ينظر البعض إلى موالاة الأنظمة وكأنها جرم ووصمة عار في جبين أصحابها، وذلك لما يرون من النماذج الكثيرة الموجودة من الموالين المتزلفين الذين ينسون أو يتناسون أن لهم كرامة، يعد الحفاظ عليها أولى من كسب إرضاء النظام ، والحصول على وده ، ولو أنفق في سبيل ذلك الرضا،
كلما بيده من أموال، فتراهم يسارعون في إرضاء الحاكم بالحق والباطل ويصفونه بأوصاف تكاد تفوق صفات الخلفاء الراشدين، ويحسبون وعده محقق الوقوع وإنجازاته تعجز عن كتابتها الأشجار لو اتخذت أقلاما والبحور لو جعلت مدادا .
وفي الوقت نفسه يحسب البعض أن المعارضة شذوذ وشق لعصى الطاعة وانحراف خطير لا تدفع إليه - في الغالب - إلا كراهية النظام المجردة ، أو حسده على ما حباه الله به من الكرامة والتمكين، أو الحرص على تحقيق مكاسب مادية .
وذلك لما يرى من المعارضين الذين لا يحرصون إلا على مصالحهم الخاصة ، ولا يراعون في الشعب إلا ولا ذمة ، وإنما يستدرون عطفه موسم الانتخابات ويأخذون ما جادت به صناديق الاقتراع من أصوات، ثم لا يعيرونه بعد ذلك أي اهتمام ، ويتقلبون بين الفينة والأخرى، فكلما لاح لهم برق طمع قالوا هذا عارض ممطرنا ، ولا يطربون إلا عند كشف سوءات النظام وتجريده من كل فضيلة، ولا يلتفتون إلى إنجازاته إلا بأ عين عمي وآذان صم .
والحقيقة – حسب رأيي - تجانب هذين الرأيين ، فلا الموالاة بحد ذاتها عيبا إذا اتصف أصحابها بقدر من المسؤولية والثقة في النفس، يخولهم نصح ولاة الأمور، وبيان الحقيقة لهم وتذكيرهم إذا غفلوا، وإعانتهم إذا ذكروا، وكانت لهم إرادة تحملهم على السمع والطاعة في حدود المباح ، والرفض والاستكبار عند المس من كرامتهم أو التعرض لمقدساتهم، وكانت هذه الموالاة تعترف بالنواقص وتقبل الرأي الآخر .
وليست المعارضة عارا إذا كان همها الأول والأخير هو المصلحة العامة، وإنارة الرأي العام حول حقوقه ، والرقابة الفطنة على تسيير ثروات الدولة ومقدراتها، والنقد البناء لكل إخلال بالسياسة الرشيدة ، واقتراح الحلول الممكنة، و كانت صادقة في توفير البديل الصالح وتحرص على كيان الدولة أكثر من حرصها على حصول التغيير، أو الوصول إلى السلطة.
بل إن هذا النوع من المعارضة لا غنى عنه ، لخلق توازن إيجابي، في الساحة السياسية ولدفع السلطة لفعل الأحسن ، وهو الذي تقتضيه النصوص الشرعية الداعية إلى الطاعة في المعروف ، وبذل النصح لكل مسلم فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم». فلا خير في موالاة لا ترى الأخطاء وتبخل بالنصح ، ولا في معارضة قصارى جهدها كشف السوءات وعدم تقديم البديل .