في الأسبوع الأول من شهر مارس من العام 1985 نظم الرئيس السابق "معاوية ولد سيد أحمد الطايع" زيارة تاريخية لمدينة النعمة، وفي الأسبوع الثالث من شهر مارس من العام 2015 سينظم الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" زيارة لمدينة النعمة ستكون بمثابة المحطة الأولى من زيارته
التاريخية للحوضين.
ثلاثون عاما تفصل بين الزيارتين التاريخيتين، ولكن لا شيء تغير في المدينة سوى أن الأطفال الصغار الذين استقبلوا معاوية في شهر مارس من العام 1985 سيستقبلون غدا الرئيس عزيز وذلك بعد أن اقتربت أعمارهم من سن الأربعين، سيستقبلونه وهم يحملون من الشهادات ما يحملون، ويحملون كذلك من المعاناة ما تنوء بحمله العصبة من الرجال.
ثلاثون عاما مرت، لم يقصر خلالها أهلنا في النعمة، ولا في بقية مدن الحوضين، في استقبال الرؤساء، رئيسا بعد رئيس. صفقوا بأياديهم وبأرجلهم لكل الرؤساء، وزغردوا ملء حناجرهم لكل الرؤساء، وخرجوا عن بكرة أبيهم في استقبالات حاشدة لكل الرؤساء، وأعلنوا عن دعمهم اللامشروط لكل الرؤساء، وقبلوا دائما بأن يظلوا مجرد خزان انتخابي لا يذكره الرئيس إلا في المواسم الانتخابية، أو خلال الأزمات السياسية، ورغم كل ذلك فلم تعرف مدنهم أي تنمية، ولم تعرف حياتهم أي تغير نحو الأفضل، لا شيء تغير في مدنهم سوى أنها قد أصبحت أكثر بؤسا وفقرا وتهميشا.
وإذا ما كان لأهلنا في الحوضين من درس يمكن أن يستخلصوه من استقبالاتهم للرؤساء خلال الثلاثين عاما الماضية، فلن يكون ذلك سوى الدرس التالي: إن التصفيق والاستقبالات الحاشدة والدعم اللامشروط للرؤساء لن يجلب لمنطقتهم أي تنمية، بل على العكس، فإنه لن يجلب لها إلا المزيد من البؤس والفقر والتهميش .
ألم بحن الوقت لأن يجرب أهلنا في الحوضين أسلوبا آخر للتعامل مع الرؤساء؟ ألم يحن الوقت لأن يعلموا بأن استخدام نفس الأساليب لن يؤدي إلا لنفس النتائج، وبأن المزيد من الدعم اللامشروط، والاستقبالات الحاشدة، والتصفيق للرؤساء لن يأتي إلا بالمزيد من التخلف والتهميش لمنطقتهم؟
وإذا كان أهلنا في الحوضين قد جبلوا على تنظيم الاستقبالات الحاشدة للرؤساء، وإذا لم يكن بإمكانهم ـ ولأسباب خُلقية أو خَلقية ـ أن يقاطعوا زيارة الرئيس، فلا بأس، فليستقبلوه، ولكن فليسقوه هذه المرة هو وفده المرافق من مياه بحيرة أظهر، وليقدموه له هو ووفده المرافق لبنا من الألبان التي أنتجتها مصانعهم، وليطعموه من منتجات مصانع اللحوم بالمنطقة. ألم يكن من المفترض بأن تكون منتجات تلك المصانع قد أصبحت في العام 2015 تغطي استهلاك الحوضين، بل وتغطي نسبة كبيرة من استهلاك الموريتانيين في بقية الولايات؟
وإذا كان لابد لأهلنا في الحوضين من أن ينظموا استقبالا حاشدا للرئيس عند قدومه، فلا بأس بذلك، ولكن عليهم أن يخرجوا لاستقباله في "مطار النعمة الدولي"، وعليهم ـ وفي انتظار قدوم الطائرة الرئاسية ـ أن يتمتعوا بجمال وروعة مطارهم الدولي.
كان على الرئيس أن يأتي إلى أهلنا في الحوضين عبر نفس الطريق الذي تعودوا هم أن يسلكوه في كل سفر إلى العاصمة، فكان عليه أن يأتيهم عبر طريق "الأمل" الذي أصبح يشكل خطرا على حياة المسافرين، فلماذا تترك الحكومة التي عودتنا على الافتخار بشفها للطرق مقاطع عديدة من هذا الطريق الحيوي دون أي ترميم رغم كثرة الحفر في بعض تلك المقاطع، ورغم تآكل أطراف الطريق في مقاطع كثيرة أخرى؟ ولماذا لم يكتمل مقطع 140 كلم الفاصل بين كيفة والطينطان وذلك رغم مرور ست سنوات على بدء الأشغال في هذا المقطع؟
وعلى الرئيس في جولته بين المدن أن يسلك الطريق المعبد الرائع الذي يربط بين "لعوينات- جكني- عدَّل بقرو". وعليه كذلك أن يشتري مئات الأطنان من العلف الحيواني الذي تنتجه مصانع الحوضين للأعلاف، دعما لتلك المصانع، على أن يوزع ما اشتراه من علف على المنمين في المنطقة.
وكان على الرئيس أن يصطحب معه في زيارته هذه رجال الأعمال المنحدرين من الحوضين. فهل هناك من ضرورة لأن أذكركم بأنه لا يوجد مساهم واحد من المنحدرين من المنطقة في رأس مال العشرين مصرفا وبنكا التي تم الترخيص لها، أما أن يكون من الملاك لتلك البنوك فذلك مما لا يحلم به أهل المنطقة، وهل أنا بحاجة لأن أذكركم بأنه لا أحد من المنحدرين من المنطقة قد حصل في حياته على رخصة لشركة تأمين أو على رخصة لشركة تنقيب، وبأنه لا وجود لأبناء المنطقة في اتحاد أرباب العمل الموريتاني.
لن أذكركم بذلك، ولن أذكركم ـ يا أهلنا في الحوض الشرقي ـ بأنكم كنتم قد نظمتم استقبالا حاشدا للرئيس في عاصمة ولايتكم في آخر سنة من مأموريته الأولى، وذلك بمناسبة النسخة الرابعة من "لقاء الشعب".
ألم يقل لكم الرئيس في ذلك اللقاء، وبأسلوب مستفز، بأنه كان قد أنجز نسبة 90% من برنامجه الانتخابي؟ أَوَ لم يقل لكم في نفس اللقاء وبلغة فصيحة وصريحة بأن ولايتكم ظلت منسية في مأموريته الأولى فهل يعني ذلك بأنها لم تكن ضمن برنامجه الانتخابي أو بأنها من ضمن برنامجه الانتخابي ولكن الوعود الانتخابية الخاصة بها قد تعمد أن يجعلها ضمن 10% التي لم تنجز من برنامجه الانتخابي؟
لو كانت الاستقبالات الحاشدة للرؤساء تأتي بتنمية وبتطور عمراني لكانت مدينة النعمة اليوم مليئة بالفنادق وبالمنازل الفاخرة، ولكن المصيبة بأنه في مدينة النعمة لا توجد منازل تليق باستضافة الرئيس ولا حتى باستضافة الوفد المرافق له.
إنه على أهلنا في الحوضين أن لا يشقوا على أنفسهم بتنظيم استقبالات حاشدة لن تفيدهم في أي شيء، وإذا كان لابد لهم من استقبال الرئيس ومن التصفيق له، فعليهم من قبل ذلك أن يطلبوا منه أن يتشبه ب"ونستون تشرشل" في واحد من أشهر خطاباته، وهو الخطاب الذي كان قد ألقاه "تشرشل" في العام 1940، والذي قال فيه مخاطبا شعبه : " لا أعدكم إلا بالجوع والعرق والدم والدموع".
فيا أهلنا في الحوضين صفقوا للرئيس الزائر تصفيقا حارا، صفقوا له إن صدقكم القول، صفقوا له إن وعدكم بالمزيد من الجوع والفقر والتهميش. أما إذا ما وعدكم ـ وكما فعل من قبل ـ برغد العيش، وبالمزيد من المصانع والمشاريع فلا تصفقوا له، وإذا كان لابد من تصفيق، فليكن على الطريقة التبتية، فأهل التبت يستخدمون التصفيق لطرد الأرواح الشريرة.
إن أطر المنطقة الذين سيرافقون الرئيس، أو أرواحها الشريرة إذا ما شئتم، هم السبب الأول في تخلف هذه المنطقة، فهؤلاء الأطر هم الذين علموا للبسطاء من الناس التصفيق والتطبيل والدعم اللامشروط للرؤساء، رئيسا بعد رئيس، وهم الذين جعلوا من هذه المنطقة مجرد خزان انتخابي لا أهمية له إلا في مواسم الانتخابات أو في أيام الزيارات الرئاسية.
فهل سمعتم يوما أن الأطر في أي مدينة من مدن الحوضين قد اجتمعوا في يوم تفكيري لبحث أفضل السبل لتنمية مدينة من مدن منطقتهم؟ وهل يمكنكم أن تجدوا في كل مدن الحوضين قسما دراسيا واحدا تطوع به هؤلاء الأطر؟ وهل سمعتم عن قافلة صحية أطلقوها لعلاج مرضى قريتهم التي ينحدرون منها؟
إن الأطر في الحوضين، وفي بقية مناطق موريتانيا، هم من يمثل حقا الأرواح الشريرة فهم لا يظهرون إلا في مثل هذه الزيارات، فيحجبون بظهورهم المؤقت كل مظاهر الفقر والبؤس في المناطق المزورة. وهم في العادة يحتكرون كل اللقاءات بالرئيس، ويحرمون السكان المقيمين من لقاء الرئيس، وإذا ما خلا أحد هؤلاء الأطر بالرئيس فإنه لن يحدثه عن هموم المدينة، وإنما سيحدثه عن همومه الشخصية، كأن يطلب منه مثلا ترقية في وظيفة، أو تعيين ابن أو أخ أو أخت، ولتزداد المدينة بعد ذلك بؤسا، فذلك لا يهم، فالمهم أن يحصل هو على ترقية في وظيفة، أو على وعد بتعيين قريب في وظيفة.
ولو كانت ترقية هذا الإطار أو ذاك، أو تعيين هذا العاطل أو ذاك يأتي بتنمية لكانت مدن الحوض الشرقي من أكثر مدن موريتانيا ازدهارا. ألم يحتكر أبناء المنطقة منصب الوزير الأول منذ بداية التسعينيات وإلى يومنا هذا مع استثناء واحد؟
فيا أهلنا في الحوضين : إن كنتم تريدون لمنطقتكم تنمية حقيقية، فعليكم أولا أن تطردوا كل الأرواح الشريرة التي ستزور منطقتكم في هذه الأيام، وعليكم من بعد ذلك أن تبقوا في مساكنكم إلى أن تنتهي زيارة الرئيس، فإن فعلتم ذلك فسيعلم الرئيس بأن منطقة الحوضين لم تعد مجرد خزان انتخابي كما كانت، وإنما قد أصبحت أرض كرامة وعز وكبرياء.
حفظ الله موريتانيا..