الحصاد المر والزيارة الكارثة (ح2) / محمد غلام الحاج الشيخ

بعد سبع سنين من الحلم الذي أغرقت فيه البلاد ووعد به العباد وانطلقت به الحناجر صادحة واعدة بالتغيير وحقوق الفقراء وإصلاح التعليم ورفاهية الصحة ومحاربة الفساد والتخلص من المفسدين وشيوع التنمية وتعميم التشغيل، تتكشف الحال عن فشل ذريع وتفريط بين في مصالح الأمة

 ولعب بمقدراتها لم يسبق له مثيل
تبين أننا في السنوات السبع العجاف هدم نظام الفرد ما تم بناؤه خلال فترة القوس الديمقراطي من مفاهيم الدولة الخادمة حيث تم تجريف الادارة وبيعت مفاهيمها وانطلقت يد الفرد بلا تخطيط أو تعقل فحولت السلطة والثروة الى وسيلة ابتزاز وتصفية حسابات وثراء ذاتي وإثراء لحفنة من النكرات لا تعرفهم سجلات الضرائب ولا حسابات البنوك وتجهلهم ساحات الاعمال

فوضى الفساد
من المعروف في  الدول التي تحترم نفسها وتخطط للضروري من بقائها أنه لا بد من أخذ كل الضمانات للحفاظ على الدعائم الأساسية لاقتصادها ومصدر ثقة الممولين المتعاملين معها لكن النظام وصل في خطل التدبير للعظم عند ما انتشر سرطان الفساد إلى عضلة القلب في الخزينة العامة.
لقد تفاجأ الرأي العام  بيد تعبث بمقدرات الشعب وأصول المدخرات وقطاع البنوك حيث عصب الاقتصاد المغذي للمؤسسات والداعم للأفراد
هاهي شركة اسنيم التي كانت نموذج النجاح والإنتاج الذي لم يتوقف أيام الحرب في السبعينيات على عهد رجل الدولة المختار الذي أخذ كل الضمانات لاستمرار القطار لأنه رمز الحيوية الإنتاجية لشعب نام هاهو اليوم يضحي قطعا من الخردة مشلولا على وقع تلك الضربات المميتة لعمال مل من صبرهم الصبر.

في أعماق المأساة
ولكي يثبت النظام أنه موجود – رغم أنه عتيق التفكير مشلول الذهن خال من الإبداع - أعلن عن زيارة موريتانيا الأعماق  حتى يلفت النظر إلى النجاح الباهر في إعادة إنتاج كرنفالات أنظمة التخلف التي مرت بهذه البلاد
إذ في صحف الأقدمين من ساسة أنظمة الاستحواذ والتفرد واستغلال خيرات الشعب أنه لا بد لأي نظام من دعاية يتكئ عليها وعصا يهش بها على الرأي العام المغلوب حيث تصبح مادة  يجد فيها سدنة الكراسي لعاعة من التمويلات ووسيلة للابتزاز وصرفا للأنظار عن حقائق الأمور الموجعة
وتقوم على تلك الدعاية عصابة تعتصر المال من المواطن المغلوب ومن المسؤول المترف والتاجر المحتكر تنصب اهتمامات تلك الشرذمة من المخلوقات المتوحشة في مصالحها على خلق فرص تقيم بها سوقا للتزلف يساق إليه من يحكم في مواسم تحددها هي والمهم ألا يتباعد ما بين شنقيط والنعمة من مواسم الأخذ
وفي تلك الاثناء يغدو من في الحكم والمسؤولية رهينة لمن يصنع به مظاهر البطر ويختلق به أبهة المقربين ريث ما يسد أولئك جوعتهم من المتعة بإرهاق الشعب وتبديد الثروة.

الابتزاز باسم الرئاسة
أعلن قبل أسابيع عن انطلاق موسم الابتزاز باِسْم الرئيس كما أعلن أن الزيارة تأتي في إطار إطلاع فخامته عن قرب على أوضاع المواطنين وحل مشاكلهم وحتى لا نبتعد في تيه رغاء الأبواق التي تصدح مادحة لتلك الخطوة فإنني أودّ من القارئ الكريم أن يفكر معي في كنه تلك الزيارة واقعا ونتيجة ولنتأمل معا :

-  ترزح دولتنا وخصوصا المناطق المزورة في هذه الآونة تحت حالة من العوز والفقر والمعاناة قل نظيرها في أرض الله الواسعة، تلك المعاناة التي تشمل البشر والماشية فالمنمون وهم عَصّب رزق تلك البلاد المنكوبة تتعدد أوجه ما يعانون ويكابدون
ففي هذه السنة قل العشب وجف الضرع وكسدت الماشية ونضب ماء الآبار البدائية التي يقتتلون على حظوة دلو منها يسقون به صبيانهم أو يروون به مواشيهم ولذا شدوا الرحال هائمين على وجوههم لا يهتدون طريقا للإبقاء على بقية من حيواناتهم ولم يكن للنظام من بعد النظر واستشراف أفق مصلحة شعبه التائه ما يوفق به لرعاية مصالح المنمين وتسهيل ولوجهم للمراعي في الدول المجاورة الأوفر عشبا والأكثر ماء.
والتجار يضربون أخماسا في أسداس يطاردهم شبح الكساد ويحرقهم  لفح الضرائب  ومكوس المسؤولين وإيجار المحلات ورواتب الموظفين وهواجس الدين ومشاكل النقل وكساد البضاعة.
وأهل التعليم في عام الحزن وليس هو عام التعليم لاهية قلوبهم، قد توزعتها الهموم وحاطتها الغموم، فالقائمون عليه وهم حجر الزاوية انشغلوا بأوضاعهم البائسة حيث توزعتهم معاناة أسر لم يجدوا من المرتبات ما يقيمون به أودها، وهموم تعليمية مترنحة بين ضبط الطلاب وعائق البنى التحتية وضعف المردودية.
وأما الصحة وما ادراك ما الصحة فلم يستطع النظام خلال سنواته العجاف بسط الخدمات كما ولم يقنع بجدوى الموجود منها كيفا فهي تخلوا من الإمكانيات والوسائل الضرورية وبالقدر الأدنى من تعميم الضروري منها في أرجاء الوطن المنكوب فباستثناء عواصم الولايات لا توجد مستشفيات تجري فيها العمليات الأولية مثل القيصرية والزائدة الدودية فعلى سبيل المثال على المرأة المحتاجة لعملية قيصرية أن تقطع مسافة الحفر وتخوض الأودية من باسكنو إن قدر الله لها أن تتجاوز |أقريكت"الموت حتى تصل النعمة وكذلك من ولاتة مازالت الفاتورة الضخمة يدفعها المواطنون والدولة للخارج، حيث مرضانا مبعثرون في مستشفيات الدول المجاورة لأتفه الأسباب الصحية والضمان الصحي الحقيقي جيوب أفراد القبيلة وزملاء الوظيفة

أما الموظفون الإداريون الذين كلفوا بإدارة قلت وسائلها وانعدمت صلاحيتها وكثرت صراعات القائمين عليها واستأثر أهل النفوذ فيها بالصلاحية وتمتعوا بالمنافع فتركوا البقية معلقة
ووحدات أمن وكلت لهم مهمة تأمين المدن فشغلهم دفع سياراتهم بأيديهم كي يوصلوها لمكان الجريمة وقد نفد منها الوقود فتتعطل بهم بعد أن أوصلتهم قبضة المجرمين لم يزودوا بعتاد كاف ولا بوسائل معينة أو كفاية مادية، خلت سجلا تهم من التدريب والتكوين ومواكبة العصر الذي فيه يعشون وتطور المجال الذي فيه يعمهون.

وجع الرؤى

وبعيدا عن كل ما سبق من الفئات المصنفة تتراءى في مخيلتي أسمال خيمة بالية مخرقة جمعت تحتها هياكل عظمية لأسرة معدمة تمثل القاعدة الأعم لساكنة لأعماق المحرومة عند اقترابك من خبائها يبدو لك شيخ طاعن في السن قد احدودب منه الظهر ورق العظم وانحسر نظره وتقعرت حفر نعاله تخط أقدامه الأرض من الهزال يحمل آنية وضوء عائدا من هيمان خلاء في عشية مكررة من عقود يجلس أمام الخيمة لينظر إلى أشباح عيال تكومت عظامه النخرة من الفاقة والهزال يسر الله لأمه الانشغال بالطاعة عن التفكير في حقها وعيالها في حياة كريمة فينظر أشأم منها فتقر عينه على بنيته آخر العنقود التي سرق الفقر منها نضارة الحسن الذي حازت أصله لكن الفاقة أبرزت منها الخدين وحفرت منها العينين وجعلت مابينهما غائرا فيبس جلدها على قصبتي الأنف  فأضحى بعد جمال محنطا وكأن ابن بدّي يعنيها بقوله
وحولها طفلة تبدو مفاصلها
                            من تحت جلد براه البأس والسقم
كان ما حنطت في مصر في من زمن
                   من عهد فرعون لكن ما لها هرم
فتسأل عن أولاد الشيخ فيخبرك بدخولهم غياهب إفريقيا لا يملكون رأس مال ليتجروا به او مهنة يعملون بها فآثروا التخفيف على أهليهم بالبقاء ثقلا على أهل المروءات من أقاربهم  وحين عسعس الليل قربت اليه البنية آنية من الشجر مثلومة الحواشي في قعرها ملأ اليدين لا مبسوطتين من مفتول معتق بأدخنة ما تيسر مما يوقد النار مبلل بماء وكمية زائدة من الملح أشاعت في الأسرة ارتفاع الضغط وتصلب الشرايين يرسل الشيخ إلى صاحب الدكان يطلب دين  علبة حليب مما يعافه الغرب فيصدره إلينا فنحسبه سائغا للشاربين فيرد صاحب الحانوت بأنه لم يعد يستطيع زيادة الدين الذي قاربت شهوره السنة وما دفع له منه شيء يتوكل الشيخ على الله ويأمر العيال بتناول الموجود فيدخل أنامله بين حبيبات متطايرة لارابط بينها من أدمة أو حسن صنعة يبتدرها الجياع يستسيغون ما يصاحبها من حصى عاتيات الزوابع

السؤال الكبير
السؤال الكبير هو مالذي سيستفيد ذلك العالم من زيارة البطر تلك في عام الرمادة ومالذي سيتغير من أحوال تلك المظاهر المؤلمة ما حظ المعلم والتاجر والناقل والإداري والمحروم؟
ما حظ المواشي من تلك الزيارة القارونية التي تنحر فيها قطعان الإبل وتذبح فيها الأبقار وتشوى فيها الأغنام لا يستفيد منها الفقراء والساكنة الحقيقيون بل ليتخم بها من كان شبعانا ويحرم منها من كان محتاجا
من سيلتقي الرئيس في تلك الزيارة هل هي الفئات التي ذكرت آنفا أم أشتات من كافة ربوع الوطن جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم من التقرب يصنعون صورة من الزيف والبهرج والفخامة الموهومة فيتم تثبيت صورة مزيفة أمام الرئيس حيث حل تحله جوقة الترف والتزلف تبعد عنه الضعاف والمساكين وتقرب اليه الأغنياء والمسؤولين من سكان العاصمة وأقوياء الولايات المختلفة
الزيارة بتلك الطريقة هي إهانة للمواطنين المطحونين ومظهر من مظاهر التخلف والاحتقار للشعب المسكين لم تعد موجودة إلا عندنا وفي دولتنا

ليس لهذا النوع من  الزيارات هدف إلا أن تشبع مركب نقص لدى الحكام الفاشلين الذين يحشرون الشعب المغلوب في أوقات الحر ومواسم الجفاف كي يستمتعوا بغلبتهم وإهانة أعيانهم وتبديد ثرواتهم التي كانت بطون الفقراء ومنافع الأرض أولى بها.

ذكرى من العهد القريب

أذكر في العام 2003 وأثناء زيارة لمن كان في الحكم يومها لأحدى ولايات الداخل سمعت عن حجم ما بذر وأسرف رغم حاجة المدينة التي تتضور من العطش القاتل والحر اللاهب فخطبت يومها جمعة بكلام كما قال الأديب الطنطاوي (ما فكرت فيه ولا كتبته بل القاه إيماني على لساني فرأيت اثره في وجوه الناس )كان من بين المصلين حفنة من المقربين انتصروا لسيدهم يومها قبل أن ينقلبوا عليه فمنعوني  الخطابة في الجمعة القادمة فصرت  كما قال ولد الشيخ سيديا
فلو أن أرضي ذات معز رجمنني
ولكنها ليست بذات أماعز
وبعد ذلك بسنوات قليلة قابلت واحدا من جماعة المسجد ومن أكثرهم حضا على معاقبتي قال لي الرجل في لحظة صفاء من مغريات القرب التي تدفع للعزة بالإثم قال لقد ظلت كلماتك ترن في أذني خصوصا مقارنتك بين خروج قارون في زينته وقول الذين يريدون الحياة الدنيا وقول أهل العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن ) يقول صاحبي ومقترحاتك المبسطة بان الرئيس لو كان جادا وأراد حقا ان يطّلع على أحوال المواطنين لحلق بطائرة مع قلة من حرسه يستقبله حاكم المقاطعة ليذهب به مباشرة كي يرى الصدور العارية والبطون الخاوية والأجساد المنهكة بألوان المعاناة ليرى الأمور على ما هي عليه بدون صورة الوهم الزاهية الواهية التي يثبتها الحاشية امام ناظريه حتى يعود مغرورا مغدورا يحسب البلاد جنة والمواطن مرفها والأمر في الحقيقة عكس ذلك بل كما قال الشاعر
وباطن الشعب آلام مبرحة
                          وظاهر الشعب افراح وزينات
قد هده الجوع وانهارت عزيمته
                                 وقادة الشعب بالأكباد تقتات
كم بدوا المال هدرا في مباذلهم
  وفي ليالي الخنا ضاعت مروءات
فهل تتكرر الآية ويتكرر الندم عند السدنة ولكن ساعة مندم

17. مارس 2015 - 1:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا