ثمة أشياء متعلقة بهمزات الشياطين التي وردت في كتابة "هُمَزَةٍ لُمزة" من مرتادي القاع لا تبشر بخير على مستقبل تعليم يبدو أن النمو الطبيعي للرداءة فيه قد اكتمل , فمن المتعارف عليه في عصرنا هذا الذي اختلطت فيه الغرائب بالعجائب , أن المادة العلمية لأي نص أو كتابة تتعلق بموضوع ما ,
هي التي تشغل العقلاء و تغريهم بالخوض فيه و اشباعه نقاشا و نقدا أو تزكية , على عكس مهنة السطحيين الذين يبحثون عن بقايا الطعام تحت المائدة , متشبثين بوساوس الدونية المهنية و عقدة التفاوت الأكاديمي ...!
إني و أنا الفقير إلى الله سبحانه و تعالى أستاذ العلوم الطبيعية و الفيزياء و الكيمياء , المتخصص في علم الفيروسات , المقر بضعفه و عجزه لي اعتراضات كثيرة على كثير من قواعد النحو التي جاء بها الأقدمون و أرى أن اللغة العربية تحتاج لمراجعات كثيرة فعلى سبيل المثال : لا أوافق من ماتوا على تعنيف المفعول به خضوعا للحركة لأن يصبح أحيانا نائبا عن الفاعل ظلما و جورا , فمن وجهة نظري أن المفعول به يجب أن يظل مفعولا به و على النحويين أن يجدوا لأنفسهم مخرجا من القاعدة التي تنخرم في هذه الحالة , و الأمثلة كثيرة أرجو أن تتاح للبعض سانحة للاضطلاع عليها .
أحاول في ما أكتب دائما أن أعطف على بعض دهماء الحرف , فأداعبهم و أهتم بالتصحيح لهم و توجيههم و تثقيفهم كي لا يضلوا الطريق الذي يحاولون الحبو فيه بين الفينة و الأخرى , فمن المعروف أن صاحب التجربة و المرتبة العالمة الواثق بنفسه لا يجد حرجا أو غضاضة في النزول إلى مستويات أخفض و أناس أقل منه رتبة علمية كي يواسيهم و يعلمهم مما آتاه الله تعالى بفضله أولا ثم بفضل الجد و التحصيل الذي لم يسعفهم حالهم بالحصول عليه !
لكن ما يشد انتباهي في ردة فعل بعض المتربصين بأنفسهم ممن يقفون على شفير الهوان و جرف التعرض أنهم مساكين يسقطون سقوطا حرا في لجة من المنزلقات تجعلهم يفقدون السيطرة على أثوابهم الرثة , فيتكشف مما وجب ستره ما به يضحك عليهم السذج و الرعاء !
سيدي الكريم لن أخوض معك في همزات الشياطين التي أثقلت كاهلك , فقد وجدت من الأذى في نصك ما به تستحق التعزية و العطف و أيقظت سيبويه من مضجعه ألف مرة و مرة حتى كره اليوم الذي خط فيه حرف لغة ! , لكن أؤكد لك أن من همزات الشياطين ما يردي صاحبه في مرتع وخيم لا قبل له به , خاصة إذا تعلق الأمر بجدل يفقد صاحبه السيطرة على مقود المادة إلى سفاسف الأمور و حكايات النساء و المتشبهين بهن على قارعة الطريق و مجالس السوء !
لا يسعدني و أنا الأكاديمي صاحب الشهادات العليا و المكون تكوينا جيدا و الحاصل على تصاريح متعددة بالإقتدار و الكفاءة , أن أنزل إلى القاع الذي فضلت أن يكون لك سكنا في جل ما تفضلت به في مقال الهمزات التي من المؤكد أنها من وحي الشياطين , بل سأسعى في المقابل أن أرفع من شأن كتابتك لترقى و لو قليلا إلى مستوى النشر على المواقع و قراءة القراء , تلك هي مهمتي التي سأتولاها معك و لو كنت أعلم أنك لن تستطيع معي صبرا !
لا يمكن لمفتش و لا مسؤول يحترم نفسه و مهنته أن يشهد بكفاءة من لا كفاءة له , و لا أن يقفز بأحد من الشارع إلى مستوى أكاديمي لا قبل له به , إلا إذا كان ذلك من باب السخرية به , أو مجاراة لمصلحة آنية ضيقة قد تتعلق بسن التقاعد مثلا , و ليس ذلك بالغريب في خضم سياسة تحطيم بنية التعليم التي بدأت بخيانة 99 , و تعززت بماكنات تصنيع المعلمين بشكل آلي دون تعقل و لا روية و لا حكمة !
أعود لأؤكد أن التكوين و التأطير و المتابعة و الرعاية و الحيطة و الحذر ...... أمور من بين أخرى يجهلها الكثيرون , أولويات و واجبات في حق التعليم لا تسقط بالإستعجال و لا بالتقادم , فكل الذين أغوتهم خيانة 99 كانوا و لا يزالون بحاجة ماسة للتكوين في مجالات التربية و التعليم و دراسة علم النفس و علوم التثقيف و الإدارة و تسيير الموارد البشرية و التخطيط , و بالتأكيد تنضاف إليهم الأفواج التي سارت على خطاهم في تلك الفوضى العارمة التي شلت التعليم و أقعدته منذ سنوات حتى أصبح بهم مادة للتندر و التنكيت ....!
التعليم قطاع حساس و عالم من المسؤوليات و مصنع ضخم و منجم من أغنى المناجم و ثروة من أعظم الثروات في العالم لو تم استغلاله على النحو المطلوب , أما إذا أرهق و دمر و كسرت شوكته فتلك هي أعظم مصيبة على الاطلاق , و على الذين لا يحبون سماع هذا القول أن يضربوا رؤوسهم على الماكنات التي صنعتهم في دقيقة !
عقدة المعلم و الأستاذ هي الأخرى يجب أن لا تذهب بنا بعيدا عن جوهر المشكل الذي يعاني منه المدرس بشكل عام , فجوهر المشكلة أعظم و أعمق من التسميات و العقد و الحساسيات الوهمية , فهناك مدرس إيجابي و هو نادر و آخر سلبي هو مربط الفرس في أي "همزة "وصل بينهما , إذ هيمنت الرداءة على الجودة و الصراخ على الحكمة و النكتة على المعلومة و التظلم على أداء الواجب , و شاعت في الأكثرين لغة الإحباط و الإنحطاط و التوسل و التوجع و التألم و الفزع و الجزع على حساب الثقة و الصبر و المجاهدة و التحمل و التجمل بخصال العلم و مرتبته !!!