعرف الانفكاك عن النفس ساعة فقط لأنها مستمدة من واقع مؤلم جدا ويتحرك عبر سيرورة محكوم عليها بالفناء قبل الولادة أياما ...؟ كأنما هدف الساسة بطونهم وهدفنا هو الاستفادة مما يسعون إليه هم وعلى ذلك تعارفنا ومن أجل تصالحنا قبائلا وشعوبا وشرائح متعددة أصبحت هي الأخرى تفهم اللعبة وتريد الاستفادة منها قدر الإمكان .... وما نجف الينبوع ولا ارتوى الظامئون برغم تدفق المياه وجريانها .. أيعقل أن يظل الوهم مصدقا رغم ثبات عدم صحته مرارا ...! وهل محكوم علينا بهذه الحالة ما دامت الأرض والسماء ...؟ أم أن الأقدار تخبئ الأفضل في طيات الزمن لنا ..؟
لنذهب الآن بعيدا عن التجريد ومحاولة البوح في ثوب البلاغة والمجاز ول نقل بالحرف الواحد دولتنا تحتاج سواعد غير هذه الحاكمة وأيادي من ذهب مؤمنة بها قبل إيمانها بنفسها ،ورجل مثقف حاذق لم يرتدي بذلة عسكرية في حياته كي نبتعد عن أحلام العسكر الملطخة بدمائنا ... فلا خير في جندي يخون أمانته العظيمة من أجل أن يلبس ثوبا آخر لم يخلق له ولا يتناسب معه ، فكل شي في الكون محكوم بوظيفة محددة له والخروج منها يعني فساده وفساد وظيفته ولا يمكن للمرء اللعب على أكثر من وتر ، تجلى ذلك في سياسة هيدالة الجنونية والمراهقة ، وسياسة ولد الطايع التي أحرقت ودمرت كل شيء حتى القيم والأخلاق ، وها نحن بخطى خافتة وتخاف على نفسها نعيد الكرة أو تعاد بنا مع هذه الحكم ..
لا يجوز للدولة أن تبقى في بوتقة سياسية مفرغة لا تخرج منها إلا بقدر الاندماج فيها أمعقول ان تُقنعنا سياسة البناء التي جاء يروج لها الرئيس أيام اغتصابه للسلطة وتنفيذ مشاريع قليلة تعود على الرئيس بالنفع أكثر مما تعود علينا نحن به ..؟ إن أول ما يجب القيام به في ظل أي سياسة تحاول البناء هو وضع نظام تربوي يحدد هوية للمجتمع تساعده على التماسك كي يستطع العبور إلى برّ الأمان والأمل المنشود ، فالتعليم وهذه سنته كما قال –الرئيس- هو الركيزة الأساسية لبناء أي مجتمع ووضعه فينا يندى له الجبين ومبعثر جدا ، فيجب أن تكون هناك خطة بعيدة المدى لتحقيق وضع معين وأخرى قريبة المدى لقياس فاعلية البعيدة ، ويجب أن نحد من فوضى خصوصية التعليم هذه التي لا تصلح إلا بقدر ما تدمر وترسخ قيم المتجارة بالتعليم فأصحاب المدارس الحرة لا تهمهم مصلحة التلاميذ بقدر ما يهمهم ما يدفعون من مبالغ لهم ... وقد يُسمح بها في أطار محدد يستطيع تكميل المؤسسات العمومية ، وواقعنا منافي تماما ولا يستطيع أن يستوعب آمال الشعب ليس فقط في إطار أخطاء الدولة في مجال التعليم فحسب بل في كافة النواحي ويعود ذلك إلى تعاطينا السلبي مع العولمة والأسواق العالمية المنفتحة على كافة الشعوب فاالبنوك المرخص لها في خدمة المجتمع تتزايد بكثير عن حاجيات المجتمع كذلك المؤسسات التعليمية الحرة والأحزاب السياسية التي تتجاوز المائة حزب ، كذلك في هيئات المجتمع المدني التي على غرار الأحزاب التي يرخص لها على الأساس القبلي أو النفعي للاستفادة من ورقة لا يتجاوز المكتوب فيها خطوطها السوداء وجيب كاتبها ...
فالنظام إّذا كان يحضُّ على التعددية والمشاركة لا يعني بضرورة السماح بها في حدود الإسراف والإفراط كما هو واقع الآن فينا،والحقيقة أنا شعب يطبع كل شيء بطابعه الخاص وإن لم يكن الحال هذا ممهدا لآتي جديد هو خير فإن الأمور ستدور إلى الوراء وتعيدنا لدهر السيبة والتشطر ، فالكرة الآن في مرمى الحكومة ويجب عليها أن تقوم بإصلاحات عميقة على مستوى البرامج التعليمية أولا وقبل كل شيء لتضمن توفر كوادر بشرية وتؤسس لخبرة أيادي محلية قادرة على أن تعي نفسها وتجسد طموحاتها بناء على هدف واحد يشمل جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ... وتضع قوانين صارمة تمنع حصول أشخاص معينين على رتب غير مستحقة علميا لا لشيء إلا لأجل مكانة اجتماعية صاحبها يسعى لتوظفيها بناء على مصلحة شخصية لا تتجاوز حدود شهواته وآماله الذاتية .